أخبار دوليةمستجداتمقالات الرأي

ليبيا: رعاية ملكية نحو الحل السياسي

نوفل البعمري

عاشت ليبيا منذ انهيار “نظام” القذافي فوضى كبيرة هددتها بالتقسيم و بسيطرة المليشيات المسلحة على أجزاء من ترابها الوطني، ما عمَّق من الأزمة الليبية حدة التقاطبات التي شهدتها مختلف الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة و انقسامها و الاحتكام في بعض اللحظات إلى سلطة السلاح المليشياتي لحسم المعركة، و قد ضاعف من حجم هذا الصراع غياب مؤسسات قوية بحيث أن القذافي كان قد بنى دولة ليبية بدون مؤسسات رسمية و لا مدنية و لا حزبية، لذلك فبانهيار نموذجه وجد الشعب الليبي نفسه أمام فراغ سياسي و مؤسساتي خطير، ضاعف هذا الفراغ و التطاحن من حجم الأطماع الأجنبية في ليبيا و في مُقدراتها، ثرواتها و خيراتها الطبيعية…
هذه الحالة من الفوضى جعلت المغرب خاصة مع محاولات بعض التنظيمات الجهادية التكفيرية تحويل بعض المناطق من التراب الليبي إلى قواعد عسكرية تسيطر عليها و تُحولها لمركز مليشياتي لها للإنطلاق نحو شمال إفريقيا مع التهديدات الكبيرة التي أصبحت تُشكلها على المنطقة ككل، لذلك فالمغرب و انطلاقا من مسؤوليته اتجاه المنطقة و لما له من إسهام كبير في حفظ السلم و الأمن، و محاربة الإرهاب، عمد إلى تحمل مسؤوليته اتجاه الوضع في ليبيا و انطلق في دعم و الدفع بالمسلسل الليبي بشكل تدريجي نحو السلم بين الأطراف المتصارعة على السلطة، و التوافق بيها انتهت هذه التحركات المغربية بتوقيع اتفاق الصخيرات الذي حضي بدعم أممي و أصبح الإتفاق رغم المحاولات التي تم القيام بها من طرف بعض الدول لإجهاضه و إفشال مُخرجاته، مرجعا أمميا للوصول للحل النهائي الذي سيتوج بالاستحقاقات التي ستجري في 24 دجنبر من سنة 2021 و هي الانتخابات التي يُعول عليها الشعب الليبي لبناء مؤسسات ليبية قوية، اعيد توحيد الدولة الليبية و تبني ليبيا ديموقراطية،حديثة،و قد ساعد على المضي قدما في هذا الحل ثلاث عوامل:
حرص العاهل المغربي على إنهاء هذا النزاع، و رعايته الشخصية لكل الحوارات التي تمت، هذا الحرص الملكي أعطى مصداقية لكل العمل الدبلوماسي الذي تم القيام به،و أعطى كذلك قوة سياسية كبيرة لكل اللقاءات التي تمت و احتضنها المغرب، و هو الحرص الذي ظل موضوع إشادة دولية خاصة و أن المغرب من خلال هذه الرعاية الملكية نجح فيما فشلت فيه الأمم المتحدة و مبعوثها إلى ليبيا من خلال نجاحه في تقريب وجهات نظر الأطراف، و الوصول لتوافق مؤسساتي سينهي الوضعية الحالية.
ثقة الأطراف الليبية في جلالة الملك محمد السادس، بحيث ذهبت جل التصريحات التي تم الإدلاء بها في هذا الإطار إلى إبداء ثقتها في الاحتضان الملكي و رعايته للحوار و اللقاءات التي تمت بالمغرب،هذه الرعاية شجعت الأطراف الليبية على المضي قدما لإنهاء النزاع، و قد تجلى ذلك بوضوح في آخر تصريح لعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي بتأكيده على أن ليبيا “تحتاج إلى الدعم المغربي نظرا لمكانة المغرب في المجتمع الدولي، وحرص الملك محمد السادس على استقرار ليبيا وأمنها”،هذا الحرص و هذه المكانة للمغرب في الجغرافية الدبلوماسية الدولية و الثقة التي يحضي بها دوليا و أمميا في صناعة السلام و الأمن بالمنطقة و القارة الإفريقية، و انخراط الملك الشخصي و المؤسساتي في صناعة السلم بليبيا كلها عوامل أدت إلى نجاح المغرب في مهمته، و إلى ثقة الأطراف الليبية في المغرب.
التحرك المغربي و بتأكيد مختلف الأطراف الليبية و على عكس التحركات التي كان يتم القيام بها من طرف بعض الدول التي تنظر لليبيا سوى كونها دولة تم تدميرها و تحتاج لإعادة الإعمار مع ما يصاحب ذلك من استثمارات لهذه الدول في ليبيا، و ترى فيها كذلك و في أرضها مجرد حاضنة الثروات الطبيعية التي تتمتع خاصة النفط الليبي، على عكس كل ذلك التحرك المغربي ظل محكوما من منطلق حرصه – على عكس طبيعة التحركات التي تم الإشارة إليها سابقا-على استقرار و أمن ليبيا و شعبها، و المساهمة في بناء مؤسسات ليبية قوية تحضى بدعم الشعب الليبي و بالمصداقية أمامه، هذا التحرك الغير النفعي في العلاقة مع الأزمة الليبية جعلت تحركات المغرب مع الأطراف الليبية تحضى بإجماعها و ثقتها فيه، و جعل كذلك من المبادرات المغربية تحضى كذلك بالدعم السياسي من هذه الأطراف التي لم تتوحد إلا في المغرب و على أرضية الصخيرات، الشيئ الذي زكى هذه الثقة هو استمرار الحرص المغربي الخالِ من كل الأطماع هو تأكيد رئيس البرلمان الليبي في تصريح له على “نحن نقول من هنا من المغرب إننا في ليبيا قادرون على إصلاح شؤوننا، لا نريد أي قوى أجنبية تتواجد في بلادنا، ولذلك نطالب بخروج كل القوى الأجنبية والمرتزقة من بلادنا”، لذلك فالمشروع المغربي هو مشروع تحرري في ليبيا، لإستكمال وحدتها و استقلالها.
هذه العوامل كلها دفعت بالخارجية الألمانية بمعالجة خطئها السياسي اتجاه المغرب السابق ذلك بدعوة المغرب للقاء برلين 2،حيث أكد وزير خارجيتها على حرص ألمانيا على إيلاء حرصهازالشديد لحضور المغرب في برلين2،بحيث حرصت الخارجية الالماني على التاكيد في تصريح لها على أن “المغرب يُشارك منذ فترة طويلة في لجنة المتابعة الدولية لليبيا، ولذلك فطبيعي أن يدعو وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، والأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، وزير الخارجية المغربي السيد ناصر بوريطة إلى مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا”،وإذا كان المغرب لم يجب بالموافقة على هذه الدعوة لحين استجماع كافة العناصر السياسية و الدبلوماسية من هذا اللقاء، فما يهم اليوم هو تأكيد الأطراف الليبية على كون الحل لا يمكن أن يكون إلا من خلال المخرجات التي تمت بالمغرب خاصة منها اتفاق الصخيرات،و أن أية لقاءات دولية سيحكمها الفشل في حال قفزت على الدور المغربي و على ما تم تداوله و الاتفاق بشأنه في الصخيرات،بوزنيقة و آخرها ما تم تداوله مع رئيس البرلمان الليبي و رئيس مجلس الدولة الليبي بالمغرب بتاريخ 4 يونيو 2021 مع رئيسي مجلس النواب المغربي و مجلس المستشارين،ثم وزير الخارجية المغربي انطلاقا مع التوجيهات الملكية التي أعطاها في هذا الإطار،و حرصه الشديد على نجاح الأطراف الليبية في الإتجاه نحو التوافق المؤسساتي ثم انتخابات حرة، ديموقراطية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube