بعد المغرب، جاء دور فرنسا: النظام الجزائري وتصدير أزماته الداخلية

بقلم: د. إدريس الفينة
يبدو أن النظام الجزائري يواصل الهروب إلى الأمام، مسخّراً كل أدواته لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، وآخر فصول هذا المسلسل اتهام فرنسا بمحاولة زعزعة أمن الجزائر الداخلي من خلال تجنيد “إرهابيين سابقين”. هذه الاتهامات التي لا تستند إلى دليل واضح تُظهر مدى التخبط الذي يعيشه النظام الجزائري في مواجهة أزماته المتعددة.النظام الجزائري: ضعف داخلي وعجز عن المواجهةالنظام الجزائري يدرك تماماً أن بنيته الداخلية بدأت تهتز تحت وطأة ملفات عديدة أثقلت كاهله. من أبرز هذه الملفات: 1. ذاكرة المجازر: الشارع الجزائري لم ينسَ بعد المجازر التي ارتكبها الجيش الجزائري خلال “العشرية السوداء”، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء. هذه الذكرى لا تزال تؤرق النظام وتقلل من ثقة الشعب بمؤسساته العسكرية. 2. الحراك الشعبي: بالرغم من وأد الحراك الشعبي قبيل جائحة كورونا، إلا أن الأسباب التي دفعت الجزائريين للنزول إلى الشارع لا تزال قائمة: الفساد، الفقر، البطالة، وسوء توزيع الثروات. 3. نظام ريعي فاسد: الاقتصاد الجزائري يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط والغاز، مما يجعله هشاً أمام تقلبات الأسواق العالمية. الفساد وسوء الإدارة جعلا هذا الريع يُستنزف لصالح نخبة حاكمة، بينما يعاني المواطن الجزائري من تدني مستويات المعيشة.اتهام فرنسا: استراتيجيات قديمة بوجه جديدالاتهامات الموجهة إلى فرنسا تُظهر أن النظام الجزائري يعيد تدوير استراتيجياته القديمة لتشتيت الانتباه عن أزماته الداخلية. من المعروف أن الخطاب الرسمي الجزائري يعتمد منذ عقود على “شيطنة الخارج”، سواء كان المغرب، فرنسا، أو قوى أخرى. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحويل أنظار الشعب عن المطالب الحقيقية بالتغيير، ولكن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الإعلامي، لم تعد هذه التكتيكات تجدي نفعاً.الجيش والنظام: تجربة الأسد تتكرر؟مثلما كان الحال في سوريا الأسد، يعتمد النظام الجزائري على الجيش كركيزة أساسية لحماية السلطة. ولكن التجارب أثبتت أن الجيوش لا تحمي الأنظمة المستبدة عندما تواجه شعوباً تطالب بالحرية والكرامة.في سوريا، انهارت قوة الجيش أمام إرادة الشعب ومقاومته، ولم تفلح الترسانة العسكرية في حماية النظام إلا بتدخلات خارجية. في الجزائر، النظام يراهن على السلاح الروسي، ولكنه يتجاهل أن الشرعية الحقيقية لأي نظام تأتي من احتضان الشعب له، وليس من المدافع والدبابات.النظام الجزائري بين الريع والفسادالنظام الجزائري قائم على الريع النفطي الذي يُستخدم كأداة لشراء الولاءات داخلياً وخارجياً. هذه الاستراتيجية التي أثبتت فشلها في عدة دول تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة: • تراجع أسعار الطاقة عالميًا: يهدد الاستقرار المالي للنظام. • فساد مزمن: يمنع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ويزيد من اعتماد البلاد على واردات باهظة التكلفة. • استياء شعبي متزايد: يغذي موجات متعاقبة من الاحتجاجات والمطالب بالإصلاح.فرنسا لن تصمتبلا شك، فرنسا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الاتهامات “الهزلية”، خاصة أن العلاقات بين البلدين تمر بتوترات منذ سنوات بسبب قضايا متعددة، أبرزها ملف الذاكرة التاريخية، والتنافس الجيوسياسي في منطقة الساحل والصحراء.إذا استمر النظام الجزائري في التصعيد غير المبرر، فقد يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع فرنسا، التي لديها أوراق ضغط عديدة. هذا قد يعمق عزلة النظام ويزيد من أزماته الخارجية، إضافة إلى أزماته الداخلية المستفحلة.النظام الجزائري، مثل نظام الأسد، يعتقد أن القمع والترهيب يمكن أن يطيل عمره، ولكن الحقيقة التي تظهرها كل التجارب التاريخية هي أن الأنظمة الفاسدة المبنية على القمع والفساد مصيرها الزوال. الشعب الجزائري، الذي صمد لعقود أمام الاستبداد، يحمل في داخله بذور التغيير، والنظام الحالي، مهما حاول تصدير أزماته، لن يستطيع الهروب من هذا المصير المحتوم.الجزائر تستحق نظاماً يحترم إرادة شعبها ويعتمد على مؤسسات قوية واقتصاد منتج، وليس على شعارات جوفاء واتهامات فارغة.
