ثقافة وفنون

من وحي الخيال : زيارة البلدة

المبدع عبد السلام مستاكو شفشاون

من وحي الخيال: زيارة البلدة

لم يكن عبد المولى قد زار بلدته منذ أمد طويل، عيد الأضحى مناسبة جيدة لزيارة ما تبقى من الأهل في قريته الصغيرة وسط الريف الغربي على مشارف قبيلة بني زروال. تغيرت ملامح المركز القروي، لم يعد هناك في مدخل القرية ذلك الكشك القصبي حيث كان يجالس صديقه عمي عبسم الحلاق وصانع الأسنان في نفس الوقت وختان الأطفال في بعض الأحيان، تغير المركز بشكل ملفت، مقهى هنا ومطعم هناك ومكتبة في آخر السوق وحتى مقهى أنترنيت، اندهش عبد المولى عندما شاهد لافتة تشير إلى وكالة بنكية بشعار الحصان وصراف آلي محاذي للوكالة..لم يزر سي عبد المولى بلدته لحوالي عقدين من الزمن…لا وجود لدواب ولا فوضى سوق الثلاثاء التي عهدها في صغره وشبابه…محلات أنيقة وشباب في مقتبل العمر بتسريحات شبابية عصرية ولباس عصري كأنه في أحدى بلدات الريف الإسباني حيث يعيش منذ سبعينات القرن الماضي.توقف بسيارته رباعية الدفع بقرب مقهى/مطعم، فتح زجاج سيارته الأسود، ألقى نظرة على شواية المطعم التي ينبعث منها دخان شواء الكفتة الشهي، قرر النزول من سيارته الفارهة السوداء لتفقد المطعم و زبنائه القرويين الذين يلتهمون أطباقا من الكفتة مع قليل من البصل وزيت الزيتون. تذكر مطاعم بلدته الإسبانية بأناقتها و نظامها ونظافة نادليها.. سرعان ما أنقص من مؤشر مستواه الإجتماعي وجلس في ركن بعيد شيئا ما عن دخان الشواية.استوقفه طفل في هيئة نادل، مسح طاولته بمنديل يميل لونه إلى السواد وضع قارورة ماء يبدو عليها أثر الزمن و كأس بلاستيكي فاقع اللون ، ورحب بالزبون الغريب عن المقهى/ المطعم و سأله عن طلبيته : عنا الكفتة..جاج..لوبية..لحم مطيب…الفراقش بالحميص…نظر عبد المولى إلى الصبي في تأمل وهو الذي ألف المطاعم الفاخرة و بطاقة المأكولات والمشروبات الغازية وغير الغازية وجو مكيف وموسيقى البيانو الهادئة، كرر الصبي جملته التي يحفظها عن ظهر قلب…، أوقفه عبد المولى و طلب قليل من لحم الكفتة المشوي على الفحم…نصح الصبي عبد المولى بالتوجه بنفسه للجزار المقابل للشواية ليزن له الكمية التي تكفيه من الكفتة و وضعها عند الشواي بطريقة سيلف سيرفيس…في نفس الوقت وصلت حافلة للنقل العمومي ونزل الركاب للاستراحة ودخول المراحيض، هرج ومرج داخل المقهى/ المطعم، دخان الكفتة اختلط مع دخان الحافلة و صوت محركها يغزو المكان عوض صوت موسيقى البيانو التي اعتاد عليها عبد المولى في مطعمه المفضل بالديار الإسبانية.أدى ثمن وجبته الدسمة و أخذ عود أسنان لينظف أسنانه البلاستيكية بعد أن مد له الصبي النادل قطعة ورقية كبيرة لمسح اليدين..أخذ القطع النقدية ووضعها في جيبه الأيسر، توجه لسيارته السوداء الرباعية الدفع وشغل أو على الأصح أشعل المحرك الكهربائي بسيارته الهجينة التي لا تصدر أي صوت، وضع ناقل الحركة على وضع drive فبدأت السيارة بالتحرك ببطء عندها وقف على مقربة زجاج السيارة الأمامي شاب يرتدي قميصا أصفرا فاقع اللون وبيده عصا تشبه عصا لعبة البيس بول الأمريكية، أنزل عبدالمولى زجاج السيارة الأسود الداكن وسأل الشاب عن سبب اعتراض طريقه وهو إبن البلدة المعروف جدا والذي لم يعد يعرفه أحد.خلصني أشريف…بنبرة فيها صيغة الأمرعلاش ؟ فترة التوقف الاداء إجباري..مد عبد المولى يده لجيبه الأيمن وأخذ ورقة من فئة 200 درهم ومدها للشاب.واش كضحك عليا…على 2 دراهم غادي نصرف 200درهم ولا هادي العياقة..

.صوت نسائي لطيف داخل السيارة الصامتة يكرر جملة بلغة أجنبية : Please make sure that your seat belt is securely fastenedأدخل الشاب حارس السيارات رأسه داخل مقصورة السيارة وضغط على زر التحديث فإذا بصوت رجالي مشرقي جاف ينطلق : اربط حزام السلامة من فضلك..أنا حارس للسيارات دبلوم ماستر في الأدب الإنجليزي المعاصر قصص بلاد الويلز نموذجا.لم ينطق سي عبد المولى بكلمة واحدة، وضع هاتفه ذو التفاحة في موضع الشحن اللاسلكي، وضع الورقة النقدية الزرقاء داخل علبة صغيرة، لمس ناقل الحركة الاوطوماتيكي وانطلق كسهم مثيرا غبارا اختلط مع دخان شواء الكفتة الدسمة ولم يتوقف حتى نقطة الجمارك على الحدود البرية مع سبتة المحتلة…نسي عبد المولى سبب زيارته لبلدته التي لم يعد يذكره فيها أحد، لاوجود لأصدقاء الجيل السبعيني، وقف على ظهر الباخرة يتأمل الأفق وجبال مقدمة الريف تبتعد وتتوارى شيئا فشيئا وراء ضباب بحري خفيف…تفقد جيبه وأخذ هاتفه التفاحي ليتصل بمطعمه الإسباني ليحجز طاولة للعشاء تنسيه كفتة ودخان وحارس سيارات بلدته..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube