ثقافة وفنون

*حبابو ..النقل المدرسي التقليدي*

ذ عبد السلام مستاكو شفشاون

حبابو ..النقل المدرسي التقليدي

لم تكن السيدة فطمة أو “حبابو فطمة” امراة تشبه نساء الحي العتيق، تعب السنين لم ينل من هيبتها وقوة شخصيتها بين معارفها، تقتحم عوالم الرجال من أعمال لم تسبق إليها امراة قبلها، البحث عن قوت أطفالها اليتامى لم يترك لها مجال لاختيار نوع عملها، احترفت تقريبا كل المهن، أشغال تنظيف البيوت، صباغة الجدران، تصبين البطانيات عند حلول الصيف، طبخ الولائم في الأعراس والمآتم، وحتى غسل الصوف وتنقية الحبوب عند نهاية موسم الحصاد الفلاحي…
تتغير حرفتها مع تغير فصول السنة، غير أن هذه السنة تلج حرفة جديدة وحصرية في بلدتي عند حلول بداية الموسم الدراسي.
نعم مهنة محترمة وذات أبعاد تربوية و بيداغوجية، عندما تقترح على مؤسسة للتعليم الأولي الخاص بالتكفل ب “النقل المدرسي التقليدي” للأطفال الصغار دون الخامسة وذلك بمرافقة الأطفال من منازلهم إلى المؤسسة ذهابا وإيابا صباحا ومساءا.
نعم فكرة النقل المدرسي التقليدي، بمرافقة البراعم الصغار بين أزقة و دروب بلدتي الهادئة والوديعة حتى باب مؤسسة روض الأطفال…
تبدأ حبابو فطمة جولتها الصباحية باصطحاب الأطفال مرورا بأزقة حي المدقة وبين السواقي ثم بحي السويقة والخرازين، ثم المرور بالشارع الرئيسي للبلدة يساعدها في ذلك هدوء الشارع والعدد القليل من السيارات التي تقف لتعطي الأسبقية لمرور موكب البراعم عبر ممرات الراجلين المعهودة، يساعدها في ذلك المارة من الشباب والتكفل بحماية الأطفال الصغار من مخاطر الطريق.
يسير الاطفال الصغار في طابور منظم مثنى مثنى، وتتكلف حبابو بأصغرهم سنا أو بطفل حديث العهد بالمجموعة، تراقب الموكب بحرص شديد وتحصي عدد الأطفال عند كل مفترق طرق …
تحمل عصا في يدها اليمنى لضبط كل طفل مخالف لنظام السير في نظام وانتظام…تتفاقم مسؤولية حبابو يومي السوق الأسبوعي الإثنين والخميس حيث يختلط المتسوقون مع قوافل السياح الأجانب وأطفال المدارس، تزيد من تأهبها وحرصها على حراسة البراعم في مشهد منظم ومنضبط.

تدخل حبابو باحة المؤسسة وتتنفس الصعداء على انتهاء مهمتها الصباحية بنجاح، لتتكفل بمهمة أو مهمات أخرى في انتظار نهاية الحصة الصباحية لترافق البراعم إلى منازلهم وهي لا تمل من عد الأطفال تحسبا لنقص عددي تكون عواقبه كارثية لا قدر الله….

تتفاقم مسؤولية حبابو فطمة عند يوم ممطر بارد، حيث يتوجب عليها تأمين الأطفال من الأمطار والرياح، تتفهم الأمهات الموضوع فيتغيب تقريبا كل الأطفال…

حبابو تحفظ كل أسماء الصغار و تعرف طباع كل واحد منهم…تناديهم بأسمائهم وتعاملهم كأحفاذها أو ربما أكثر من ذلك، تغير من مهمتها عندما تطلب منها احدى الأمهات توصيل صغيرها للحمام التقليدي عوض البيت فتغير مسار جولتها لتقوم بهذه المهمة الاستثنائية، في بعض الأحيان تطلب منها الأمهات إيصال الصغار لبيوت جداتهن أو حتى بيوت جيرانهم نظرا لتواجد الأم في حفلة ختان أو عرس مسائي يتنتهي قبل آذان صلاة العشاء…كل هذه المهمات مقابل أجر بسيط أو ينتهي بدعاء رحمة على الوالدين…

النقل المدرسي التقليدي مهنة انقرضت مع هجوم أسطول النقل المدرسي الأصفر و تكدس الصغار في جولات صباحية مسائية مسايرة لتطور العصور والأحداث…
تحية إجلال وتكريم لكل “حبابو” في شفشاون، تطوان، طنجة وكل المدن العتيقة.
شكرا…شكرا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube