احمد رباصتقاريرسياسةمستجدات

انتخابات ثامن سبتمبر: سياقاتها وأجواؤها ومخرجاتها

أحمد رباص – حرة بريس

جرت الانتخابات التشريعية المغربية لعام 2021 في 8 سبتمبر 2021 من أجل تجديد 395 مقعدا في مجلس النواب المغربي، كما جرت الانتخابات الجماعية والجهوية في نفس اليوم. من حيث مخرجاتها، تميزت الانتخابات بهزيمة حزب العدالة والتنمية لصالح التجمع الوطني للأحرار والبام وحزب الاستقلال. لذلك، تم تعيين زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أحنوش، رئيسا للحكومة من قبل الملك محمد السادس ليحل محل سعد الدين العثماني، الذي استقال أيضا من قيادة حزب العدالة والتنمية.
مرت هذه الانتخابات في سياق مطبوع بتزامن 2021 مع مرور 22 عاما على حكم الملك محمد السادس، والتي تم في ظلها إجراء إصلاحات مهمة من حيث المؤسسات والقانون المدني، ولكن أيضا خيبة أمل عميقة بين السكان فيما يتعلق بإمكانيات تطور البلاد في الأمور الاقتصادية والاجتماعية، خيبة أمل مقترنة برفض الطبقة السياسية.
في تجاوبه مع حركة الاحتجاج التي اندلعت خلال الربيع العربي في عام 2011 ، أعلن محمد السادس عن سلسلة من الإصلاحات الدستورية، تمت الموافقة عليها في استفتاء بأغلبية ساحقة. كما تم تعزيز الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وثقل البرلمان، وكذلك صلاحيات رئيس الحكومة الذي يمكنه الآن حل مجلس النواب.
على الرغم من تقليص سلطات الملك، إلا أنها تظل مهمة للغاية، حيث يحتفظ الملك بدور مركزي في الحلبة السياسية، متجاوزا دور الملكية الدستورية البرلمانية. بعد ذلك حاول النظام قمع الدوائر الفكرية والإصلاحية المرتبطة بالأفكار التي تم التعبير عنها أثناء الاحتجاج، الشيء الذي راج في وسائل الإعلام تحت عنوان إغلاق القوس الذي فتحه الربيع العربي.
شهدت الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2016 تسلم زمام المبادرة من قبل حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. أعاد الملك الأخير إلى منصبه، لكن معارضة الأطراف الأخرى لشخصه أدت إلى طريق مسدود في المفاوضات، التي ظلت متوقفة لمدة ستة أشهر تقريبا. وأدى عدم قدرته على تشكيل حكومة نتيجة التكوين الجديد للغرفة الاولى إلى انسحابه لصالح سعد الدين العثماني، الذي عينه الملك رئيسا للحكومة في 17 مارس 2017.
ثم شكل الحزب الإسلامي المحافظ ائتلافا واسعا لم يشمل ليبراليي حزب الأصالة والمعاصرة واليمين القومي لحزب الاستقلال، اللذين جاءا على التوالي في المركزين الثاني والثالث في الاقتراع. ولأن حزب العدالة والتنميةلم يعد يحظى بثقة السلطة، فقد فشل في الحصول على وزارات سيادية ظلت حكرا على الأحزاب الملكية مثل التجمع الوطني للأحرار الذي دخل غمار انتخابات 2021 مدعوما من القصر ومن السلطات الإدارية التي تظاهرت بغض الطرف عن شراء الذمم واعتبرتها “حالات معزولة”.
تم تنظيم الاقتراع على خلفية جائحة كوفيد-19، الذي أثر وما زال يؤثر بشدة على التدفقات السياحية التي يعتمد عليها جزء من اقتصاد البلاد. ورغم الوباء، الذي اعتبر لفترة من الوقت داعيا لتأجيل العملية الانتخابية، جرى تنظيم الحملة الانتخابية في ظل قيود صحية كبيرة، بما في ذلك حظر التجمعات لأكثر من خمسة وعشرين شخصا.
وذا تم التنويه بعمل الحكومة المغربية كواحد من أكثر الإجراءات فعالية في العالم في الأشهر الأولى من الوباء، إلا أنه مع إعلان حالة الطوارئ الصحية وفرض الحجر الصحي على السكان اعتبارا من 20 مارس 2020، تعرض نفس الإجراء للانتقاد الشديد باعتباره ذريعة لتوسيع صلاحيات الحكومة على حساب البرلمان، ما أدى إلى معاكسة اتجاه التقدم الديمقراطي الذي تحقق في العقد السابق.
في أبريل 2020، قدمت الحكومة مشروع قانون يهدف إلى مكافحة المعلومات المضللة على الشبكات الاجتماعية. مشروع قانون حاولت الحكومة إخفاءه دون جدوى قبل أن يتسرب محتواه أخيرا إلى الإنترنت، ينص بشكل خاص على غرامات وعقوبات حبسية شديدة لمجرد التشكيك في جودة منتج أو الدعوة إلى مقاطعته.
تم النظر إلى هكذا مشروع قانون على أنه “قاتل للحريات” و”مكمم للأفواه” وعلى أنه محاولة لتمرير الرمز الرقمي تحت غطاء الوباء الذي فشلت الحكومة في تمريره عام 2013.
ومن المرجح أن المشروع اندرج ضمن ردود أفعال انتقامية ضد منتقدي السلطة. في غضون ذلك، وجهت انتقادات شديدة لوزير العدل محمد بن عبد القادر، العضو في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتبرأ منه زعيمه إدريس لشكر بسبب الانتخابات التشريعية، بينما انتهى الأمر بالحكومة بتعليق مشروعه في الشهر الموالي.
اعتبارا دائما للسياق العام، جرت انتخابات 2021 بعد أسابيع قليلة من انهيار العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب في 24 غشت. يأتي هذا الأخير بعد عدة أشهر من التصعيد الدبلوماسي بين البلدين، اللذين انجرا بالفعل إلى تبادل عداءات قوية. في ظل هذا الجو المتوتر، أعتادت الجزائر استدعاء سفرائها بعد عدة أحداث دبلوماسية، آخرها دعم سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، لحركة تقرير المصير في منطقة القبايل، وإقامة علاقات دبلوماسية ابتداء من 11 غشت 2021 بين المغرب وإسرائيل. وكذلك مسألة النزاع المفتعل على الصحراء المغربية، التي أعيدت إلى جدول الأعمال بسبب خرق جبهة البوليساريو في نوفمبر 2020 لوقف إطلاق النار المعمول به لمدة 29 عاما.
غير أن قطع العلاقات مع الجزائر شكل بالنسبة للمغرب ضربة موجعة لاقتصاده الوطني، حيث أعلنت الجزائر في أعقاب القطيعة عن إيقاف استعمال خط أنابيب الغاز المغاربي – الأوروبي المار بالمغرب لصالح خط مدغاز الذي يمر مباشرة عبر قاع البحر الأبيض المتوسط. لذلك يشكل خط أنابيب الغاز المغاربي – الأوروبي حلقة وصل مهمة في الاقتصاد المغربي، حيث يمثل الغاز الجزائري 17٪ من إنتاجه من الطاقة بينما يساهم في الميزانية الوطنية من خلال الضرائب المرتبطة بعبوره.
وإذا نظرنا إلى انتخابات ثامن سبتمبر من كوة نمط الاقتراع، يظهر أن مجلس النواب يتألف من 395 نائباً يتم انتخابهم لمدة خمس سنوات عن طريق التمثيل النسبي متعدد الأعضاء. ومن هذا المجموع، من المقرر شغل 305 مقعدا في 92 دائرة انتخابية من 2 إلى 6 مقاعد وفقا لعدد سكانها، وإلى ذلك تضاف 90 مقعدا لشغلها في 12 دائرة انتخابية من 3 إلى 12 من المقاعد المناسبة للجهات. يجب أن تتكون لوائح المرشحين لهذه المقاعد الجهوية الستين من ثلث النساء على الأقل، بما في ذلك ترتيبهن في المركزين الأول والثاني على اللائحة. بالنسبة لجميع الدوائر، يتم إغلاق لوائح المرشحين دون اختلاط أو تصويت تفضيلي. بعد فرز الأصوات، يتم التوزيع على أساس الحاصل الانتخابي وحده، محسوبا من إجمالي المسجلين في القوائم الانتخابية، وليس من الأصوات المدلى بها كما كان الحال قبل عام 2021.
والآن من حقنا أن نتساءل عن اهم الاحزاب السياسية المشاركة وعن توجهاتها الأيديولوجية. في إطار الجواب، نشير إلى أن الأحزاب المعروفة برموز الحمامة والجرار والميزان والسنيلة والمصباح كلها ملكية، وربما كان الثاني أكثرها ملكية لمخزنيته، وهي بالتالي كلها محافظة تتبنى الليبرالية الاقتصادية، وإن كان بشكل محتشم عند الحزب الأخير. أما حزب الوردة فإيديولجيته اشتراكية ديمقراطية وتوجهه الاقتصادي ليبرالي اجتماعي.
شهدت الانتخابات الأخيرة ارتفاع معدل المشاركة بشكل ملموس، من 42.29 ٪ في عام 2016 إلى 50.35٪ في عام 2021 وفقا للنتائج الأولية، أي أعلى معدل منذ عام 2002 .
في الحقيقة، أسفرت الانتخابات عن هزيمة قاسية لحزب العدالة والتنمية، الذي فقد أكثر من 90٪ من مقاعده، لصالح منافسيه، التجمع الوطني للأحرار والبام وحزب الاستقلال. وبينما كان التراجع عن حزب العدالة والتنمية متوقعًا على نطاق واسع، كان حجم هزيمته مفاجأة في غياب استطلاعات الرأي.
بالإضافة إلى الإرهاق الذي تسببه أعباء السلطة، أدى حزب المصباح ثمنا باهظا عن الإصلاح الانتخابي غير المواتي له، والسياسة النيوليبرالية بما في ذلك إلغاء الدعم عن المواد الأساسية، وسياسة التقارب مع إسرائيل بشكل خاص رغم انف ناخبيه، مع ان من فرضها هو القصر .
وفور إعلان النتائج الأولية في اليوم التالي للانتخابات قدمت قيادة الحزب استقالتها ومن بينها أمينها العام سعد الدين العثماني. كان ذلك تعبيرا منها عن شعور باندحار حزبها بزعامة رئيس الحكومة المنتهية ولايته، الذي فشل في إعادة انتخابه في دائرة المحيط الانتخابية بالرباط.
في القمة، حل التجمع الوطني للأحرار باعتباره الفائز الأكبر في الانتخابات. وبالتالي، فإن زعيمه عزيز أخنوش في وضع يسمح له بقيادة الحكومة الجديدة، بناء على المنهجية الديمقراطية التي تعدر تطبيقها سنة 2002 عندما عين إدريس جطو وزيرا أول عوض عبد الرحمن اليوسفي.
في اليوم التالي للاقتراع، أعلن اخنوش عن تأييده لتشكيل تحالف مقصور على بعض الأحزاب الرئيسية، على عكس التحالف الكبير غير المتجانس للحكومة المنتهية ولايتها. وفي يوم 10 سبتمبر، استقبل الملك عزيز أخنوش في القصر الملكي بفاس وكلفه بتشكيل الحكومة معينا إياه في منصب رئيس الحكومة التي ستباشر مهامها بمجرد تشكيلها.
وهكذا تكون النتائج مواتية للأحزاب التي يدعمها القصر والتي ستعزز سيطرته على الجهاز السياسي، وفي الواقع ستسمح للملك بالاستمرار في السيطرة على المجالات السيادية وتقرير التوجهات السياسية الرئيسية للمملكة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube