اقواس

قوس ألوان

تطوان : عبد العزيز بن صالح – ناشط مدني

يا سيدة العشق المكسور والبسمة الهاربة ، لا تسافري في أحزانك ، عندما يلفك وجع الحنين ، عودي الى منبعك الأول ، إلى أشيائك الصغيرة ،إلى أقلامك الأولى لوني بها أحلامك الطفولية عندما كنت منطلقة كفراشة الربيع ، عودي إلى نبعك الأول ، تظللي بشجرة التين الشاهدة على أول خفقة هزت عرش كيانك. تذكري شجر اللوز وهو يزهر قبل الأوان ،. حين يحاصرك الوجع ، وأنت المحاصرة بين حنين الجنوب وغربة الشمال ، فلا شمس الجنوب دفأتك ولا برد الشمال رحمك ، ، غربة في الشوق والجسد ، وجدان معلق بين بين ، شعور قاس وحزين . حين يخفق قلبك دعيه يتدفق شلالا باتجاه مجراه ، هناك موعده ووعده ، لا بد وان يدر النبع المصب مهما تعرجت به دروب الحياة ، حينما يلفك الظلام ويفترس الفراغ لواعجك ، اجعلي من وسادتك مفرغ أحزانك ، بلليها بدمعة حزنك ، اشكيها ، قولي لها إن الغدر والخيانة : انكسار لا يجبر وقهر لا يغفر ،قولي لها ، وماذا ينقصني كي أكون أنثى كاملة ومكتملة الأنوثة؟ يا سيدة الوجع لا تنكسري مرتين……؟
خجولا اطل هذا الصباح ، ضباب يتمطط في الأفق، كأنه بساط من الحزن الرمادي يحجب وجه السماء ، غيمة مزن أفرغت حملها فوق المدينة ، تغسل شوارعها من بقايا سهرة السبت الماجنة ، امرأة منبوذة تترنح في الزقاق المؤدي إلى الكنيسة ، تقيم تحت سلم مهجور ، بطريق ظل طريقه إلى البحيرة المتجمدة ، فانزوى على قارعة الطريق،عمال النظافة يجدون في كنس وجه المدينة ، يجملون ما علق بها من قبح الليل ، قطارات الترامواي تستعد للانطلاق في رحلاتها المكوكية ذهابا وإيابا ، عاشقان أدركهما الصباح في عناق مجنون ، أطفال ملثمون بملابس صوفية كأنهم طوارق الصحراء من أفواههم يندفع بخار من شدة البرد ، يهرولون نحو مدارسهم ، ؟ يا سيدة العشق المكسور دفئي أطفالك افردي جناحيك عليهم كنسر عنيد ، برودة الغربة اقسي من برد هذا الصباح ، ضباب ، مطر ، عطر، شوق ،اشتياق حنين ، وله ، ولع ، انتظار ، سفر ، رحيل ، ولادة ، موت ، عشق ، انكسار، ……….. كل هذا التضاد هو انأ وأنت ؟
عيناك قوس ألوان يتمدد في المدى يعبر مراسي قلبك منذ الصبا ، كلما غاب في الأفق ضاعت الألوان ، تتداخل فتستحيل إلى اللالون ، ما فائدة أن يغشيني المساء ، فتهرب روحي إلى عتمة الليل ، تلفني العزلة وأنا المطوق بضوضاء المدينة ، تبدو الشوارع نابضة بالحياة ، خلق تائه بلا هدف ، باحث عن شهوة مسروقة يتلصص من زجاج السيارة الراكنة دوما على قارعة الفاحشة ، غاوية تراقص خصرها بغنج وفجر ، تلوك علكا كما يلوكها فجار الليل ، سيدة وقور تراقب المشهد بتحسر ، تتمتم في سرها لاعنة عهر الزمان . مقهى الشاطئ ما عاد الوفا ، شابة تدفع أمامها عربة صبي ملفوف ، زائغة العينين ، يرميها تافه بنظرة ساقطة ، صبية تحلقوا حول بائع الغولال ، يستطعمون رائحة السحتر ، من على شرفة فندق عتيق تقف غانية أخرى تغمز للمارة ، سور المدينة القديمة استحال مرحاضا للمتسكعين ، سيارات الأجرة تملأ جوفها لتفرغه في كل اتجاه. برد الروح والجسد ما عاد لي بهما إحساس…..؟!
يصير الأحمر احمرا والأصفر اصفرا والبنفسجي بنفسجيا والقرمزي قرمزيا .. وحده لون الحلحال والعرعار وزهر اللوز ينبت في الذاكرة. ما عادت خارطة الألوان تعنيك ، إن لم تلون ،وجهك بابتسامة الصباح إشراقا ، وحده الرمادي يحجب الرؤيا يحول بين عناق الجدة وأحضان الأم ، بين الروح والجسد ، يا سيدة العشق المكسور ، حينما يعبرك الزمان ويحيلك إلى طائر مهاجر بين ضفتين ، عودي إلى دفئ عشك الأول .

لوحة فنان فاشل علقت على جدار متحف مهمل ، عاشق فاشل يتأملها في صمت صحيفة صفراء ملقاة على الأرض ، جملة غير مكتملة على صدرها ، عشق ممنوع . كتاب فوق منضدة وعليه ريشة ودواة . من يكتب القصيدة الأخيرة ؟جرس الكنيسة يقرع آذان السلام . طبول الشرق تدق نفير الحرب ، في أوطاني يحترق الحب والسلام.شهيد هنا وشهيدة هناك ، استبيح الدم شلالا يروي عطش السفاحين ، فما ارتووا. بلاد العرب أوطاني من دمشق إلى تطوان .خارطة قانية الحمرة ، دم هنا وخمر هناك ؟! عهر ،وعهر، وعهر …. ينبت فينا الحزن شيبا وشبابا تلفظنا المطارات والمراسي كجنس منبوذ . ما عدنا خير امة للناس ؟ يا وجعي على أوطاني حين يستبيحها القرصان …؟ الحب وطن والشمس وطن وألام وطن والغربة اشتياق في غربة الوطن . يا سيدة الوجع المبحوح ، سرجي خيول النصر ، انتصري على جراحك ، اكسري حزنك : أشرقي كشمس الربيع الموعودة بالدفء ، دافعي عن أنوثتك ، عن حبك . عن عشك ، اقهري القهر . لك سلامة الروح يا سيدتي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube