احمد رباصمستجدات

الجحيم هو الآخرون، مرة أخرى

أحمد رباص – حرة بريس

1) “الجلسة المغلقة” وسؤال الآخرين: الجحيم البيذاتي
تتحدث مسرحية “الجلسة المغلقة” الصادرة عام 1943 عن وصول ثلاث شخصيات إلى الجحيم. امرأتان ورجل يحاولون فهم ما هذا الشيء الذي قادهم إلى هناك وما هي عقوبتهم. وسرعان ما أدركوا ألا وجود هنا لجلادين، لأن كل واحد من الإثنين الآخرين هو جلاد للثالث. عقوبتهم هي أن يعيشوا معا إلى الأبد، وأن يتعايشوا، وأن يكرهوا بعضهم البعض، وأن يتحملوا بعضهم البعض.
هذا ما توضحه الصيغة الكاملة للفقرة المقتبسة من مسرحية سارتر:
“كل تلك النظرات التي تلتهمني … ها ، هل أنتما إثنان فقط؟ ظننت أنكما أكثر عددا. لذا، هذا هو الجحيم. لم أصدق ذلك أبدا … انتما تتذكران: الكبريت، المحرقة ، الشواية … آه! يالها من مزحة. لا حاجة للشواية: الجحيم هو الناس الآخرون “.
2) الآخر، الخجل والتشييء: الجحيم هو الآخرون
لم تكن “الجلسة المغلقة” هي الفرصة الأولى لسارتر لتصوير الآخرين على أنهم مصدر الجحيم. يحتل الآخر مكانة خاصة في فكر سارتر.
بالفعل، لا يوجد الضمير وحده في العالم. يجب أن يتصالح مع الضمائر الأخر ى، ويكافح من أجل الوجود.
الإنسان الذي يعيش لأجل ذاته يعيش في نفس الوقت لأجل الآخر. نحن نلتقي بالآخر دون أن نشكله (نخلقه من وجهة نظر فينومينولوجية). كيف يمكنني تجربة الآخرين؟ من خلال الجسد.
يصف سارتر الخجل بأنه الشعور الأصلي بوجود الآخر. مثلا، أنا أنظر من خلال ثقب المفتاح، هذه الإيماءة تصيبني بالقشعريرة لأنني تخيلت شخصا يراني وهو يتلصص علي من ثقب المفتاح. رأيت نفسي كما يراني الآخرون، كالشيء الذي كنته بالنسبة للآخر. الخجل هو خجل الذات أمام الآخر.
الآخر فضيحة لأنني لا أجعله موجودا بينما لديه القدرة على تجميدي في كائن (مبتذل، فخور، خجول، …) لا أمت له بصلة. نظرة الآخر تكشف عني الغطاء، تجعلني ضعيفا وهشا، تجعلني شيئا له:
“إذا كان هناك آخر ، كيفما كان وأيا كان، ومهما كانت العلاقات التي تربطه بي… لديّ خارجية ، لدي طبيعة؛ سقوطي الأصلي هو وجود الآخر” (الوجود والعدم).
الآلية الدفاعية الوحيدة التي يملكها الإنسان هي تحويل الآخر، بدوره، إلى شيء. عليه أن يتحرر من الآخر، وأن يهرب منه من أجل إعادة تهيئة نفسه والعالم الذي سرقه الآخر منه. يخترع الوعي هذه الحيلة ليستمر في الوجود كذات.
لكن الآخر ينتفض لمقاومة محاولة الإخضاع هاته. يفتح هذا صراعا حقيقيا للضمائر، في خضمه لا أستطع أن أكون معترفا بي من قبل الآخر إلا إذا تمكنت من تشييئه. إذن، توجد لدى سارتر نظرة نزاعية للعلاقات بين الضمائر .
تشخص “الجلسة المغلقة” تماما التعايش الصعب بين الضمائر، واقعة أن الآخر هو ما يستلبني ويحبسني في طبيعة معينة، ما يحرمني من حريتي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube