مستجداتمقالات الرأي

الشجرة المقدسة /ج 1

حرة بريس -أحمد الونزاني

يحكى أن شعبا عربيا بدويا يعيش على الترحال في صحراء شاسعة الأطراف، بها جبال من رمال و كثبان و واحات صغيرة و بعض الشعاب و الوديان. في هذا الفضاء الواسع يعيش هذا الشعب المتماسك و المتضامن عيشة الزاهدين بحثا عن كلأ للمواشي و بعض الماء و قليل من طعام لتقوية الصلبان. كانت الواحات تجود عليهم ببعض الثمار و كانت الألبان خير الشراب و نعم الطعام أما اللحوم فكان الصيد هو العنوان و القديد المملح أكل الناس عند الترحال. و كان لهذا الشعب عادة قصد الحواضر في الشمال مرة في كل عام للتزود بالحنطة و القماش و الزيوت و بعض العطور.
كان الشعب يعيش في انسجام و وئام و تضامن قل نظيره و تعاون بين أفراد كل الشعب نساء ورجال وشيوخ و أطفال.
و ذات صيف ضربت المكان عاصفة رعدية أغرقت ذلك الفضاء الشاسع حتى جرت الوديان و ارتوت الأرض و ظهرت ينابيع في كل الواحات و امتلأت الآبار بعد جفاف دام لعقود طويلة من الأزمان. و بعد أسبوع بدأت تظهر نباتات غطت مروج الوديان و خرجت من الأرض فسائل من نخل و رمان .
لكن ما أدهش الناس و لم يعرفوا له تفسيرا هو ظهور الشجرة العملاقة. شجرة كلها أسرار، شجرة فيها من كل الثمار أشكال و ألوان المختلفة في الشكل و النوع و المذاق و السهلة القطاف و المتجددة على الدوام .
كان هذا أغرب حدث وقع بعد العاصفة. احتار الناس و استغربوا من أمر هذه الشجرة العملاقة و من عجيب ثمارها و مذاقها و دوام خضرتها و تجددها، فتقرر الاجتماع للنظر في شأن هذه الشجرة و اتخاذ القرار بعد المشورة و اجتماع لجنة الحكماء و أهل الرأي بالإجماع.
اجتمع حكماء الشعب و قرروا بالإجماع ترك عادة الترحال و الاستيطان و الاستقرار بجنبات تلك الشجرة المباركة، و حمايتها من كل الأطماع و عدم كشف وجودها و سرها في الأمصار. فأصبحت بذلك الشجرة المقدسة يتناوب أفراد من الشعب على حمايتها و عدم كشف سترها. توزع على الشعب ثمارها بالتساوي .
كانت الشجرة تحظى بالتقديس من كل أفراد الشعب فقد خصصوا لها يوما من كل شهر يقدم فيها الشعب هدايا رمزية لهذه الشجرة المباركة. فكل من أكل من ثمارها ازداد قوة و شبابا و نضارة و جمالا. نساء ورجالا وشيوخا و أطفالا .
أصبحت الشجرة المباركة مقدسة ، و محروسة بالليل والنهار. و استقر أمر حكماء الشعب على الاستقرار و اتخاذ الشعاب مكانا للبنيان و حماية الشعب و الشجرة مهما كلف من مشقة و تضحيات جسام.
عاش الشعب على هذا الوضع عقدا من الزمن في سلام ينعم بالطمأنينة و راحة البال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube