تايوان والصين والتصعيد الأمريكي المقصود!!
دكتور جمال آيت لعضام .
تضاربت الآراء وتزايدت التكهنات حول احتمال حدوث حرب جديدة تُكمِل مجريات الصراع الأوكراني الروسي داخل الساحة الدولية، هذه المرة جاء التصعيد الجديد المقصود من طرف البيت الأبيض الأمريكي، الذي مهد الطريق لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي “نانسي بيلوسي” لمعرفة مدى خبايا السياسة الخارجية والعسكرية الصينية تجاه حلفاء الولايات المتحدة الامريكية في شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي الذي يُعتبر حلقة ساخنة على المستويين الآسيوي والدولي .
تعد زيارة نانسي بيلوسي لتايوان إنجازا تاريخيا لأعضاء البيت الأبيض منذ عام 1997 من جهة وفوزًا استراتيجيًا لصناع القرار السياسة الخارجية الأمريكية من جهة أخرى، على الرغم من موقف الخارجية الصينية وتصعيدها للهجة التهديدات بشن عمليات عسكرية محددة الأهداف ردًا على هذه الزيارة المُستفزة باعتبارها مُنافية لسياسة الصين الواحدة على التراب التايواني، وكذلك تضييق الخناق على كل المعابر الحدودية والبحرية للجزيرة في خضم تغيير موقف الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره تدخل خارجي يُهدد الأمن الداخلي والاستقرار السيادي للوحدة الوطنية الصينية.
فقد جاءت هذه الزيارة تزامنا مع بدء المناورات العسكرية للبحرية الصينية بالقرب من مضيق تايوان، حيث قامت قوات الجيش الشعبي الصيني بتدريبات عسكرية جديدة باستخدام الذخيرة الحية ومعدات عسكرية متطورة تتمثل في جيل جديد من الأسلحة الحربية والنووية، ناهيك عن غواصات وفرقاطات عسكرية حديثة الصنع ذات قدرات دفاعية كبيرة، حيث تمتلك الصين، كما هو معلوم، أحدث وأكبر منظومة حربية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والتي يقدر عددها بأكثر من ٧٠٠ قطعة بحرية تضم ٤٦ فرقاطة و١٠ غواصات حربية ذات رؤوس نووية، والتي من شأنها أن تُغير من موازين القوى البحرية والعسكرية على المستوى الدولي.
وقد سارعت الحكومة الصينية، ردًا على استفزازات إدارة الرئيس بايدن والدبلوماسية الأمريكية تجاه دعم تايبيه التايوانية، بالضغط على تايوان من خلال وقف جميع أشكال التعاون التجاري والاقتصادي، وكذلك تجميد كافة معاملات الاستيراد الخارجي الصيني الذي يُعد ورقة نقدية لنمو الاقتصاد التايواني، بدعوى زيارة جديدة لوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى إلى تايوان بعد زيارة بيلوسي، مما أثار مخاوف وغضب كبيرين داخل الحزب الشيوعي الصيني.
كل هذه التصعيد الأمريكي المتمثل في تعدد الزيارات الدبلوماسية من طرف أعضاء البيت الأبيض والكونغرس الأميركي لتايوان، أثارت تساؤلا حول هدف الخارجية الأمريكية من إرسال كبار مسؤولي الدفاع ومستشاري الأمن القومي الأمريكي السابقين إلى تايبيه….هل هو بالفعل تخوف أمريكي من التوسع الصيني بمنطقة شمال شرق آسيا وخصوصًا بالقرب من مضيق تايوان؟
هذا التساؤل السابق الذكر، يؤكد فعلًا على أن دبلوماسية بايدن استشعرت بوادر من تكرار سيناريو الحرب الأوكرانية الروسية من قضية تايوان، بحيث بات صناع القرار الأميركي يتنبؤون ويتوقعون بأن هناك إشارات ونية خفية من الجانب الصيني لضم جزيرة تايوان لأراضيها مثلما فعلت روسيا مع أوكرانيا، وهذا يعود إلى فشل المفاوضات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بشأن دعمها لتايوان واعتبارها دولة مستقلة عن السيادة الصينية، وهذا يتعارض مع ما تؤكده الدبلوماسية الصينية باستمرار على أن إقليم تايوان أرض لا يتجزأ من السيادة الوحدوية الصينية، وعلى إدارة بايدن أن تتعامل مع قضية تايوان بعدم انحياز، بما لا يعكر صفو العلاقات الصينية-الأمريكية إلى ما لا يُحمد عقباه.
وبالنظر إلى مجريات الأحداث العالمية حاليا يمكن القول، مما لا يدعو مجال للشك، أن هناك تشابها وترابطا بين الأزمتين؛ فالأزمة الأولى الأوكرانية-الروسية والتي انتهت بشن الحرب على أوكرانيا، تعددت حيثياتها ومخرجاتها الجيوسياسية والاستراتيجية، الأمر الذي دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدخول أوكرانيا والسبب هو رفض الجانب الروسي انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو بهدف حماية مصالحه وأمنه القومي وحدوده من أي توسع غربي، والأزمة الثانية تتمثل بإصرار الحزب الشيوعي الصيني على إبعاد التحالف الأمريكي والناتو عن دول شرق آسيا التي تتزعمها القوات الأمريكية داخل محيطها الإقليمي وخصوصًا بحر الصين الجنوبي، إذن، أوجه التشابه تكمن في رفض استمرار هيمنة نظام عالمي أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومحاولة تغييره بنظام عالمي جديد قِوامه التعددية القطبية تتزعمه كل من روسيا والصين.
وبالتالي يمكن القول، إن ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري الصيني الأخير بالقرب من الحدود التايوانية، تُوحي بأن هناك نية مسبقة لغزو مباشر لمضيق تايوان، والدليل على ذلك هو التكثيف من المناورات العسكرية والبحرية باستخدام الذخيرة الحية، لتستبق الدبلوماسية الأمريكية الزمن بزيارات ميدانية مكثفة من قبل أعضاء الكونغرس رفيعي المستوى إلى تايوان لطمأنة الحكومة التايوانية وشعبها وتعهُدها بالدفاع عنها في حال أي هجوم محتمل من قبل بكين، حيث استطاعت أمريكا خلال السنوات الأخيرة إرساء سياسات عسكرية ودفاعية أكثر تطورا تعزيزًا لمكانتها الحربية مع دول جنوب شرق آسيا، مستفيدة من نسج علاقات استراتيجية دفاعية مع دول المحيطين الهندي والهادي وبناء تحالفات أمنية وعسكرية تسمى ب”الكواد” مع كل من استراليا، اليابان والهند، كل هذه الاستعدادات الاستراتيجية الدفاعية والأمنية كان هدفها تضييق الخناق على عسكرة الصين في بحر الصين الجنوبي وإضعاف هيمنتها الإقليمية بالمنطقة.
وعليه، لتفادي الصراع العسكري المحتمل والحفاظ على الوضع الحالي في خضم ما تعرفه الساحة السياسية الدولية من تقلبات تصعيدية، يمكن حصر هذه المناوشات السياسية بين بكين وواشنطن في عدة اعتبارات محورية أهمها:
١- حاليا، استبعاد فرضية مهاجمة بكين لتايوان عسكريًا، رغم استفزازات واشنطن المتكررة التي تسعى من خلالها إرسال رسائل مشفرة إلى الصين بشأن قدرتها على حماية حلفائها من الهيمنة الصينية، وبالتالي اكتفاء الصين بالتعبئة العسكرية لتغيير المواقف الأمريكية الدبلوماسية والخارجية تجاه قضية تايوان .
٢- مُراهنة أمريكا على عدم تغيير الوضع الحالي في تايوان مع الصين بحيث سيكون الوضع مكلفا اقتصاديًا وعسكريًا، لأن هدف واشنطن هو إبقاء تواجدها العسكري في منطقة شرق آسيا من أجل تحقيق دوام هيمنتها الإقليمية.
٣- في حال فشل واشنطن حماية تايوان من الغزو الصيني، فإن بكين سوف تتمكن من فرض سيطرتها على تايوان وتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية على باقي دول جنوب شرق آسيا مؤكدة على مدى ضعف مصداقية الجانب الأميركي تجاه حلفائه الآسيويين، وبالتالي سيكون مصير القطبية الأحادية في مهب الريح.
٤- عزم بكين على استعادة تايوان إلى أراضيها سواء سلميًا أو عسكريا، بحيث يعد ضم تايوان للصين قضية قومية ومصيرية لتعزيز قوة الصين الاقتصادية دوليًا، وتثمين موقفها الثابت لمبدأ الصين الواحدة.
ختامًا، ينبغي على إدارة بايدن ودبلوماسيتها أن تدرك مدى خطورة هذه الاستفزازات الخارجية المستمرة واستخدام تايوان كورقة ضغط ضد الصين، حيث تعيق هذه الاستفزازات المقصودة المصالح المشتركة الجيوسياسية والاستراتيجية لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية في خضم ما تعرفه الساحة الدولية من مخرجات وتقلبات سياسية توحي بنهاية نظام أحادي القطب إلى آخر متعدد الأقطاب.
الاسم الكامل : دكتور جمال آيت لعضام .
أستاذ العلاقات الدولية و السياسة الخارجية الصينية بجامعة جلين الصين .