مستجداتمقالات الرأي

إسبانيا تُصدّر المهاجرين أكثر مما تستورد: الحراقة الجدد لا يركبون القوارب

ذ. ايمن الزبير

بينما تُمعن أوروبا في تسليط مجهرها على قوارب المهاجرين المنطلقة من شواطئ المغرب الكبير، يغفل الجميع عن حقيقة صارخة: إسبانيا نفسها تُصدر مهاجرين أكثر مما تستورد. المفارقة هنا ليست فقط في الأرقام، بل في الطريقة التي يتم بها التعتيم على هذه الظاهرة، كما لو أن المهاجر الإسباني لا يحتسب إلا إذا كان يعبر المتوسط على متن زورق مطاطي متهالك.دعونا نبدأ بالأرقام، لأنها لا تجامل أحدًا: في عام 2024، غادر 216,526 إسبانيًا بلادهم، في موجة نزوح غير مسبوقة. هذه ليست “حزمة مغامرين” قرروا السفر بحثًا عن الشمس الاستوائية، بل شباب يفرّ من واقع اقتصادي يخنقهم. ورغم أن البعض في مدريد يفضل التحدث عن هذه الظاهرة بلغة “التنقل الحر للكفاءات”، فإن الواقع أبسط من ذلك: إنها هجرة جماعية بكل المقاييس.وفي نفس العام، سجلت إسبانيا وصول 50,000 مهاجر غير نظامي من الضفة الجنوبية للمتوسط. الرقم مرتفع، لكنه لا يصل حتى إلى ربع عدد الإسبان الذين قرروا مغادرة البلاد. الفارق الوحيد أن المهاجر المغربي أو الجزائري يصعد على متن قارب مهترئ، بينما يفضل نظيره الإسباني الطائرة منخفضة التكلفة. كلاهما يهرب، لكن الأول يُحاكم والثاني يُحتفى به كباحث عن فرص جديدة.إلى أين يذهبون؟المثير في الأمر أن الوجهات التي يقصدها هؤلاء المهاجرون الإسبان تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن البلدان التي يحاول المغاربيون دخولها. على رأس القائمة فرنسا، المملكة المتحدة، ألمانيا، الولايات المتحدة وسويسرا. لكن على عكس المغاربيين، الذين يُطالبون بـ “الاندماج”، يجد الإسبان أنفسهم في مجتمعات تسهل لهم التأقلم: مكاتب عمل مفتوحة، بيروقراطية مرنة، وحتى نوادٍ للمهاجرين الإسبان حيث يمكنهم تبادل شكاواهم حول طقس لندن الكئيب.أما بالنسبة للمهاجرين المغاربيين، فوجهتهم الأولى إسبانيا نفسها، التي تبدو في مخيلتهم كجنة الفرص، رغم أن أبناؤها يغادرونها بلا رجعة. في عام 2024، استقر في إسبانيا آلاف المغاربة والجزائريين، مدفوعين بالحلم الأوروبي الذي يبدو أنه لا يستهوي الإسبان أنفسهم.لماذا يغادر الإسبان؟الجواب بسيط: الإحباط، وتحديدًا لدى الجيل الشاب. أكثر من 55% من المهاجرين الإسبان تحت سن 35 عامًا، أي أن البلاد تخسر كفاءتها الإنتاجية شيئًا فشيئًا. الأسباب؟ • سوق عمل مسدود: رواتب منخفضة، عقود عمل هشة، وتوقعات مستقبلية قاتمة. • أزمة سكن خانقة: امتلاك منزل في إسبانيا بات كالحصول على تأشيرة شنغن لمهاجر غير نظامي. • غياب الأمل: كثيرون يشعرون أن الفرص باتت في الخارج، وأن البقاء في إسبانيا مجرد انتظار في غرفة موصدة النوافذ.وفي هذه الأثناء، يتم الترويج لمهاجري الجنوب على أنهم الخطر الأكبر، بينما يتجنب الساسة الحديث عن مئات الآلاف من الإسبان الذين يفرون من واقع اقتصادي متآكل.خاتمة: المهاجر الجيد والمهاجر السيءالدرس المستفاد هنا واضح: الهجرة ليست فقط قصة قوارب وزوارق. إسبانيا، التي تنشغل في ضبط الحدود، تخسر شبابها على مرأى ومسمع الجميع. لكنها، مثل بقية أوروبا، تفضل الاحتفاظ بصورة نمطية للمهاجر: أن يكون من الجنوب، أن يعبر البحر، وأن يشكل “تهديدًا” يمكن الاستغلال السياسي ضده.أما المهاجر الإسباني، فلا مشكلة في رحيله، حتى لو كان ينزف اقتصاد بلاده ويتركها شيخوخة بلا مستقبل. المهم أنه يغادر بطريقة “حضارية”، بحقيبة يد خفيفة، وبطاقة صعود إلى طائرة ذات مقاعد ضيقة، بدل أن يكون محشورًا في قارب مطاطي وسط الأمواج.أيمن الزبيرمصدر البيانات (المعهد الإسباني للإحصاء)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID