ثقافة وفنونمستجدات

من أفلام مهرجان برلين السينمائي الدولي فيلم”أشياء صغيرة مثل هذه” ، محنة المرأة في مواجهة الاستغلال

*محمد نبيل*

يفتتح مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته ال74 بعمل سينمائي تشكل الرواية نواته الأساسية . “أشياء صغيرة مثل هذه” تدور أحداثه في أيرلندا في ثمانينيات القرن العشرين.
الفيلم من إخراج تيم ميلانتس وبطولة الممثل سليان مورفي (بطل فيلم أوبنهايمر ). الفيلم من انتاج بلجيكي – ايرلندي و شارك خارج المنافسة الرسمية.

الرواية و السينما و التأويل
فيلم يتحدث عن الإنسان بلغة سينمائية يغمرها إيقاع درامي بطيء يعطي فرصة للعين أن تلتقط جماليات اللقطات وسحر الحوارات . سيناريو فيه لعبة تشويق وروح الصراع. يستند الفيلم الى رواية للكاتبة الارلندية كلير كيغان التي تدور أحداثها في أيرلندا عام 1985.

وتركز الرواية على وجهة نظر تاجر الفحم فورلونج، الذي يعمل بجد لإعالة أسرته. انه رجل خجول ويؤمن بقيم العدل والانصاف والتعامل الإنساني. فورلونج يواجه سؤالا صعبا عندما يكتشف استغلال الكنيسة الكاثوليكية محنة “الفتيات الساقطات “. تاجر الفحم يقرر في النهاية مساعدة واحدة من هؤلاء الفتيات اللواتي يتم استغلالهن في دير للراهبات. هذه ليست مجرد قصة أيرلندية، بل هي حكاية عن الإنسان والمرأة في مواجهة جبروت بؤس الايديولوجيا و الاستغلال (الديني على الخصوص).

مشاهد بداية الشريط غير واضحة المعالم . سيارة تاجر الفحم عتيقة والهواء جاف ووسخ بسبب غبار الفحم المنبعث من المداخن. نظرات تاجر الفحم تلتقط عبر الزجاج الأمامي لشاحنة بيل فورلونج. ألوان شاحبة وملامح ناعمة. هنا وهناك وميض ذوبان الضوء على الزجاج الأمامي لسيارة فورلونج في ليلة تسبق عيد ميلاد المسيح عام 1985.

من الغريب تصوير بطل الفيلم متردد لكنه طيب القلب، والنساء من حوله جبناء إلى حد كبير و يحمون أطفالهن ولكنهن لا يرون أي شر. صحيفة نيويورك تايمز الامريكية ترى بأن المجتمع الأيرلندي في تلك الفترة التاريخية، ” كانت النساء فيه الأكثر تورطا في إدامة معاناتهن. ليس فقط الراهبات أنفسهن، ولكن أيضا البرجوازيين المقموعين والخائفين مثل أيلين والذين علموا بالجرائم وأداروا وجوههم بعناد”.

بالإضافة إلى ذلك ، هناك برودة اجتماعية تسير جنبا إلى جنب مع الصرامة الأخلاقية والدينية والهياكل الأبوية. فبطل الرواية ، تاجر الفحم هو نفسه ابن أم كاثوليكية غير متزوجة، “حملت” في سن 16 وتجنبت عذاب دير الراهبات فالتجأت الى الأعمال الخيرية لصاحب العمل البروتستانتي. اليوم ، البطل لديه أسرة و يقوم بجولات توزيع الفحم، وفي يوم ما يكتشف التعامل المهين للراهبات ضد الفتيات المحبوسات داخل الدير قبل أن ينقد في نهاية الشريط إحداهن.

المنتج والممثل الرئيسي سيليان مورفي قدم أمام الشاشة قصة خارقة ومؤلمة وحزينة بكثافة أدبية للغاية، تتناقض مع تفاصيل الحاضر وذكريات الماضي على حد قول صحيفة الغارديان البريطانية. فقصة الشريط تدور حول البيوت التي تديرها الكنيسة للأمهات غير المتزوجات اللواتي أجبرن على العمل في جو من البؤس والعار ويتم أخذ أطفالهن وبيعهم للآباء بالتبني.

هناك نهاية غريبة للغاية في الشريط. هل حدثت نهاية ما بالفعل أم لا؟ النهاية المفتوحة قد تصل الى حد يحس فيه المشاهد بانه لم يدرك النهاية حتى أصبحت الشاشة سوداء. تصف صحيفة الغارديان هذا الفيلم “بأنه دراما آسرة وجذابة”. الفيلم فيه بصمة إنسانية تثير الدهشة وتسلب بعض القوة والسلطة التي تتمتع بها الراهبات والكنيسة ذات الصلة موضوعيا بقصة الشريط.

مشاركة هذا النوع من الأفلام في مهرجان برلين دفع الصحافة الألمانية الى القول: إن البعض يعتبر مهرجان برلين السينمائي الأكثر عرضا للأفلام ذات الحمولات السياسية من بين جميع المهرجانات السينمائية، فعرض أفضل الأفلام يتم في مهرجان كان وأجمل الأفلام في البندقية، لكن برلين كانت لديها مواضيع مهمة في برنامجها السينمائي كالحرب الباردة، صراعات ما بعد الاتحاد السوفيتي، والعولمة، أزمة المناخ والهجرة. هنا في مهرجان برلين يمكنك اكتشاف العالم كما هو بالفعل، وليس كما نود رؤيته على حد قول بعض الصحافيين الالمان. السؤال المطروح : هل نجحت إدارة المهرجان في مهماتها السينمائية أم ظلت معلقة الى حين تبدأ الإدارة الجديدة للمهرجان شهر أبريل المقبل؟

*كاتب و مخرج مقيم في برلين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube