أمام بعض التعليقات التي توحي بالبؤس الفكري وهي تهاجمني دون أن تحاورني

د عبد الرحمان غندور
لا بد لي ان اقدم هذه النقطة النظامية. فأنا أكتب لأنني أؤمن بأن الحروف أنفاس تبحث عن مساحة لها في هذا العالم الواسع. لا أكتب لأقنع أحداً، ولا لأرتقي منصات التطبيل الاصطناعي، فالكتابة عندي حاجة وجودية أشبه بتنفس الهواء. هي حوار مع الذات قبل أن تكون خطاباً للآخرين، وهي بحث عن شظايا الحقيقة في متاهات الحياة. وحين أكتب، أعي تماماً أن العالم يتسع لشتى الألوان، وأن الحقيقة ليست ملكاً لرأي واحد بعينه، وهذا التنوع هو جوهر الإثراء في حوارنا الإنساني، شرط أن يبقى هذا الحوار جسراً يصل بين العقول المختلفة، لا ميداناً للعداوة والاستعداء والتبخيس والاستهجان. لذلك، أحمل احتراماً عميقاً لحق الآخر في أن يرى الأمور من زاوية مغايرة، بل وأرى في هذا الاختلاف قيمة مضافة متى انبعث من فكر مستنير لا من تعصب أعمى. فالحقيقة ليست حكراً على رأي واحد. والاختلاف الجميل هو ما يثري الحوار الإنساني، شرط أن يظل الحوار جسراً بين الضفتين، لا ساحة للاستعداء والتحطيم. أحترم حقك في أن تفكر باختلاف عني، بل وأعتز بهذا الاختلاف حين يأتي من باب الفكر النيّر، لا من بوابة العداء الأعمى.في هذا الفضاء الإلكتروني الواسع، يريد البعض تحويل الحوارات أحياناً إلى معارك تافهة ورديئة، وأنا أختار أن أبقى فوق دائرة الضجيج. لا أتورط في الرد على التعليقات التبخيسية، ولا أسقط في فخ الردود الانفعالية. ليس هذا تكبراً، بل إنه احترام لذاتي أولاً، وتقدير لوقتي الذي لا أريد أن أبدده في حوار مع الصم والذين لا يتقنون سوى لغة المراحيض.فحين تتحول المناقشة إلى شتائم، وأصبح أنا هدفاً للسباب، أعلم وقتها أنني أمام عقل أغلق أبوابه، وقلب امتلأ بالحقد. وأمام هذه الحالات لا أجد ما يستحق الرد، فالحجة لا تقال باللفظ البذيء، والفكر لا يُثبت بالصراخ. أقول لهؤلاء بكل هدوء: لست من قبيلتكم، ولن أنتمي يوماً لطائفتكم. طائفة الكراهية، وجماعات التخوين، وقبيلة التعصب.أنا هنا لأشارك أفكاري، لا لأفرضها. لأعبر عن ذاتي، لا لأستجدي تصفيقاً. الكلمات التي أنثرها هي جزء مني، أقدمها للعالم كما يقدم الفنان منتوجه وهو يعلم أن البعض سيرى فيه جمالاً، والبعض سيرى فيه قبحاً، وهذا من طبيعة البشر. المهم أن أظل مخلصاً لفكري، شجاعاً في التعبير عنه، محترماً في الوقت ذاته مساحة الآخرين. وما يبقى أخيرا هو الأثر. كلماتنا هي بصمتنا في هذا العالم، فلتكن بصمة جميلة، حتى وإن اختلف البعض معها. لأن الحرية الحقيقية هي أن تعبر عن نفسك دون خوف، وأن تحترم حق الآخر في الاختلاف معك، وأن ترفض دائماً أن تنزل إلى مستويات لا تليق بإنساني
