محمد بوبكري

النظام العسكري هو الأيادي الأجنبية التي تعادي الشعب والكيان الجزائريين

محمد بوبكري

كثر حديث جنرالات الجزائر ورجال استخباراتهم وأجهزتهم الإعلامية عن وقوف جهات خارجية وراء الحراك الشعبي السلمي، الذي ينظم مظاهرات ومسيرات ضد نظام العسكر، مطالبا برحيله. كما يضيفون إلى ذلك قائلين إن الإضرابات التي تخوضها مختلف القطاعات تحركها جهات أجنبية، ناكرين أن يكون سببها الرئيس هو الظروف المعيشية القاسية التي يعاني منها الشعب الجزائري.
وإمعانا في اتهام الجهات الأجنبية بالوقوف وراء الحراك ومختلف النضالات الاجتماعية للشعب الجزائري، فقد نشرت مجلة “الجيش” الناطقة بلسان جنرالات الجزائر افتتاحية يوم 4 ماي الأخير تتحدث فيها عن وجود جهات خارجية تنظم لعدوان ضد الجزائر ودولتها وشعبها، مضيفة إلى ذلك إمكانية شن حرب على هذه الجهات الخارجية التي تحرك الحراك من الخلف، وتدفع الموظفين إلى خوض إضرابات، احتجاجا على السلطة الجزائرية.
ونظر لكون هذه السلطة تتوفر على أجهزة أمنية مختلفة، وعلى إمكانيات تكنولوجية هائلة وأجهزة إعلامية تمكنها من معرفة هاته الجهات الأجنبية التي تتحدث عنها، فإنه لا يمكن للمرء إلا أن يجادل في كلام السلطة الجزائرية وما تلفقه من اتهامات للجهات الخارجية، التي لم تفصح عنها لحد الساعة. فهناك أسئلة محيرة تفرض نفسها، من قبيل: كيف يمكن أن تحرك هذه الجهات الخارجية الشعب ضد نفسه؟ وكيف يمكن أن ينخرط الشعب في مؤامرة على ذاته؟
وما دامت السلطات الجزائرية لها ما يكفي من أجهزة الرصد لمعرفة الأيادي الخارجية التي تقف وراء الحراك، وتريد ضرب الدولة والشعب الجزائري، فإنه لا يمكن للمرء أن يصدق كلامها، لأنها لم تفصح عن هذه الجهات الأجنبية، ولم تقدم الحجة الملموسة على ما تلفقه من اتهامات لهذه الجهات الخارجية.
وطالما الأمر كذلك، فإن تأملي في خطاب هذه السلطات وممارستها ومتتبعي لمجريات الأحداث في الجزائر قد قادني إلى الاستنتاج الآتي: إن هاته الجهات موجودة، وينبغي الكشف عنها لوضع حد لها، قبل أن تتحول إلى سرطان يأتي على البلاد والعباد والمستقبل… لذلك، فإنني أرى أن هذه الجهات الخارجية موجودة في دواليب الدولة، وداخل أجهزة الحكم، ما يفيد أنها موجودة في وزارة الدفاع الوطني، كما أنها فاعلة في مكاتب قيادة أركان الجيش، وفي قصر المرادية، وفي قصر الحكومة أيضا…
وللتدليل على ما أقول، يكفي طرح الأسئلة الآتية: هل حكام الجزائر نابعون من رحم الشعب؟ وهل اختارهم الشعب، وجاء بهم إلى السلطة، أم هم أجانب عليه؟ هل من ينتمي إلى الشعب من يقوم بتجويعه وتعنيفه؟ ألم تقف سياسة حكام الجزائر وأساليب تسييرهم للشأن العام الجزائري، وراء خروج الشعب الجزائري إلى الشارع للتظاهر ضد نظام العسكر، والمطالبة برحيله؟
لقد تحدثت مجلة “الجيش” عن غلاء المعيشة في الجزائر، وما نجم عنها من إضرابات واحتجاجات، فصار الجنرالات يبدون وكأنهم لا يحسون بالأوضاع المعيشية الكارثية للشعب الجزائري، ما يدل أيضا على أنهم يبدون أجانب، حيث تبين أنهم يعيشون في عالم آخر لا علاقة له بالواقع الجزائري، وبالتالي فإن هؤلاء الجنرالات هم فعلا الأيادي الأجنبية التي تمارس العدوان ضد الشعب والوطن معا.
وعندما يأمر الجنرالات الشرطة باكتساح شوارع المدن من أجل التصدي للحراك ومنعه عبر تعنيفه، ما حول شوارع المدن إلى ساحة حرب، ألا يدل هذا التعنيف والاعتقال على أن من يأمرون به هم أجانب فعلا، لأن تعنيف الجزائريين واعتقالهم في رمضان، بدون شفقة ولا رحمة، لا يمكن أن يأمر به إلا الأجانب الذين يحقدون على الشعب الجزائري ويعملون على انهيار الكيان الجزائري؟!
لقد قامت مخابرات الجنرالات ي باغتصاب قاصر في مخفر الشرطة، ثم قامت بفصله عن والدته، وحرمته منها، وحرمتها من فلذة كبدها، حيث تم أخذه بعيدا عنها بمسافة 150 كلم. فهل يمكن اعتبار أفراد هذه الأجهزة وجنرالاتها جزائريين يحبون الشعب الجزائري ويعطفون عليه؟ ألا يجعلهم هذا السلوك أجانب يحقدون على الشعب الجزائري؟ لذلك، فهؤلاء هم الأيادي الأجنبية التي تحرك الحراك وتغذيه، وقساوة الجنرالات ورجال مخابراتهم لا يمارسها إلا الاجنبي الحاقد على الشعب والوطن الجزائريين… فالحراك سلمي حضاري، والعالم كله يشهد له بذلك، ويعترف بحق الجزائريين في الحرية والديمقراطية… لكن حكام الجزائر يدفعون الشرطة الجزائرية إلى تعنيف الحراك، اعتقادا منهم أنهم في حرب. لذلك، فهم، في واقع الأمر، يخوضون حربا ضد الشعب الجزائري، ما يعني أنهم أجانب يحتلون الجزائر ويفرضون نظامهم العسكري، بمنتهى العنف، على الشعب الجزائري.
وما نسيه حكام الجزائر، أو يتناسونه هو أن الشعب الجزائري قد واجه الإمبراطورية الفرنسية، وربح معركته ضدها، ما يفيد أنه قادر على الانتصار عليه. لقد سرق الجنرال “القايد صالح” من الشعب الجزائري ثورته في سنة 2019، لكن هذا الشعب استطاع استرجاعها. هكذا، فقد سقط القناع عن العسكر الذين يرفضون مراجعة ذواتهم حفاظا على الكيان الجزائري. وهذا ما يقتضي منهم أن يسألوا ذواتهم: أين الشاذلي الذي كانوا يسبحون بحمده؟ وأين بوتفليقة الذي كانوا يقبلون حذاءه؟ فالدوام لله تعالى، لذلك على الجنرالات أن يفكروا في حسن الخاتمة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجنرالات قد نهبوا الجزائر، وأفقروا شعبها وبالغوا في تجهيله، وجعلوه فريسة لـ “فيروس كورونا”، ومارسوا عليه مختلف أشكال العنف والقهر. ويرى خبراء جزائريون أن الاستعمار الفرنسي لم يعامل الجزائر والجزائريين بهذه الأساليب التي يعاملهم بها الجنرالات اليوم، ما دفع الشعب الجزائري إلى المطالبة بالاستقلال عنهم، لأنه يعي أنهم حرموه من الاستقلال، فأعلن كفاحه من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube