محمد بوبكريمستجدات

حان الوقت ليقول المغرب لحكام الجزائر وإسبانيا: “كفى” !

محمد بوبكري

يعرف الجزائريون أن “عبد المجيد تبون” منذ تعيينه رئيسا إلى اليوم لم يقم بأي زيارة لأية مدينة، ولا لأي ولاية جزائرية، حيث لا توجد مشاريع جاهزة تتطلب منه تدشينها، ولا مشاريع يمكنه وضع الحجر الأساس لها؛ فهو شخص في عطالة دائمة، ما جعل الحراك يطالب برحيله ورحيل أسياده الجنرالات الذين نهبوا كل شيء وتركوا الشعب الجزائري في العراء، بدون غذاء، ولا تطبيب، ولا تعليم… وبأمر من الجنرالات، قام أخيرا ” تبون” بزيارة لزعيم مليشيات “البوليساريو”، الذي يرقد في المستشفى العسكري لـ”عين النعجة”. وما أثار انتباهي هو توجه تبون” بالشكر للمسؤولين الإسبان الذين قبلوا استقبال “غالي” على التراب الإسباني بهدف العلاج. وبهذا يكون “تبون” قد تناقض مع تصريحه السابق الذي قال فيه إن الجزائر تتوفر على أفضل منظومة صحية في إفريقيا، حيث تأكد بالملموس أن هذه المنظومة متجاوزة وعاجزة. ويبدو لي أن شكره للمسؤولين الإسبان يؤكد تورطهم مع جنرالات الجزائر في فضيحة تزوير هوية “غالي” والتآمر على المغرب، حيث يجمعهما الحقد على هذا البلد الأمين مخافة من نهضته الشاملة التي بدأت تبرز مؤشرات ملموسة تؤكدها، والتي ستجعلهما عاجزين عن منافسته…

وتدل علاقة حكام الجزائر بحكام إسبانيا على أنهما قد تورطا معا في تزوير هوية “إبراهيم غالي”، وإدخاله إلى إسبانيا بوثائق مزورة، كما قاموا بتزوير ملامحه، حتى لا ينتبه إليه أحد، وزوروا هوية مرافقه، حيث أعطوه اسم ” الوزير محمد الصغير نقاش”، الذي توفي قبل 11 عاما، وتم إطلاق اسمه على المستشفى العسكري بـ “عين النعجة”. كما يدل انخراط حكام الجزائر في هذه الفضيحة على تلاعب النظام الجزائري بقضية الصحراء المغربية، ما يعني أن هذا النظام هو من افتعل مشكلة الصحراء بهدف ضرب الوحدة الترابية المغربية، فتحول عمليا إلى طرف رئيس في هذه القضية، لأن الأوهام التوسعية لجنرالات الجزائر، التي ورثوها عن “هواري بومدين”، جعلتهم يطمحون إلى الاستيلاء على الصحراء المغربية، فأصبح العالم كله يعي أوهامهم التوسعية في الصحراء المغربية و”موريتانيا” و”تونس” و”ليبيا” و”مالي” و”النيجير” و”تشاد”… كما كشفت فضيحة التزوير هاته أن “غالي” مجرد مزور، ولا يمكن أن يكون زعيما لـ “حركة تحرر”. فهو متورط في التقتيل والإرهاب والاغتصاب وممارسة التعذيب ضد خصومه السياسيين، ما يتناقض مع المبادئ والقيم التي تنهض عليها حركات التحرر، لأن المغاربة الصحراويين المعتزين في تندوف يريدون التحرر من قمعه واضطهاده لهم والعودة إلى حضن وطنهم… فلماذا ترفض مليشيات “البوليساريو” السماح لهم بحق تقرير مصيرهم؟ إنها لا تقبل ذلك، لأنها تعي أنهم جميعا يريدون العودة إلى وطنهم المغرب. هكذا فقد انكشفت حقيقة “البوليساريو فسقط القناع عن القناع، واكتشف العالم أن “غالي” مجرد مزور خاضع لجنرالات لا يتنفسون إلا التزوير والكذب.

لقد قام حكام الجزائر باكتراء طائرة فرنسية لنقل “إبراهيم غالي”، على وجه السرعة، إلى الجزائر، الأمر الذي يدل على أنه تم تهريبه، لأن حكام الجزائر، تخوفوا من اعتقاله، الأمر الذي كان سيشكل كارثة على جنرالات الجزائر، حيث سيفتضح أمرهم أمام الرأي العام العالمي الذي سيكتشف تزويرهم وتواطؤهم مع حكام إسبانيا ضد المغرب، ما سيشوه صورتهم في مختلف المحافل الدولية، خصوصا بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ودول كثيرة أخرى بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، ومشاركة دول غربية عديدة في مناورات “الأسد الإفريقي” التي تؤكد أن وتيرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء ستتصاعد قريبا…

ويفسر تواطؤ المسؤولين الإسبان مع جنرالات الجزائر ضد المغرب، ما قام به القضاء الإسباني من خرق سافر للقانون الدولي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لأنه لم يتم توقيف “غالي”، رغم اتهامه بارتكاب جرائم الحرب والاغتصاب ضد مواطنين صحراويين يحملون الجنسية الإسبانية. وبذلك تؤكد الحكومة الإسبانية تدخلها في القضاء، حيث برهنت على أنه لا توجد في إسبانيا دولة المؤسسات، ولا فصل السلطات. هكذا، تكون الحكومة الإسبانية الحالية قد ضربت حقوق الإنسان وارتكست بإسبانيا إلى ظلمات عصر جنرالات الجزائر. وهذا ما يدل على ان هذه الحكومة مهددة بعدم استكمال عهدتها، حيث إذا تمادت في ارتكاب مثل هذه الجرائم، فإن الشعب الإسباني سينتفض ضدها ليتخلص منها. فقد أصبح المسؤولون الإسبان لا يسهرون على حقوق المواطنين الإسبان، ولا على حقوق الإنسان عموما، لأنهم صاروا يمارسون نفس السلوكات التي يمارسها حكام الجزائر ضد الشعب الجزائري. وبذلك يكون المسؤولون الإسبان قد تشربوا قيم الاستبداد المترسخة في جنرالات الجزائر.

ويدل تدخل الحكومة الإسبانية في القضاء على أنها أصرت، عن قصد، على ضرب حقوق الأرامل والثكالى واليتامى والنساء المغتصبات جنسيا، مقابل الاستفادة من الغاز الجزائري. ويعني ذلك أن هؤلاء المسؤولين أكدوا على أن الغاز فوق الإنسان الذي هو قيمة الِقيم. لذلك، تكون الحكومة الإسبانية قد باعت ذمتها لجنرالات الجزائر، ونسفت دولة المؤسسات في إسبانيا، وعصفت بالمبادئ والقيم الكونية لحقوق الإنسان، ما يستوجب تدخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتنبيهها إلى خرقها لهذه المبادئ والقيم التي تحمي الإنسان من مختلف أشكال العنف والإرهاب والاغتصاب…

وما دفعني إلى الاستغراب هو أن منطق الأشياء يفرض على قاضي التحقيق الإسباني ألا يعالج مباشرة موضوع الشكاوى قبل معالجة كيفية دخول “غالي” إلى إسبانيا بوثائق مزورة وملامح مزورة. ويبدو لي أن هذا القاضي لم يفعل ذلك لأنه يعي أن الخوض في هذه القضية سيجعله يدخل في محاكمة كل من الحكومة الإسبانية وجنرالات الجزائر، الأمر الذي تعمد تجنبه بعدم التحقيق في هذا الجانب. وهذا ما يؤكد تورط حكام إسبانيا في التزوير، لأنهم تدخلوا في القضاء الإسباني حتى لا توجه تهمة التزوير إلى الحكومة الإسبانية الحالية. لذلك، فقد توصل القضاء الإسباني بالمسطرة التي اعتمدها قاضي التحقيق في نازلة التزوير هذه حتى لا يضع القضاء الإسباني الحكومة في قفص الاتهام. قد يعترض بعضهم بتأكيد وجود دولة المؤسسات في إسبانيا، لكن تصرف القضاء الإسباني تجاه واقعة “غالي” جعلني أستنتج عكس ذلك، لأن القضاء الإسباني ليس في مستوى القضاء بـ “بريطانيا” و”الولايات المتحدة الأمريكية” و”كندا” وبلدان شمال أوروبا… فهو أقرب إلى القضاء الجزائري منه إلى قضاء الدول الديمقراطية سالفة الذكر. وتجدر الإشارة إلى إن الديمقراطية الإسبانية ما تزال هشة، حيث لولا الملايير التي يغدقها الاتحاد الأوروبي عليها لانهارت إسبانيا منذ مدة.

ويتضح من تدخل المسؤولين الإسبان في قضاء بلادهم لصالح “غالي” أنهم رضخوا للضغوط السياسية التي مارسها عليهم حكام الجزائر، حيث استعملوا سلاح الغاز في هذه القضية، ما يعني أن الحكومة الإسبانية الحالية هي غير حريصة على حماية السيادة الإسبانية التي صار منتهكة من قبل جنرالات الجزائر… لقد اقتضت المصالح الخاصة للحكومة الإسبانية أن تنقلب على دولة المؤسسات الإسبانية، مقابل الغاز، كما أنها صارت قبلة للأموال المنهوبة من الشعب الجزائري المهربة إلى إسبانيا، الشيء الذي لا تريد الحكومة الإسبانية ضياعه منها.. لذلك، فقد تعود جنرالات الجزائر على شراء الذمم لكسب الدعم لأوهامهم التوسعية على حساب جيرانهم…

ومن الغريب أن الرحلة العلاجية لـ”غالي” قد  كانت على حساب الخزينة الجزائرية، حيث تؤكد مختلف الوقائع أن جنرالات الجزائر يفضلون مليشيات “البوليساريو على الشعب الجزائري؛ فهم لا يهتمون بصحة الجزائريين، الذين يحرمون من دخول المستشفيات الجزائرية الفقيرة على مستوى التجهيزات الطبية، والتي لا تتوفر فيها المعدات الطبية، ولا الأدوية، بل إنها لا تتوفر حتى على مواد التخدير التي تستوجبها العمليات الجراحية، كما أن هناك آلاف النساء اللواتي يمتن سنويا بسبب سرطان الثدي، أضف إلى ذلك أن هناك آلافا مؤلفة من الجزائريين الذين يعانون من أمراض الكبد والكلى، ومختلف أنواع السرطانات، دون أن يحظون بأدنى اهتمام من قبل السلطات الجزائرية التي تنفق جبالا من الملايير على البوليساريو، وذلك على حساب الحاجيات الأساسية للشعب الجزائري الذي بات يعاني من مشكلات اجتماعية خانقة جعلته عاجزا عن تلبية حاجاته الأساسية اليومية من تغذية وتعليم وتطبيب…

علاوة على ذلك، فالنزعة الفروسية البدوية قد أسقطت جنرالات الجزائر في رغبة توسعية جعلتهم يبذرون أموال الشعب الجزائري في التسلح، حيث ينفقون سنويا حوالي 10 مليار دولار في اقتناء السلاح على حساب تلبية حاجيات الأساسية والتنموية للشعب الجزائري. ونظرا لغباء هؤلاء الحكام، فإنهم عاجزون عن الاستفادة من دروس تاريخ حليفهم السلبي الاتحاد السوفياتي في صراعه مع القوى الغربية، حيث اعتقد السوفيات طيلة عقود خلت أن التسلح سيجعلهم أقوياء على الدول الغربية، فبالغوا في منح أهمية قصوى للقوة العسكرية على حساب الاهتمام بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية… فنتج عن ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي. ونظرا لأن لولع حكام الجزائر بالتسلح على حساب الاهتمام بالقضايا المجتمعية الأخرى، فمن المحتمل أن ينهار نظامهم العسكري مستقبلا، لأن غياب الديمقراطية يصيب الأنظمة الدكتاتورية بالعمى، حيث تقود الدكتاتورية الأنظمة المصابة بها نحو الانخراط في أوهام تدفع بها في اتجاه الانهيار. وأمام الوضع المأساوي السائد اليوم في الجزائر، فقد أبدع الشعب الجزائري الحراك السلمي الذي فقد النظام الجزائري القدرة على مراقبته، فعجز عن احتوائه، حيث تؤكد كل المؤشرات أن هذا الحراك يتطور تدريجيا في اتجاه التمكن من الانخراط في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة… ولقد أبان هذا الحراك عن قدرته على مواجهة مؤامرات الجنرالات عبر تطوير خطط مضادة لمؤامراتهم وخططهم القمعية…

وإذا كان الأجنة في بطون أمهاتهم يدركون أن مدينتي “سبتة” و”مليلية” والجزر الجعفرية هي أراض مغربية، فإن جنرالات الجزائر يعارضون هذه الحقيقة الساطعة، ما يفسر تحالفهم مع الحكومة الإسبانية، حيث يدرك حكام الجزائر وإسبانيا أن الحل النهائي لمشكل الصحراء المغربية سيحفز المغاربة على الانتقال إلى استرجاع صحرائه الشرقية، ومدينتي سبتة ومليئة والجزر الجعفرية. وهذا أمر يخيفهم كلهم، لأنهم يعون أن الخطى الحكيمة التي يسير به المغرب ستوصله إلى تحقيق ذلك.

لقد عارض حكام الجزائر وإسبانيا تحديد المغرب لمياهه الإقليمية، لكنه استطاع إنجاز ذلك. وبما أنه قادر على عدم منح أي امتياز للحكام الإسبان في مجال الصيد البحري وفي مجالات أخرى؛ فهو قادر على معاملة كل من يسيء إليه بندية، لأنه لن يقبل من الآن فصاعدا التعامل مع كل من يطعنه من الخلف، كما تفعل معه إسبانيا. فالمغرب متمسك بسيادته، ومصر على رفض السلوك الاستعماري للمسؤولين الإسبان، لأنه فقد الثقة فيهم، ولن تعود علاقاته معهم إلى سابق عهدها، لأنهم باعوا ذمتهم مقابل الغاز الجزائري وأموال الشعب الجزائري التي ينهبها الجنرالات ويهربونها إلى إسبانيا بتواطؤ مع الحكام الإسبان الذين انخرطوا معهم في الإساءة إلى الوحدة الترابية المغربية التي هي قضية مقدسة عند الشعب المغربي. أمام سلوك غدر إسبانيا للمغرب، فمن واجب المغرب أن يعيد النظر في كل الاتفاقيات التي تجمعه مع إسبانيا، لأن سيادة المغرب تقتضي ذلك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube