حزبيات مغربيةمستجدات

عائشة زكرى تراسل حسناء ابو زيد

مقال : عائشة زكري
القنيطرة 22/12/2021
العنوان : إلي الأخت حسناء

مهلا أختي حسناء تعرفتك عليك بالأمس القريب داخل حزبنا ،حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وبالضبط سنة 2010 خلال الاستعداد للمؤتمر الوطني السادس للنساء الاتحاديات ،واستغربت من سرعة اندماجك بين صفوف المناضلات والمناضلين ، ولا أخفي عنك سرا إن قلت لك بأنني ساعتها أعجبت بفصاحتك اللغوية وبطلاقة لسانك وقوة شخصيتك ، لكنني في نفس الوقت استغربت للسرعة الكبيرة التي تسلقت بها الأجهزة الحزبية ابتداء من الكتابة الوطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء إلى المكتب السياسي دون المرور بالفرع أو الكتابة الإقليمية ، ثم صعودك دفعة واحدة إلى قبة البرلمان.
و ساعتها أخدت أتأمل في هذا البروز اللامع ، خاصة بعد تسليط الضوء عليك من طرف الصحافة المرئية والالكترونية وغيرها ، ولم يخطر ببالي آنذاك التساؤل عن الأسباب المؤدية إلى هذا الأمر لأنني انشغلت بالتفكير والتتبع للوضع البشع الذي خلقه الإسلاميون الذين وصلوا إلى الحكم وأشاعوا الفساد الأخلاقي والسياسي في البلاد ،و عملوا على التراجع عن المكتسبات التي ناضل الحزب ومجموع الشعب المغربي من أجل الوصول إليها .
لكن ما استوقفني بحدة هو تلك الخرجة التي قمت بها في المؤتمر الوطني العاشر للحزب ، غير أن غيابك الكلي عن الحزب فيما بعد، جعلني أنسى كل هذا الأمر، وأطوي صفحة امرأة مرت من هنا وانصرفت .
لكن ظهورك من جديد مع بداية الاستعداد للمؤتمر الوطني الحادي عشر ،وإقبالك على وضع ترشيحك للكتابة الأولى للحزب بواسطة المفوض القضائي ، ثم تسجيلك دعوة قضائية ضد المجلس الوطني إثر إنجازه لمشاريع أوراق المؤتمر ، جعلني أتوقف قليلا كي أتأمل في هذه الظاهرة الغريبة عن مسار تاريخ حزبنا العتيد .
فمهلا أختي ثم مهلا ، ألم يسبقك، داخل الحزب ،نساء مناضلات صادقات خلوقات خدومات ؟ نساء أفنين عمرهن في النضال وبصمن تاريخ الحزب بآثار خالدة .
انتظري أختي ، سأذكرك ببعضهن فقط لان القائمة طويلة ،إن كنت تجهلينهن أو تتجاهلينهن، فماذا تقولين مثلا عن الأخت فاطمة بلمودن والأخت أمينة أوشلح والاخت نزهة الشقروني والاخت عائشة بلعربي العلوي وغيرهن ؟
أختي إنك بهذا تدوسين على كرامة هؤلئك النساء وتنقصين من قيمتهن وتبخسين من نضالاتهن، فعاش من عرف قدره ، وحدد موقعه ، وقيم مساره . إنها جرأة كبيرة وغير معهودة بهذا الشكل وبهذه الحدة ولكن في مجال السلب وليس في مجال الإيجاب .
من هنا أذكرك أختي بثلاثة أشياء أولها : إن عمرك داخل الحزب أقصر من حبل الوريد .
وثانيها: أن الفصاحة اللغوية والقدرة على الخطاب المنمق ليست أبدا معيارا للكفاءة السياسية .

  • وثالثها ، إن اللحاف الصحراوي الذي ترتدينه هو مجرد رداء ولا يمكن أن يعتمد أبدا كعلامة للتميز، فكلنا مغاربة سواء انتمينا إلى جنوب المغرب أو إلى شماله وسواء ارتدينا هذا اللباس أو ذاك .
  • ورابعها أن ارتباطك الأسري بموظف من وزارة الداخلية ليس أبدا أداة للاستقواء والتغول و حصانة من أجل تبوء صدارة الحزب .
    إن الجرأة المطلوبة هي تلك التي تبرز في المواقف الشجاعة من أجل البناء وليس من أجل الهدم ،إنها تلك التي تبرز في مواجهة خصوم التشتيت والتفرقة، وفي السعي نحو ترسيخ قيم الحداثة ، والكرامة، والمساواة ،وغيرها من القيم التي نسعى إلى تحقيقها لبناء المجتمع الحداثي الذي نحلم به .
    أختي العزيزة أقول لك أولا وأخيرا وبكامل الصراحة أنت لا تملكين رصيدا نضاليا يمكن أن يؤهلك لتبوء الكتابة الأولى للحزب .
    أختي ، كنت أنتظر منك ، حينما ابتعدت عن الحزب ، تأسيس جمعية للدفاع عن النساء الصحراويات المحتجزات في تندوف مثلا ، أو جمعية لإنقاذ الأطفال الصحراويين الذين يتم اختطافهم وتجنيدهم والدفع بهم إلى حلبة الصراع في خرق سافر لحقوق الطفل وحقوق الانسان بصفة عامة . إن هذا عمل حقوقي نبيل و يدخل في إطار الدود عن الوطن والمواطنين .
    وأخيرا أقول لك ومن باب الإخبار والتوضيح فقط ، فأنا مثلا انتميت لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1976 ،بعد المرور بمرحلة التعاطف خلال سنوات الدراسة الجامعية ، وكنت أناضل بنوع من التصوف لأنني لم أكن أتسابق للتموقع داخل الأجهزة الجزبية المختلفة ، بل كان يكفيني أن أكون عضوا في الخلية ، سواء خلية الحي أو خلية العمل ، ولم أصبح عضوا في مكتب الفرع إلا سنة 1992، أي بعد مرور 17سنة من النضال الحضوري والفعال، ثم بعد ذلك أصبحت عضوا في الكتابة الإقليمية ،وبعدها عضوا في الكتابة الجهوية ثم اللجنة الإدارية والمجلس الوطني ، ولحد الآن لم أصبح عضوا في المكتب السياسي ولا ولجت قدماي قبة البرلمان .فما الفرق بيننا إذن ؟ فأنا خريجة الجامعة أيضا ، و أنا أول فتاة تخرجت من شعبة الفلسفة بجهة الغرب بالمغرب في بداية السبعينات ، ومن أسرة مناضلة فوالدتي رحمها الله كانت حاصلة على بطاقة العضوية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1961 وبطاقة نقابة الاتحاد المغربي للشغل في نفس الفترة .
    ثم إن انتمائي كان عن قناعة و عن دراسة مستفيضة لإيديولوجية الحزب .فلقد درست الماركسية من ألفها إلى يائها على يد خيرة الأساتذة الجامعيين بكلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط ،وأذكر من بينهم الأستاذة زبيدة بورحيل ،كما أطرني على مستوى التفكير و التحليل الفلسفي أستاذي الجليل المرحوم محمد عابد الجابري والذي درست على يده طوال سنوات الإجازة الأربعة ، بالإضافة إلى سنوات دبلوم الدراسات المعمقة للسلك الثالث. زيادة على هذا فإن المسافة التي تفصل مقر الحزب عن منزل العائلة لا تتعدى 400 متر حيث كان المقر ولا زال هو منزلي الثاني أتواجد فيه يوميا بعد الساعة السادسة مساء .هكذا عشت داخل الاتحاد طوال 45 سنة وما زلت ، وكلها سنوات النضال المستر فعلا وممارسة وبدون طمع في أي امتياز . وأتحدى أي فرد أن تلج قدماه باب مدينة القنيطرة و يسأل عن المرأة اتحادية إن لم يدلوه على اسم عائشة .
    وإذا كنت تريدين المزيد أدلك على كتابي “مسار حياة بين الأمل الضائع والألم الثابت ” وهو عبارة عن سيرة ذاتية تحكي مسيرة حياة شاقة من خلال الصراع داخل معركة الحياة ، صراع واجهت فيه صعوبة الحياة نظرا لظروف اليتم المبكر والحاجة من جهة ،وصعوبات الوضع السياسي للبلاد خلال سنوات الرصاص من جهة ثانية . ويكفي أن أذكر هنا سنة 1964 المشؤومة حيث غادر أخي ومجموعة من شباب الحي المغرب في اتجاه الجزائر إثر القمع الشرس الذي طال كل من له علاقة قريبة أو بعيدة بالحزب في هذه الفترة ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ).
    هذا هو النضال الذي تربيت عليه ومارسته ،وشعاري كان دائما “من أجل وحدة الحزب ومن أجل الوطن “، فمهلا ثم مهلا ، إن الحزب ليس مؤسسة للترقي ،بقدر ما هو مؤسسة للنضال المستميت لما فيه خير المواطنين والمواطنات وخاصة المستضعفين منهم ومنهن .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube