محمد بوبكريمستجدات

لماذا ينهج جنرالات الجزائر سياسة التجويع تجاه الشعب؟


محمد بوبكري

يلاحظ المتتبعون للشأن الجزائري أن نظام الجنرالات ينهج سياسة التجويع، حيث يعتقدون أن الجائع لا يفكر إلا في التخلص مما يسببه له الجوع من معاناة، ما يمكنهم من السيطرة عليه؛ وهذه سياسة قديمة كان يستعملها المستعمِر ضد الشعوب المستعمرة، مع أن سياسة التجويع مضادة لحقوق الإنسان، لأنها تهدده بحرمانه من حق الحياة باعتباره أسمى حق من حقوق الإنسان. وهذا ما يدل على أن جنرالات الجزائر يرتكبون جريمة ضد الشعب الجزائري، مما ينزع أية شرعية عن النظام الجزائري الذي صار يمارس التفرقة بين الجزائريين على أساس جهوي عرقي، وعلى الأساسين الثقافي والاجتماعي، حيث خلق طبقة فقيرة، بل أضاف إليها طبقات عديدة ما تحت الفقيرة… هكذا، فإن هذا النظام يضرب الشعب دون احترام أي مبدأ أو قيمة إنسانيين.


وجدير بالذكر أن سياسة التجويع ليست جديدة في الجزائر، والدليل على ذلك مقولة… “أويحيى”، التي كان يحلو له ترديدها باستمرار:” جوِّع كلبك، يتبعك”؛ والتجويع ناجم عن التفقير، الذي يقضي بدوره على القدرة الشرائية للشعب الجزائري، وهذا ما جعل الأخير يصرخ في وجه الجنرالات معلنا رفضه لنظامهم العسكري، حيث يسلطون عليه مخابراتهم وقمعه، ويسخرون قضاءهم للزج به في السجون….


ونظرا لما يمارسه حكام الجزائر من نهب وفساد وسوء تسيير، فإنهم عجزوا عن ضمان الأمن الغذائي للشعب الجزائري، حيث يضطرون إلى استيراد كل المواد الغذائية من الخارج بالعملة الصعبة. ومادام الجنرالات يحتكرون رخص استيراد هذه المواد من البلدان الغربية، فإن جشعهم جعلهم يرفعون أسعارها بهدف الربح على حساب قوت الشعب الجزائري، الأمر الذي جعل المواد الغذائية في السوق الجزائرية أغلى منها في الأسواق الأوروبية، كما أن شحنها من أوروبا إلى الأسواق الجزائرية يتطلب وقتا، ما ينعكس سلبا على جودتها، حيث تتحول الفواكه إلى مجرد قطع بلاستيكية غير قابلة للأكل، وقد تتعفن، وتصير مضرة بصحة الجزائريين…
هكذا، فإن حكام الجزائر يعتقدون أن القضاء على القدرة الشرائية للمجتمع الجزائري قد تجعله لا يفكر، ولا يواجه، ولا يعارض، لأنه سينهمك فقط في التفكير في كيفية تغطية مصاريف أسرته الصغيرة..
.


ورغم ما تعرض له الشعب الجزائري من تهميش وعنف وتجويع، فقد بزغت معجزته المتجسدة في إبداعه للحراك الشعبي السلمي الذي لم يكف عن التصاعد والانتشار، فبات يرعب حكام الجزائر الذين شرعوا في التفكير في ثورة مضادة للثورة البيضاء التي يقوم بها الحراك، حيث قام الحكام بتوظيف الذباب الإلكتروني لتشويه صورة الحراك، عبر ترويج إشاعات تتهم رموزه والمنخرطين فيه بالإرهاب، كما أنهم لجأوا أيضا إلى توظيف الذباب الأكاديمي، حيث وظفوا بعض الأساتذة الموالين لهم لخوض معركة إيديولوجية ضد الحراك وشعاراته ورموزه، والانخراط في محاولات بائسة لتسويغ أكاذيب العسكر وافتراءاتهم على الحراك الشعبي ورموزه…
إضافة إلى ذلك، لقد أقدم الجنرالات على خطوة أخرى أخطر من الخطوتين السابقتين، وهي أنهم استنزفوا خزينة الدولة إلى أن أصبحت فارغة تماما، لأنهم يعتقدون أن رحيلهم وشيك، وإذا تركوا الخزينة فارغة، فإن من سيأتي بعدهم إلى السلطة لن يجد أية موارد مالية لإنجاز ما يبتغيه من إصلاحات، فيفشل في إنجاز أي شيء، مما سيمكنهم من مناهضته، والتنديد بفشله، ويساعدهم على القيام بثورة مضادة قصد العودة إلى السلطة. ولذلك، فهم لا يريدون التنحي، بل يخططون للعودة بعد الرحيل، لأنهم مأخوذون بهوى السلطة والتسلط من أجل ممارسة النهب وكل أشكال العنف، ومصابون بجنون الحكم، ويعانون من مركب من الأمراض النفسية… وإذا تمكنوا من البقاء في السلطة، فإنهم سيستمرون في ممارسة تجويع الشعب الجزائري من أجل الاستمرار.
هناك حراك سلمي له مطالب سياسية اليوم. وإذا عمق الجنرالات خطط التجويع، فإن الأمر، لن يستمر على حاله، حيث ستنفجر ثورة الجوع التي، بطبيعتها، لن تكون سلمية. فالتجويع يولد العنف، والعنف يخدم السلطة المتسلطة. وعندما يسود العنف، فإنه لا يمكن للإنسان أن يفكر من أجل تطوير مختلف البرامج والمشاريع التي يقتضيها التغيير، لأن الاستقرار هو الذي يوفر مناخا للتفكير في التغيير وتوفير شروط إنجازه.
لقد تحول الحراك الشعبي الجزائري بسلميته إلى فاعل سياسي كبير، ما يقتضي من رموز الحراك اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة حتى يتمكنوا من تجنب المصائد التي قد ينصبها الجنرالات لهم.
لقد بدأ الجنرالات مؤخرا يمارسون العنف ضد الحراك بهدف منعه، لأنهم لم يعودوا قادرين على احتوائه، لأنه أصبح أكبر منهم قوة وتأثيرا… وهذا ما يؤكد أنهم يبحثون عن أي مبررات لإعلان حالة الطوارئ، حيث يسعون إلى استغلال جائحة “كورونا” لإيقاف الحراك. وقد فضح ذلك “وزير الصحة” الذي تمنى علنا أن تضرب الجزائر موجة ثالثة من “كورونا”. كما أن مخابرات الجنرالات وجهت تهم الإرهاب إلى كل من جماعة “رشاد” وحركة “الماك”، التي تطالب بانفصال منطقة “القبائل” عن الجزائر، ما يدل على أنهم قد يبحثون عن تسويغ فرض حالة الطوارئ، بكونها ردة فعل ضد ما تشكله الجماعات الإجرامية من تهديدات أمنية.
كما قد يلجأ الجنرالات إلى تلغيم مسيرات الحراك الشعبي السلمي ببلطجية تابعة لمخابراتهم، يكلفون عناصرها بخلق القلاقل عبر ممارسة العنف ضد المتظاهرين، ما سيوفر للقوات الأمن شروط التدخل لتفتيت الحراك وإيقافه عبر إعلان بمبرر أحداث العنف التي دبرتها أجهزة المخابرات. تبعا لذلك كله، فإن الجنرالات يبحثون عن أدنى مبرر لإيقاف الحراك الشعبي، أو تأجيله، حتى يربحوا الوقت لإعادة ترتيب أوراقهم بما يضمن استمرارهم في التحكم والتسلط من أجل المزيد من النهب…


يبدو لي أن رموز الحراك الشعبي الجزائري يعون كل مؤامرات وتحايلات وتربصات جنرالات الجزائر، ولهم كل الملكات التي تمكنهم من تجنب السقوط في كل ما يرغب في هؤلاء الحكام، الذين لا هم لهم إلا البحث عن سبل تلغيم الحراك من أجل تفجيره، كما أنهم يبحثون عن مبررات لإيقافه عبر فرض حالة الطوارئ
لقد تحول الشعب الجزائري، عبر حراكه الشعبي السلمي إلى فاعل سياسي كبير، ما يتطلب من رموز الحراك الحفاظ على سلميته التي تشكل نقطة قوته التي ترعب الجنرالات. كما ينبغي أن يعملوا على تجنيد كل القوى الوطنية، أفرادا وجماعات، من أجل ممارسة المزيد من الضغط على العسكر حتى ينسحبوا من السلطة..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube