أخبارمحطات نضاليةمستجدات

تدخل الأخ يوسف ايذي رئيس الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية في المناقشة العامة لمشروع قانون مالية 2024

السيد الوزير المحترم،

السادة المستشارون المحترمون،

أيها الحضور الكريم،

نجتمع اليوم في هذاالموعد الدستوريالسنوي الهام لنشرع في دراسة مشروع القانون المالي للسنة المالية 2024 في محطته الثانية بمجلس المستشارين بعد أن حظي بمصادقة مجلس النواب.

وهي المحطة التي تكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى الخصوصيات المتعددة لمجلسنا الموقر من حيث اختصاصاته الدستوريةوتركيبته المتفردة التي تضم عددا من المكونات المتكاملة فيما بينها.

فهي وإن كانت من مشارب مختلفة، فإنها جميعها تنطلق وتتفاعل مع الواقع الترابي والاقتصادي والاجتماعي المتنوع، ما يجعلها في مواقع تؤهلها أكثر للإسهام المنتج في إثراء وإغناء مشروع القانون المالي الذي نحن بصدد دراسته، سواء من حيث مناقشته العامة أو التفصيلية أو لجهة مقترحات التعديلات الوجيهة التي لا شك أن كل الفرق والمجموعات البرلمانية ستتقدم بها في الوقت المناسب، آملين منذ البداية أن تحظى بالتفاعل الإيجابي المنشود من طرف الحكومة.

السيدات والسادة،

إننا مدركون تمام الإدراك أن الظرفية الدولية التي تم فيها إعداد مشروع القانون المالي للسنة المالية 2024 ظرفية في غاية الدقة والحساسية، فهي تحفل بمتغيرات وتحولات جيواستراتيجية لا تفتأ تفاجئنا كل يوم، فمنذ الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 دخل العالم بأسره في مرحلة خطيرة من الاضطراب واللايقين شكلتها أزمات متتابعة، بلغت ذروتها في جائحة كورونا مطلع سنة 2020 وتفاقمت مع اشتداد الحرب الأوكرانية الروسية وتداعياتهما الممتدة في الزمان والمكان.

واليوم نجد أنفسنا أمام فصل جديد، من الخطورة بمكان، ينذر بالشؤم على العالم كله، وذلك جراء تمادي إسرائيل في جرائم الحرب التي تقترفها آلتها العسكرية الآثمة في حق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل وخاصة أهالي قطاع غزة الذين يعيشون ليلا ونهارا ويلات القصف العشوائي الذي خلف لحد الساعة سقوط أكثر من 10 آلاف شهيد والآلاف من الجرحى والأرامل والأيتام، فضلا عن دك المدينة وتدمير بنياتها التحتية ومرافقها الحيوية بما فيها المستشفيات والمساجد والمدارس وكل مكان يمكن أن يكون ملجأ لمن يبحث عن فرصة جديدة للحياة.

وفي ظل هذه الظروف المؤلمة حقا، لا يسعنا في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين إلا أن نجدد إدانتنا وشجبنا للأعمال العسكرية الإسرائيلية الرعناء التي لا تراعي عرفا أو قانونا أو أخلاقا أو حتى ذرة واحدة من الضمير الإنساني، كما نندد بالصمت الدولي، ولا سيما صمت القوى المؤثرة بل تواطؤها المفضوح مع إسرائيل لتواصل جريمتها الانتقامية بلا هوادة.

ولا شك، أيها السيدات والسادة، أن هذ الصورة القاتمة لعالم اليوم، والمرشحة لمزيد من القتامة، تلقي بظلالها الثقيلة على الاستقرار والسلم العالمين، وعلى الاقتصاد الدولي في كل أبعاده، حيث صار رهينة لتقلبات غير متحكم فيها، مما يجعله في وضعية تنحو من السيء إلى الأسوء من خلال تجليات كثيرة أبرزها الاضطرابات التي تعرفها التجارة الدولية وسلاسل الإمداد بالمواد الأساسية من منتجات أولية وطاقية، مما يؤدي إلى تفاقم ظواهر سلبية كالارتفاع المستمر لمعدلات التضخم وفقدان الوظائف وتقلص فرص الشغل وتدهور سبل كسب العيش الكريم.

ولأننا في عالم متشابك، فإن هذه الأوضاع الدولية المضطربة، زيادة على تفاقم معضلة التغيرات المناخية، كان لها وقع كبير على ظرفيتنا الوطنية، خاصة في ظل شح الإمكانيات وضعف الموارد الذاتية، مما يؤثر سلبا على نسيجنا الاقتصادي والاجتماعي ويزيد من هشاشته ويحد من الفرص الممكنة والمبادرات المحتملة لتدشين انطلاقة حقيقية نحو الأفضل.

وهنا لا بد من التذكير بالضغط الهائل الذي انضاف على عاتق بلادنا جراء كارثة زلزال الحوز في شتنبر الماضي الذي خلف مع الأسف الشديد خسائر فادحة على مستوى الموتى والمصابين وكذا الأضرار الكبيرة التي لحقتبالبنيات التحتية والمرافق الحيوية ومنازلالساكنة.

وإن هذه المناسبة الأليمة، بقدر ما هي مدعاة للحسرة والأسى من كلفتها البشرية والمادية المرتفعة، بقدر ما تبعث في نفوسنا جميعا شعورا قويا بالاعتزاز والفخر بالانتماء لهذا الوطن الحبيب. فقد كان العالم بأسره شاهدا على ملحمة بطولية في التعامل مع هذه الكارثة الطبيعية، التي لا راد لقضاء الله فيها، ملحمة قوامها التضامن والتلاحم بين مختلف مكونات الشعب المغربي الأبي تحت القيادة الملكية الرشيدة.

فقد حرص جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال، على اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة مخلفاته والوقوف بجانب الساكنة المتضررة لتقديم المساندة والدعم بكل أشكاله الممكنة.

وبفضل الرعاية الملكية والمجهودات التي قامت بها الدولة استطاع المغرب في ظرف أقل من أسبوعين أن يحتوي الجانب المأساوي للكارثة ويتفرغ لعملية الإعمار وإعادة البناء من خلال إحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير، والشروع في صرف منحة 2500 درهم شهريا على مدى سنة، لحوالي 60 ألف أسرة، على أمل الإسراع بتوزيع المساعدات الموعودة لإعادة بناء المنازل (140 ألف درهم) أو ترميمها (80 ألف درهماً).

وسنبقى من موقعنا البرلماني المعارض يقظين ومتأهبين لمراقبة مدى استجابة العمل الحكومي وتجاوبه، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، مع حاجيات الأقاليم الست المتضررة والمقبلة على فصل شتاء غالبا ما يكون قاسيا في هذه المناطق الجبلية.

أيها السيدات والسادة،

في مقابل هذه المأساة التي ميزت الظرفية الوطنية، نسجل باعتزاز كبير الأخبار السارة التي زفها جلالة الملك حفظه الله للشعب المغربي والمتمثلة في الشروع في تقديم الدعم الاجتماعي للأسر المحتاجة، والاعلان عن استضافة المغرب بشكل مشترك مع الجارتين إسبانيا والبرتغال لفعاليات كأس العالم 2030.

والأمر هنا يتعلق، ليس فقط باستحقاق رياضي عالمي، ولكنه أيضا استحقاق ومحك تنموي ينبغي العمل جديا من أجل كسب رهاناته وتحقيق الطفرة التنموية المرجوة منه.

كما نعبر أيضا عن ارتياحنالتوالي الانجازات المهمة التي يحققها المغرب بفضل قيادة صاحب الجلالة في ملف تحصين وحدته الترابية وحشد الدعم الدولي المتنامي لمقترحه المتعلق بتمتيع أقاليمه الجنوبية بالحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد والاوحد لوضع حد نهائي للصراع المفتعل حول مغربية الصحراء، والقرار الأخير لمجلس الأمن الدولي دليل جديد يزكي موقف المغرب في مواجهة خصوم وحدته الترابية والسكانية ويكرس سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي.

وفي كل الحالات لابد من التذكير في هذا الصدد أن تحصين وتقوية جبهتنا الداخلية وترسيخ مسلسل الإصلاحات هو السبيل الأنجع لإحباط كل المؤامرات الدنيئة التيتحاك ضد بلدنا العزيز.

ومن محاسن الصدف أن تتزامن دراسة مشروع قانون المالية مع حدث وطني كبير يتعلق بتخليد ذكرى عزيزة على كل المغاربة تجسد التلاحم الوطني بقيادة المؤسسة الملكية، إنها ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة التي بلغت هذه السنة عامها الثامن والأربعين.

وبهذه المناسبةنتضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد مبدعها الراحل الملك الحسن الثاني،برحمته الواسعة ومغفرته الشاملة، وأن يحفظ جلالة الملك محمد السادس ويحفه بعنايته الكريمة حتى يواصلمسيرة البناء والتشييد وتحصين الوحدة الترابية والسكانية للمملكة وتوطيد دعائم ازدهارها ورفاه شعبها الأبي في مختلف المجالات. كما نتوجه بتحية تقدير واجلال لقواتنا المسلحة الملكية ورجال الدرك والقوات المساعدة ورجال الأمن الوطني وكافة القوات العمومية لما يقومون به من مجهودات في الدفاع عن حوزة وأمن الوطن.

وإننا لنعتز، أشد ما يكون الاعتزاز، بمضامين الخطاب الملكي السامي يوم 6 نونبر الفائت الذي ألقاه جلالته تخليدا لهذه الذكرى، فقد جاء هذا الخطاب غنيا بالمشاعر الإيجابية والمحفزة على الجدية والتفاني في العمل لمواصلة المشاريع والإصلاحات التي تباشرها بلادنا في مختلف الميادين.

كما جاء النطق الملكي السامي حاملا لرؤية استراتيجية لمستقبل المغرب،كبلد متجذر يسعى إلى تكريس وحدته الترابية ومضاعفة جهوده لتحقيق التحديث والتنمية الشاملة، ويتطلع في ذات الوقت إلى تعميق الاندماج الإقليمي والتعاون الدولي، وذلك انطلاقا من الأهمية الخاصة التي يوليها للشراكة الرابحة مع الدول الإفريقية ولا سيما مع دول الواجهة الأطلسية التي تشكل بوابة المغرب نحو إفريقيا ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي. 

إن هذا الخطاب الملكي الذي يخاطب المستقبل يجعلنا أمام لحظة مفصلية تاريخية لتكريس مغربية أقاليمنا الجنوبية، ليس فقط من خلال الدعم الدولي المتنامي لموقف بلادنا من النزاع المصطنع، وإنما أساسا بفتح الباب على مصراعيه لتطوير اقتصاد هذه الربوع من المملكة عبر العمل على إقامة اقتصاد بحري وتطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري، وتشجيع الأنشطة الفلاحية والطاقات المتجددة والنهوض بالسياحة الأطلسية.

إنه خطاب بقدر ما يبعث في نفوسنا مشاعر الفخر والاعتزاز، بقدر ما يجعلنا نستشعر جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقنا كأغلبية ومعارضة، مثلما يحفزنا على استثمار موقعنا الدستوري في المعارضة من أجل مراقبة عمل الحكومة ومتابعة برامجها ومشاريعها، بكل الوسائل المتاحة، حتى تكون في مستوى التطلعات الملكية السامية من أجل النهوض الشامل لبلدنا وشعبنا الوفي.

السيد الوزير المحترم،

السادة المستشارون المحترمون،

في ظل هذا التداخل بين الهمومالمؤلمة والبشائرالمطمئنة، انتصبت أمامنا حالة وطنية استثنائية أظهرت المعدن الحقيقي للمغاربة، المستعدين دائما للدفاع عن الوطن والتعبير عن وطنيتهم بكل الوسائل الممكنة، فقدبرهنوا بالفعل أنهم “يستحقون الأفضل”، ولكن ليس من باب إطلاق الكلام على عواهنه، بل من خلال سلسة من الإجراءاتالثورية والتوظيف الأمثلللآليات الدستورية والقانونية المخولة للحكومة من أجل التجسيد الفعلي لهذا الشعار على أرض الواقع. 

لقد كان أملنا كبيرا في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية في أن تلتقط الحكومة هذه الإشارات المضيئة وهي تعد مشروع القانون المالي لسنة 2024 من أجل تقديم صيغة متطورة لهذا المشروع تقطع مع الاستمرارية التي ميزت السنتين الأولتين من عمر الحكومة الموقرة، لكن مع الأسف الشديد خاب ظننا ونحن نعاين مشروعا جديدا قديما فيه الكثير من الوعود والتعهدات أكثر من الإجراءات والبرامج الواقعية القابلة للتطبيق والاستدامة، مشروع يتسم بمحدودية الأفق الزمني وكأن الحكومة لا يهمها سوى إنجاح ولايتها التي تنتهي سنة 2026؟

إننا أمام مشروع قانون مالي مهم لأنه يتزامن مع مرور سنتين من الولاية الحكومية الحالية، وهي مدة كافية مكنت الحكومة باعتراف صريحمن أغلبيتها البرلمانية التي أكدت في تدخل أجد فرقها أن لهامساحة كافية لمقاربة واقع مؤسسات الدولة، واكراهات التدبير العمومي، وحقيقة المالية العموميةوأعطتها الأدوات الدقيقة لمعرفة ما تحتاجه البلاد، وما تقتضيه الظرفية من قرارات عمومية ذات بصمة إصلاحية، بروح مُتجردة وصادقة، وعبر جرأة سياسية تقطع مع الارتهان للمستقبل وتأجيل القرارات التي كلما طال زمن اتخادها زاد استفحال انعكاساتها السلبية، وباتت مستعصية على الإصلاح، وبالتالي التأثير السلبي على مصائر الأجيال المقبلة“.

وهذا يعني في تقديرنا أيضا أنالحكومة متملكة بما يكفي لحقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية للمغرب، وبالتالي كان عليها أن تبدي مزيدا من الجرأة المالية والسياسية في مشروع القانون المالي الذي نناقشه اليوم، وهو الشيء الذي نتأسف لغيابه.

إننا في فريقنا، من حيث المبدأ، مع التوجهات العامة والمحاور الأربعة التي حددها مشروع القانون المالي والمتمثلة في مواجهة تأثيرات الظرفية وتنزيل برنامج مواجهة تداعيات زلزال الحوز، وتكريس أسس الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز استدامة وتوازن المالية العمومية.

كما نسجل ما جاء فيه من إيجابيات، على قلتها، كالحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، وتخصيص 9.5 مليار درهما لتنزيل ورش تعميم التغطية الصحية للفئات الهشة، وإطلاق برنامج الدعم الاجتماعي بقيمة 25 مليار درهم تنفيذا للإرادة الملكية السامية، والرفع من الاعتمادات المخصصة لقطاع الماء في إطار الجهد المبذول لمحاصرة الإجهاد المائي الذي تعاني منه بلادنا، فضلا عن الزيادة المعتبرة في ميزانيات الصحة والتعليم.

كما ننظر بشكل إيجابي إلى توجه الحكومة للحفاظ على الارتفاع المستمرلحجم المجهود الاستثماري العمومي ليصل سنة 2024 إلى 335 مليار درهما (300 مليار درهم خلال السنة المالية الجارية)، وفي ذات الوقت ننبه إلى استمرار سوء توزيع هذا الاستثمار العمومي بين جهات المملكة مما يساهم في تأخير وإعاقة ورش الجهوية المتقدمة.

غير أن الاختلاف الذي نود أن نعبر عنه في هذا الصدد يتعلق بطبيعة ونوعية الإجراءات والتدابير التي تقترحها الحكومة في مشروعها من أجل تنزيل الأهداف الكبرى المسطرة، ومدى قدرتها على المضي قدما في تنزيلها وضمان وسائل تمويلها.

السيد الوزير المحترم،

السادة المستشارون المحترمون،

إننا في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون المالي لا نريد الوقوف عند تفاصيل المشروع والأرقام التي جاء بها ومقارنتها بما قبلها وما هو وارد في تقارير وطنية ودولية، لأن ذلك سيأتي أوانه خلال الاجتماعات المقبلة المخصصة للمناقشة التفصيلية لمواد المشروع، وإنما نكتفي هنا بإيراد بعض الملاحظات الأساسية التي نود لفت انتباه الحكومة إليها.

أولى هذه الملاحظات ترتبطبكون الفرضيات الأساسية التي بني عليها المشروع تبدو وكأنها تقفز على الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي، إن لم نقل تغرق في تفاؤل مفرط يخلق حالة زائفة من الأمل سرعان ما يتحول إلى يأس قاتل،إنها فرضيات تحمل في طياتها أسئلة كبيرة حول صدقيتها وإمكان تحققها بالنظر إلى الظرفية الدولية والوطنية الصعبة كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

لقد اتضح جليا من خلال حصيلة السنتين الماليتين السابقتين أن معظم توقعات الحكومة بخصوص معدلات النمو والتضخم وعجز الميزانية كانت بعيدة عن الواقع مكرسة الإيقاع البطيء للعمل الحكومي، وهو ما يسمح لنا بالتساؤل هل الحكومة على قدر ضعيف من الإلمام بالمعطيات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية أم إنها ضحية ثقة زائفة في المستقبل الذي لا تتحكم فيه؟

وأكثر من ذلك فقد سجلنا بكل أسف غياباللانسجام وتباعدا في الأرقام بين الحكومة وبعض المؤسسات كبنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط بخصوص حقيقة وآفاق الاقتصاد الوطني وتطور مؤشراته.

الملاحظة الثانية تتعلق بالتحدي الذي يواجه الحكومة في استدامة وسائل تمويل البرامج الاجتماعية بدون التغول على الطبقة الوسطى التي تجد نفسها امام خطر الانزلاق الى أوضاع اجتماعيه صعبة، علما انها الفئة التي تحقق توازن المجتمع في كل المستويات وهي التي تحرك الاقتصاد الوطني وتعزز التماسك الاجتماعي من خلال تقوية آليات التضامن التقليدي التي يبدو أن الحكومة ليست على علم بها.

وعلى سبيل المثال فإن الإجراءات الضريبة التي همت الرفع من الضريبة الداخلية على الاستهلاكومراجعة أسعار الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لبعض المواد والخدمات الأساسية وخاصة السكر والسيارات الاقتصادية ونقل المسافرين وغيرها، بالإضافة إلى الرفع التدريجي لأسعار قنينة الغاز من فئة 12 كيلوغرام ابتداء من أبريل 2024، تظهر الحكومة وكأنها تحاول انتشال الطبقة الفقيرة من براثن العوز والخصاص وفي نفس الوقت تدفع بالطبقة الوسطى، صمام أمان أي مجتمع، نحو الهاوية.

وانطلاقا من مرجعيتناوخلفيتنا الاجتماعية المعروفة نلح على الحكومة أن تضع في نصب عينيها مسألة الاستقرار الاجتماعي إذ بدونه لن تكون هناك تنمية أو استثمار.

نعود لنقول إن هناك من يذهب بعيدا في إثارة هذا التحدي المطروح على الحكومة لدرجة الحديث عن احتمال استنزاف الموارد الخاصة للدولة بسبب صعوبة ضمان الاستدامة المالية لبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر للأسر.

ونحن في هذا الصدد، كفريق اشتراكي- المعارضة الاتحادية، تثار أمامنا تساؤلات مؤرقة وتساورنا شكوك مقلقة، نتمنى أن تبددها الحكومة، حول سبل تمويل هذا البرنامج وغيره من الأوراش والمشاريع الكبرى في ظل مداخيل تأتي 90في المائة منها من المداخيل الضريبية، في حين بالكاد تصل الإيرادات غير الضريبية 7 بالمئة، ليبقى الحل المتاح هو اللجوء إلى سوق الاقتراض الدولية الذي وإن أصبح سالكا أمام المغرب خاصة بعد حذفه من المجموعة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية والاتحاد الأوروبي، فإنه حلا يبقى بطبيعة الحال محفوفا بمخاطر عدة سيما فيما يخص الحفاظ على السيادة الوطنية وضمان حقوق الأجيال المقبلة.

إننا نتطلع فعلا إلى أن تتحلى الحكومةبقدر أكبر من الإبداع في إيجاد حلول بديلة وهوامش مالية جديدة.

الملاحظة الثالثةتتعلق بغياب إصلاح ضريبي حقيقي في ظل استمرار الحكومة في تجاهل مراجعة أسعار الضريبة على الدخل خاصة بالنسبة للفئات التي تخضع لعملية الحجز من المنبع، بالإضافة إلى توالي المحاولات الحكومية لتخفيف أعبائها والبحث عن مصادر تمويل جديدة من الرفع من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك على مواد أساسية تنحصر تأثيراتها السلبية على الفئات المحتاجة والبسطاء من المواطنين ذوي الدخل المحدود.

وهذا الأمر ينطبق على الهواتف الذكية التي باتت تستعمل على نطاق واسع في مجالات التعليم والعمل عن بعد مع ما قد يترتب عن ذلك من تعميق للاختلالات الحاصلة بالنسبة لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص داخل المنظومة التعليمية الوطنية.

نفس الشيء ينسحب على الرفع من الضريبة على المشروبات الكحولية لما لها من أضرار على الصحة، وإذا كنا نتفق على أن هذا الإجراء سيوفر بعض المداخيل الضريبية والجمركية، فإننا ننبه في ذات الوقت إلى أن الرفع مئة بالمائة من رسوم الخمور من شأنه أن يفاقم في ظاهرة لجوء العديد من المواطنين إلى الإقبال على استهلاك أصناف غير مرخصة ولا تستجيب للمعايير الصحية، مما يؤدي إلى حوادث قاتلة تواترت في بلادنا خلال السنوات الأخيرة مع الأسف.

إننا نعلم أن الحكومة تراهن على سنة 2026 كموعد لاعتماد السعرين 10 و20 في المائة في فرض الضريبة على القيمة المضافة سعيا منها لتوسيع الوعاء الضريبي، ولذلك فإننا سننتظر إلى حين هذا الموعد لنقيم مدى تحقق التأثيرات المرجوة من هذا الإصلاح التدريجي.

وفي جميع الحالات فسنظل نؤكد على حاجة بلادنا إلى إصلاح ضريبي حقيقي وفق مبادئ تضمن العدالة والاستقرار الضريبي بما يسهم في ترسيخ قيم التآزر والتضامن والانصاف بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية والمجالات الترابية، ويؤدي أيضا إلى تقوية منسوب الثقة لدى المستثمرين الوطنيين والأجانب.

السيد الوزير المحترم،

السادة المستشارون المحترمون،

قبل أن أختتم هذه المداخلة لابد أننسجل بأسف عميقأن الحكومة في الوقت الذي تتقدم فيه بمشاريع إصلاحية في عدد من القطاعات الحساسة التي تمس أوضاع قطاعات واسعة من المجتمع المغربي، فإنها لم تنجح في مصاحبة هذه المبادرات بما يكفي من التدابير والإجراءات الكفيلة بخلق الأجواء الاجتماعية المناسبة لضمان شروط نجاح هذه المشاريع.

وبدون الإطالة في سرد العديد من الحالات التي تجسد هذا الإخفاق الحكومي، فإننا نكتفي بالإشارة إلى ما يعتمل داخل أسرة التعليم من مشاكل لا تكاد تنتهي، وآخرها وأكثرها خطرا على مستقبل البلاد في مجال حساس هو ما رافق اعتماد المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية من احتجاجات واسعة شلت القطاع وأدت إلى حرمان ملايين التلاميذ من المتابعة المنتظمة للدراسة.

إننا ننبه إلى أن قطاع التعليم في كل مستوياته قطاع استراتيجي لحاضر ومستقبل البلاد وهو القاطرة نحو بناء مجتمع متماسك ومتقدم اقتصاديا وصناعيا وحضاريا، وبالتالي فإنه لا يستحمل الإقدام على مغامرات أو مبادرات ترقيعية غير مدروسة بالعناية اللازمة وغير محاطة بالالتزام والجدية المطلوبة.

إن الحرص على الإعمال الفعلي للمقاربة التشاركية مع كافة الفاعلين المعنيين بالإصلاح هو السبيل الأنجع والطريق المختصر لمباشرة الإصلاحات الضرورية في هكذا قطاعات، وهو النهج الأسلم لبلوغ النتائج المرجوة وتجنيب بلادنا التوتر وحالة الاحتقان ذات المفعول السلبي على الاستقرار والسلم الاجتماعي الذي بدونه لا يمكن لنا المضي بثبات على درب الإصلاح والتغيير المنشود.

السيد الوزير المحترم،

السادة المستشارون المحترمون،

أيها الحضور الكريم،

في الختام يمكن أن نعترف للحكومة أن المشروع الذي أعدته للسنة المالية المقبلة مشروع طموح ومتفائل إلى حد ما وإن اتخذ شكل أهداف و إجراءاتتجزيئية في غياب رؤية شمولية واضحة.

ومع ذلك فإن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحاديةليس في وسعه إلا أن يعبر عن قلقه وتوجسه من الحلول والوسائل المقترحة، بل إننا نشكك في مدى القدرة على مواصلة تنفيذ الالتزامات والتعهدات الواردة على متن المشروع، وذلك في ظل محدودية الإمكانيات الماليةوقصر النظر وشح الابداع في اقتراح الحلول القابلة للحياة.

إننا لا نقول هذا الكلام من أجل تثبيط عزيمة الحكومة أو التشكيك في صدق نواياها، بل بالعكس من ذلك نسعى، من موقع المعارضة البناءة، إلى شحذ همتها وتقوية عزيمتهاللمضي قدما في مواصلة المسيرة الإصلاحية ببلادنا ورفع التحديات الجسام التي تواجهها.

إن نجاح الحكومة هو نجاح لنا جميعا، أغلبية ومعارضة، وقبل هذه وتلك، نجاح كبير للوطن والمواطنين، وارتقاء إلى الثقة الغالية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله ومساهمة فعلية في تجسيد طموح جلالته في بناء مغرب قوي مهاب الجانب ومسموع الكلمة بين الأمم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube