محمد ياسر بوبكريمستجدات

الحكومة الإسبانية: غدر المغرب مقابل الغاز

محمد بوبكري

تمر العلاقات المغربية الإسبانية مؤخرا بأزمة كبيرة، بسبب تورط الحكومة الإسبانية في استقبال “إبراهيم غالي” بجواز سفر جزائري مزور بطريقة مقيتة، فضحت تواطؤ المسؤولين الإسبان وتورطهم في التزوير، وإدخال هذا الشخص إلى التراب الإسباني في سرية تامة، اعتقادا منهم أن الخبر لن يعرفه الرأي العام الدولي. لكن المخابرات المغربية تمكنت من اكتشاف ذلك، ما أزعج المسؤولين الإسبان، فرفضوا الاعتراف بخرقهم لاتفاقيات التعاون وحسن الجوار التي أبرموها مع المغرب.


ومراعاة لمشاعر الشعب الإسباني، وعملا بمبدأ حسن الجوار، قرر المغرب في 2017 رفض استقبال الزعيم الانفصالي السابق لـ ” كتالونيا”، رابطا ذلك بموافقة مدريد عليه. لكن المغرب لم يقم بذلك تحت ضغط أحد، لأنه صار أكبر من أن يخضع لضغوط أحد، ويتصرف انطلاقا من مبادئه وقيمة، حيث يتعامل بحسن نية ويحترم دول الجوار، التي ينأى بنفسه عن التدخل في شؤونها الداخلية. أضف إلى ذلك أن المغرب قد اختار العيش بدون أعداء، حيث يريد أن يتخذ العالم صديقا له، ويرغب في السلام والتعاون مع الجميع، لأنه يسعى إلى حياة بدون أعداء؛ فتلك هي الفلسفة التي تنهض عليها سياسته الخارجية.
وتعبيرا عن حسن نيته ورغبته في الحفاظ على حسن الجوار، فقد دافع المغرب عن الوحدة الترابية الإسبانية أكثر مما فعلته بعض الدول الأوروبية الحليفة لإسبانيا. وعوض أن يقر المسؤولون الإسبان بذلك، فقد انخرطوا في التآمر سرا مع جنرالات الجزائر ضد الوحدة الترابية المغربية، فعبروا بذلك عن جحودهم، حيث لم يخبروا المغرب باستقبال “إبراهيم غالي” قبل الإقدام على هذا الفعل.
لذلك، على المسؤولين الإسبان أن يعلموا بأن المغرب قد أصبح قوة تحترم مشاعر الآخرين، وقادرة على فرض احترام مشاعرها وحقوقها على كل من يحاول عدم احترامها، ما يفرض على هؤلاء أن يدركوا أن المغرب يتصرف بحكمة وبعد النظر، ما جعله يحرص دوما على امتلاك عدة أوراق تمكنه من التعامل بندية مع كل من يحاول المس بحقوقه.
ومن بين الأوراق التي يمكن للمغرب استعمالها مع إسبانيا هناك ورقة الهجرة السرية، لأنه لا يمكن للمغرب أن يظل دوما دركيا يتعاون مع الأمن الإسباني لحماية الحدود الإسبانية وجزر الكاريبي؛ فهو ليس مجبرا على القيام بذلك، خصوصا إذا كان المسؤولون الإسبان لا يحترمون المشاعر الوطنية للشعب المغربي، حيث إن المغرب يحترم المشاعر الوطنية للشعب الإسباني. وما يتجاهله المسؤولون الإسبان هو أن المغرب قادر على توقيف التعاون مع إسبانيا في هذا المجال، لأنه لا يتصرف سياسيا على أساس العقيدة الكاتالونيكية، لأنه لن يدير أبدا خده الأيمن لمن صفعه على خده الأيسر؛ فهو يرفض التعاون مع كل أصحاب العقليات التي لم تتخلص بعد من النزعة العنصرية الاستعمارية؛ فالمغرب يريد تعاونا جادا يخدم بشكل متساو الجانبين المتعاونين، لكنه يرفض أي تعاون يمس بوحدته الترابية، لأنه ينظر إلى ذلك بكونه غدرا، لا تعاونا…
كما يمكن للمغرب أن يستعمل الورقة الاقتصادية لمواجهة مؤامرات حكام إسبانيا ضد الوحدة الترابية المغربية… فمن المعلوم أن المغرب هو أكبر شريك اقتصادي لإسبانيا خارج القارة الأوروبية، حيث ورد في تقرير مكتب الإحصاء الأوروبي أن قيمة الصادرات إلى المغرب تبلغ سنويا مليار وخمسمائة مليون أورو. وقد أشار هذا التقرير، الذي تم نشر مضمونه في مختلف وسائل الإعلام الإسبانية، إلى ان المغرب يشكل الوجهة الثانية للصادرات الإسبانية خارج أوروبا… فضلا عن ذلك، فإن الشركات الإسبانية تلتهم ملايير خيالية من الصفقات، غير الشفافة، التي تبرمها مع الجماعات المحلية في أغلب المدن الكبرى المغربية، كما أنها أبرمت صفقات مع مؤسسات عمومية مغربية عديدة، الأمر الدي يقتضي من السلطات المغربية التحقيق في كل ذلك، لأن أغلب هذه الصفقات لم تكن شفافة، وسأنشر مستقبلا كل التفاصيل المملة لذلك. فوق ذلك، إن أرباب الصيد البحري يجنون ملايير خرافية من المياه المغربية…
هكذا، على إسبانيا احترام المشاعر الوطنية للشعب المغربي، حيث كان عليها ألا تستقبل “إبراهيم غالي” بسرية تامة، اعتقادا منها أن ذلك سيحدث بعيدا عن أعين المغرب، التي فطنت إليه في حينه. بل يدل سكوت المسؤولين الإسبان عن ذلك على منتهى الغدر والخيانة، حيث تجمع إسبانيا مع المغرب علاقات تعاون ُيمنع بموجبها منعا كليا على كل واحد منهما الانخراط في التآمر على الآخر…
لقد استقبلت إسبانيا هذا الشخص في سرية تامة دون إخبار المغرب. وما زاد الطين بلة هو أنها تذرعت أنها فعلت ذلك لاعتبارات إنسانية، ما جعل تعليله هذا أمرا مضحكا، لأن ” غالي” قد دخل إلى إسبانيا بوثائق مزورة وفي سرية تامة. فلو كان الأمر يتعلق بحسن نية المسؤولين الإسبان، لأخبر هؤلاء المغرب مسبقا بذلك لكي يعرفوا وجهة نظره. وهذا ما يفضح كذب المسؤولين الإسبان. وما لا يعلمه هؤلاء هو أن للمغرب عيونا وآذانا لا تنام في كل مكان. وهذا ما جعل استقبالها لهذا الشخص أمرا معروفا من قبل الجميع؛ فإسبانيا لم تكن تتوقع ذلك، لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفنها، فانفضح أمر مسؤوليها، فتلطخت سمعة مسؤوليها وفقدوا مصداقيتهم، حيث تأكد للجميع أنهم مجرد ممارسين للعب العيال.
فضلا عن ذلك، هناك أيضا تعاون بين المغرب وإسبانيا في مجال المخابرات، حيث تجمع المغرب وإسبانيا اتفاقيات للتعاون في مجالي محاربة الهجرة السرية ومكافحة الإرهاب، ما جعل استقبال إسبانيا لـ “إبراهيم غالي” يشكل خيانة لبنود هذه الاتفاقية. وللتدليل على تعاون المخابرات الإسبانية والمغربية في هذا المجال، فقد تمكنت المخابرات الإسبانية من اعتقال خلية تابعة لتنظيم القاعدة في أكتوبر 2020، حيث تم ذلك بتعاون بين المخابرات المغربية والإسبانية. كما تمكنت أجهزة الأمن من إلقاء القبض على شخصين: أحدهما تم اعتقاله في مدينة مليلية السليبة، والثاني تم إلقاء القبض عليه في “لاس بالماس”، حيث اشتبه في انتمائهما إلى منظمة إرهابية. وقد تم ذلك بتعاون بين مخابرات البلدين…
وتقول الأرقام إنه منذ سنة 2014 قامت المخابرات الإسبانية بتنسيق مع نظيرتها المغربية بإنجاز أكثر من 21 عملية في مجال محاربة الإرهاب. لذلك ليس من المبالغة إن قلت إن الأمن الإسباني يمر عبر الرباط. ويدل كل ذلك على حاجة إسبانيا إلى المغرب في مواجهة الإرهاب والهجرة غير النظامية، ما يفرض عليها وضع حد لخرقها للاتفاقيات التي تجمعها بالمغرب، وخصوصا احترام الوحدة الترابية المغربية.
ولو تخيلنا أن المغرب قرر توقيف تعاونه مع إسبانيا في المجال الأمني، فإن هذه الأخيرة ستعرف تفجيرات كثيرة، ما سيغرقها في بحار من الدماء…
علاوة على ذلك، فإن إسبانيا تستفيد من عملية “مرحبا”، التي ينظمها المغرب لصالح مغاربة العالم الذين يمرون عبر إقليم “الأندلس” من أجل دخولهم إلى المغرب. وجدير بالذكر أن المغرب قد ألغى هذه العملية في السنة الماضية، فعانى سكان هذه المنطقة اقتصاديا، حيث تضرر أصحاب المطاعم والمقاهي والفنادق والمحطات الطرقية في هذا الإقليم، وتأكد أن المغاربة ينشطون الاقتصاد في “إقليم الأندلس”، ما يفيد أن إلغاء المغرب لعملية “مرحبا” قد يشل الحركة الاقتصادية بهذا الإقليم.
وبناء على كل ما سبق وغيره، فإن المسؤولين الإسبان قد انزعجوا كثيرا لما علموا أن المغرب اكتشف استقبالهم لـ “إبراهيم غالي”، ولما لاحظوا أن الشعب المغربي يرفض ذلك. هكذا، فإن المسؤولين الإسبان صاروا يحرفون المبادئ التي تنهض عليها السياسة الخارجية، التي تقتضي خدمة المصالح المشتركة بين البلدين.
ويؤكد بعض الخبراء في الشأن الجزائري أن جنرالات الجزائر قد وعدوا المسؤولين الإسبان بتزويدهم بالغاز بأثمنة تفضيلية، مقابل الانخراط معهم في قبول دخول “إبراهيم غالي” إلى إسبانيا بوثائق مزورة والتكتم على ذلك، ما جعل المسؤولين الإسبان مشاركين في التزوير، والمشارك في التزوير مزور يفقد مصداقيته، ولن يثق به أحد أبدا..
وإذا كان هذا الشخص سيغادر إسبانيا كما دخل إليها، على حد تعبير وزيرة الخارجية الإسبانية، فإن المغرب سيكون مضطرا لقطع علاقاته، بشكل نهائي مع إسبانيا، حيث ستكون هي الخاسر الأكبر، لأنها ستحرم نفسها من ملايير خرافية. وهذا ما قد يؤدي بالوزير الأول الإسباني وحكومته إلى مغادرة مناصبهم بدون أية إمكانية للعودة إليها…
إن المغرب لا يطلب المستحيل من إسبانيا، بل يريد من المسؤولين الإسبان احترام المشاعر الوطنية للشعب المغربي، لأن الوحدة الترابية هي حق مقدس في ثقافة المغاربة، الأمر الذي غاب عن المسؤولين الإسبان. وإذا استمر المسؤولون الإسبان في التآمر على الوحدة الترابية المغربية، فعليهم أن يفهموا أن الشعب المغربي سيرفض استمرار علاقة إسبانيا بالمغرب؛ فالمغاربة ليسوا تجارا يضاربون في الأخلاق، بل أنهم أصحاب مبادئ احترام دول الجوار والتعاون معها بإخلاص، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID