مستجداتمقالات الرأي

اسبانيا بين مطرقة المغرب وسندان السياسة:

ذ/ الحسين بكار السباعي

إن تناول موضوع مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية يفرض في البداية أن نحدد بشكل عام مفاهيم أساسية تشكل خارطة وأن نستحضرها في تحليل الوقائع وحتى في محاولتنا للتنبؤ بالمستقبل، وفي هذا الإطار يشير الباحث صلاح العقاد في كتابه ”دراسة مقارنة للحركات القومية” إلى أن العلاقات الدولية ما هي في حقيقة الأمر “إلا تلك المنظومة السلوكية التي ينتهجها أطراف المعادلة الدولية في إتجهاتهم السياسية إزاء بعضهم البعض…”، وهكذا يمكن أن نستشف من خلال عبارة الباحث صلاح العقاد أن قاعدة تحليل أي سلوك دولي تفرض على الباحث تحليل طبيعة القوى التي تشكل النظام الدولي مع تحديد الكيفية التي تؤثر و تتأثر به هذه القوى، حتى نتمكن من فهم السلوكيات الدولية وما ينتج منها من مخرجات يمكن دراستها على أرض الواقع.
اليوم وعلى غير العادة لم تلتزم إسبانيا ببنود الإتفاقيات الثنائية أو المتعددة الاطراف مع المغرب، المتعلقة بالتعاون الإستراتيجي خصوصا في المجال الأمني وذلك بعد استقبال زعيم الجبهة الانفصالية (ابراهيم غالي) تحت إسم محمد بن بطوش. لتطرح تساؤلات جمة حول ثمن إبراهيم الذي دخل فضاء شنغن بهوية مزورة وهو الامر الذي يتعارض بشكل كبير مع القوانين المنظمة لدخول الاتحاد الأوروبي هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار الجنسية الإسبانية لزعيم الانفصاليين فكيف يمكن تفسير السكوت عن قضايا رفعها اسبان نفسهم ضد بطوش، كل هذا يدفعنا إلى التأكيد أن هذا الخطأ الدبلوماسي مس الاتحاد الاوروبي وكذا المغرب على حد سواء.
ومن المعلوم أن الحكومة الإسبانية الحالية، والمكونة من خليط غير متجانس من توجهات سياسية مختلفة وفي بعض الاحيان متعارضة، قد فشلت إلى حد كبير في تدبير عدد من القضايا والملفات، وسقطت في أخطاء فادحة لا يمكن قبولها وفق الوضعية الحالية المتسمة بتحولات عميقة في طبيعة الملفات المشتركة، بل وأيضا في مواقع الدول، خاصة على المستوى الإقليمي، وهو ما يتجلى من خلال المراهنة على نظام العسكر الجزائري والجبهة الإنفصالية.
ويمكن أن نستشف من سياسة جارتنا الشمالية أنها تقوقعت في من يدافع عن الآخرين دون فكرة واضحة عن الخلفيات, ولا حتى التحالفات التي كثيرا ما تبدو غريبة ومعقدة تكاد تقربها من مجموعات لها علاقة ومصالح متشابكة مع العدو نفسه, اما تحت استراتيجية عزل العدو من خلال الصداقة الكاذبة, أو على الاقل دعم قضايا لمجرد تنفيذ شعارات خاصة بالايدلوجية التي ينتمي اليها او يعتنقها البعض دون تفكير او بحث في ماهية تلك الهوية الحقيقية التي تنتمي اليها تلك المجموعات التي ترفع شعارات عالمية على الرغم مما يكون من اهداف حقيقة تختبىء وراء تلك الشعارات.
ما بين الفرضيتين فإن الواقع يؤكد أن الحركات الانفصالية بشكل عام تستهدف وحدة الدولة وسيادتها مما يعني أن الخطوة الإسبانية لم تكن محسوبة وفي الآن ذاته لا يمكن السكوت عنها. وفي خضم هاته الحقائق كانت القناة السادسة الإسبانية بثت فيديو مسجل أكد فيه سالم لبصير الذراع الأيمن لمحمد بن بطوش أن التخطيط جار لتهريب زعيم البوليساريو دون المثول أمام القضاء ما يعني موافقة مبدئية للحكومة الإسبانية وسعيها للخروج من الأزمة التي تسببت فيها في الوقت الذي أعلن فيه وزير الدفاع الإسباني الأسبق خوسي بونو أن إعتقال العديد من الإرهابيين المتطرفين كان بمساعدة المغرب وفي حالة ما تحققت واقعة تهريب محمد بن بطوش فإنه من المؤكد أن العلاقات ستقطع تحت طائلة علم رئيس الحكومة بيدرو سانشيز بتداعيات خسارة حليف استراتيجي، وجهل باقي أعضاء الحكومة بقرارات بلدهم السياسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube