كلمات ارسلها المناضل المباركي بعد مشاهدته اللقاء البارحة و حسرة عمر بلقاسم اثرت في الكل
من إصرار فاطمة تشرق الشمس من جديد
و يرقص القمر من جديد
في حدائق التحدي
خفافيش السلطان تحاصر فاطمة
فتنتفض بركانا صامتا،
في وجه الطغيان
و هي تحمل بين دراعيها
عشر براعيم من نور الأمل
فوق رأسها الشامخ
تربع عرش الحرية
ادرف الدمع الزكي يا عمر
فعلى مثل فاطمة يبكي الأحرار
ليل الهوان مهما طال قصير
و صبح الحقيقة طالع نظير
صارت المعاناة ، و صار الاختطاف أمرا واقعا في حياة فاطمة ،فتوقفت حياتها العادية ،لتتحول فجاءة الى حياة لا يسهل الحديث عنها :
اولا : كزوجة للمختطف بلقاسم وزان ، حيث عانت ، و قاست من جراء اعتقاله ، و اختطافه ، مما جعل حياة فاطمة تتحول منذ 17 ابريل 1973الى حياة تاءرجحت بين المعاناة ،و مسوءوليات متعددة ، وصدمات متكررة ، ،و خيبات امل كثيرة ،،،،و تخللتها هواجس الإحساس بالضياع ، ولكن كانت حبلى ايضا بالوفاء و الصمود و الامل ،،،
ثانيا : كأم و معيل لأولادها العشرة في انتظار عودة مرتقبة لبلقاسم الذي طال تغييبه ، بعدما لم تكن من قبل تتجاوز ملامح حياتها تدبير شوءون البيت و تربية الأبناء ،،،،،،
وجدت فاطمة نفسها فجاءة في عالم غريب على وجودها ، عالم مجهول فرض عليها ،،،حياة جديدة لا عهد لها بها ، كادت فاطمة ان تصاب معها بالجنون ، ،،الم فاطمة ما ال اليه مصير زوجها ، و إلحاح الأولاد في السوءال عن غياب الأب ،فظلت تءن وحيدة في صمت كعادتها شوقا لعودة بلقاسم حيّا او ميتا ، و حرصا منها لتجنيب الأولاد أسباب الضياع ،، و سعيا لحمايتهم من تبعات اعتقال و اختطاف والدهم ، ، ،،،،،،لكن توفير لقمة العيش للأولاد لم يمهل فاطمة حتى تجاوز صدمتها ، ويهدء روعها ،مسوءولية جديدة فرضت على فاطمة ، و هما يوميا ينضاف الى ما صار ، ، ينغص خاطرها ،بعد اعتقال و اختطاف معيلها ، فأصبحت بلا حول ولا قوة ،،لا سيما ان عيون السلطة ، واعوانها استهدفت كل من يحاول ان يمد يد المساعدة لفاطمة ،و يواسي اولادها ،اذ اصبح العبيء ثقيلا على فاطمة ، تراكمت الديون عليها ، وكبرت مصاريف الأولاد ، و اعيتها حيل السلف ،لتضطر الى قبول توقڤ بعض ابناءها عن الدراسة لتشتغل البنات معها في النسيج ، و الأولاد في الفلاحة او البناء،،،،،انهكت فاطمة نفسها، واجهدت جسدها في نسج الملابس الصوفية بمعيّة بنتيها، لتوفر العيش الكريم لأولادها مما اثر كثيرا على صحة و معنويات فاطمة ،،،،،
اصبح منزل فاطمة مطوقا من قبل جنود مدججين بالسلاح ، تفننوا في تفتيش متكرر للدار ،تم. خلاله العبث بما امتلكه بلقاسم و فاطمة من ملبس و فراش و موءونة و وثائق ،. ولم يسلم منها حتى علف البهائم ،. ،،خلفت هذه الممارسات اراجيف. فاطمة ، و زادت حيرتها ، و اثار تصرف العساكر ذعر الأطفال ، وعمق فزعهم ،،،
تحكي فاطمة عن هذه اللحظات : ( لا اعرف كيف بقيت واقفة ، دون ان انهار امام أولائك الجنود ، المقتحمين للدار مرارا ، و بدون إذن ، ،،،صيحاتهم مرعبة ، نظراتهم شريرة ، و تهديداتهم مفزعة ، كانوا في كل مرة يحاصرون المنزل ، و بسرعة يصعد بعضهم الى السطح ، و بعضهم ينتشرون في ارجاء الدار ،و بعدها يشرع البعض الاخر منهم في كل مرة في التفتيش ، ،،،،،،و حينها انزوي انا ،و أطفالي خلفي الى احد أركان الدار ، و الرعب و الدهشة يقطعان احشاءنا ،)….
استنطق العسكر فاطمة ،،،عقب كل اقتحام ، و تفتيش ، طوقوها بكثير من الأسئلة ، لم تستوعب منها شيءا ، ،،لتدرك فيما بعد ان العسكر كانوا يبحثون عن احد أقارب بلقاسم ، و هي التهمة التي توبع بها ، و حوكم على غرارها بالبراءة،،،،،،،،،،،صدمت فاطمة بسبب اعتقال بلقاسم ،،و زادت معاناتها مع استمرار احتجازه بدعوى التحقيق معه،،،غير ان نقله فجاءة الى وجهة مجهولة اثار هواجس الخوف لدى فاطمة ،،،،،،كبرت شكوكها مما يراد لبلقاسم من مصير مجهول ،لتتاءكد منذءذ ان تبعات الموءامرة ضد بلقاسم ستكون أطول زمنا ،،و اقسى معاناة،،و اعنف وقعا على حياتها ، و على مستقبل ابناءهما ،
ينقبض قلب فاطمة كلما تذكرت هذه اللحظات ، و تتاءوه وحيدة في دواخلها ، مما يزيد اكثر من وجعنا نحن ،، و وجعها هي في صمت ،،،،اذ تكتسيها مشاعر غامضة تتاءرجح بين الالم و الخوف ،و الحيرة من جهة ،،،و بين الثبات و الفخر و التحدي ،،،تحاصرها اسءلة كثيرة و حارقة أرهقت قلب فاطمة قبل عقلها ، و استفزت مخيلتها ،،فلم تجد المواساة الا في احتضان اطفالها لحمايتهم ،،،و العزاء في حرقة دمعها الذارف خفية من عينيها في صمت مطبق ،،،اخرست اراجيف تلك اللحظات في فاطمة كل قدرة للتعبير بالكلام ، فنطق صمتها ، و عبر عن كبرياءها و صمودها ،،،دون ان تبدي ضعفها ،،،،،،،تحكي فاطمة : ( لقد احتجت حضور بلقاسم ، وبشدة ، في معظم المناسبات ، لا سيما عندما كان الأولاد في عمر الطفولة ، و المدرسة ،، احتجته في كل تفاصيل حياتهم ، و تربيتهم ، ،،،،مرت الأيام علي و على الأولاد رتيبة ، و قاسية ، ،،و الأعياد مريرة حيث احتاج الأولاد للارتماء في حضن الأب ، يمازحهم و يضحك معهم ، يهنوءهم نجاحاتهم في مدارسهم ،،،،،،،
أعيش غياب بلقاسم بكل تفاصيله ، ولا زلت اشعر بثقل الغياب في دواخلي ، و أراه في سلوك الأولاد و مشاعرهم ، و اتذكر الضيق الذي عاشوه خلال سنوات حياتهم المليئة بتجارب ناجحة و فاشلة ، حينها كان الأولاد بحاجة لاستشارة ابيهم في كثير من الأمور ، و كانوا في حاجة الى رعايته ، ،مثلما كانوا احوج الى وجوده ، و حضوره عند نجاحاتهم ، و زفافهم ليحتفل معهم ، و بهم ،،،،،،
كانت حقا ، لحظات عصيبة للغاية لي ، و لهم ،،و حتما لبلقاسم ايضا ،،،فكان العزاء لي ، و المواساة للأولاد دموع الحزن في المناسبات و الحفلات ،،اختلطت و امتزجت بدموع الفرح ،،،و كنت احاول ما استطعت مشاركتهم فرحهم ،،و اخفاء حزني عنهم ،،فكانت تلك محاولة خداع متبادلة بيني و بينهم لحمايتي و حمايتهم ، و غالبا ما كان الواحد منا يختلي بنفسه ، فيستسلم للدموع ،،،،،،،،
معاناتنا لم تقتصر على ما لحق بِنَا من عذاب ، و لم تتوقف عند تغييب بلقاسم ، بل تجاوزتها الى حرماننا من قبر بلقاسم ، و رفاة بلقاسم ، ،،و الحقيقة ، كل الحقيقة رغم مرارتها لما جرى لبلقاسم ،،،،،
انها رحلة مريرة و طويلة ، لم تنته بعد ، لم تخلو من إذلالنا ، و احتقارنا ، والانتقام منا و من بلقاسم ، ،،اقتحامات متكررة ، و تفتيش كل مرة ،،يصاحبه تحقيق و تخويف و تهديد ،،،انتظار رهيب للخبر اليقين عن ما ال اليه مصير بلقاسم ، و عن مكان احتجازه ،،قابله تلكوء و تملص و مغالطات الدولة و اجهزة تورطت في اختطاف بلقاسم ، و تسببت في معاناتنا ، حيث حرصت اولا على تبخيس قضية و محنة بلقاسم رهن الاختطاف ، و هدفت ثانيا الى التقليل من معاناتنا و طول مدة عذاباتنا ، فبلقاسم تمت تصفيته عمدا داخل معتقلات سرية ، في الوقت الذي تستعجل موءسسات حقوقية طمس الجريمة ، وقبر القضية ،،،،
قضية براءة بلقاسم ،، و اختطاف بلقاسم ، جعلتنا نتسلح بالامل ،و ننتظر عودة أكيدة لبلقاسم حيّا او ميتا ، مهما كلّف ذلك من تضحيات ،،و منحني و أولادي الكثير من القوة و العزيمة للاستمرار في الحياة ، و النضال من اجل تحقيق الحقيقة و الحرية و الكرامة و العدالة.،،،،،،لبلقاسم ،،، و رد الاعتبار لي و لأولادي ،
منحت حياتي بالكامل لأولادي ، ولقضية بلقاسم ، فانخرطت منذ اعتقاله و اختطافه في مسيرة البحث عن ما ال اليه مصيره ،، و تعرضت مرارا جراء ذلك للاعتقال و الاستنطاق و الاستفزاز و التهديد ،،،لتتوالى الاستدعاءات في كل مرة من قبل الشرطة و الاستخبارات ،،،لقد هدفوا الى اسكات صوتي ، و كسر عزيمتي ، و النيل من ارادتي ، و منعي من فضح ما يراد لزوجي من مصير مجهول ،،فينتهي بي الامر الى نسيان بلقاسم يموت في غياهب معتقلات سرية ، ،،،،،،،،،،لم اضعف يوما ،،و لن أفرط ابدا ،،،،،
استطعت ان إربي أطفالي على مكارم الأخلاق ، و سهرت على تعليمهم ، و حمايتهم من الضياع ،كما حرصت على حضور داءم بيننا لبلقاسم المغيب قسرا ، فجعلت منه حاضرا و حيّا في كل شيء قد يرمز اليه ، مهما كان صغيرا ، او لم يسبق ان كان له معنى قبل غيابه ، ،،،اتخذت من أولادي شهودا يذكرون ،، و يذكرون ان بلقاسم كان معنا و مازال حيّا في ارواح ابناءه ،،،وهم بكل تاءكيد سيشهدون ان الظلم الذي طال أباهم ،،و الوزر الثقيل الذي تحملته والدتهم منذ ما يقارب عن نصف قرن ،وصية لا تنازل عنها ،،،،،،،،،،)
تخلى الجميع عن فاطمة و اطفالها حين اعتقل بلقاسم و اختطف ، درءا للشبهة ، و خشية من عيون اعوان السلطة التي حاصرت الدار ليل نهار ،،فتحاشى الكل لقاء العاءلة ،،و زيارة الدار خوفا من لقاء نفس مصير بلقاسم ، اذ قلت زيارات الأهل ، و خفت إطلالات الأحباب ، و منع حتى الجيران من إلكلام و السلام علينا ،،،انقطع السوءال عن احوالنا الا من قلة من الأهل والاصحاب جازفوا ، و واظبوا على زيارة العاءلة ، و ازروها ، و ساعدوها قدر المستطاع ، رفعوا من معنويات فاطمة و اطفالها ، ولهوءلاء نبقى للأبد مدينين لهم بالعرفان و الاحترام. ، و التقدير والامتنان ،،،،،،،نتذكرهم كما نتذكر والدنا بلقاسم ،
تلاحقت السنوات ٫ فوعت فاطمة ان قوتها في براءة زوجها ،،و عدالة قضيته ،،،فلهفت بحرقة لمعرفة ما ال اليه مصير زوجها ،، عضت فاطمة على الحلم و الامل ،فانخرطت في مسيرة البحث عن الحقيقة ،،،وعن هذا التحول تحكي فاطمة : ( هجرت خوفي ، و رميت حزني ، و أعلنت في نفسي ميلاد فاطمة المناضلة ، شرعت احكي عن بعض ما تعرضت له و زوجي من الظلم ، و بداءت في فضح ما يراد من مصير مجهول لزوجي ، ،،،،سارعت مبكرا ،مع ابني البكر ، الى التنقل الى الرباط لعل المسوءولين هناك في الوزارات ،ينقذون بلقاسم قبل فوات الاوان ، عرفت و أولادي بقضية اختطاف بلقاسم داخل الوطن و خارجه،،ارتفعت معنوياتي اكثر منذ ان نسج أولادي علاقات مع عاءلات لهن أهل معتقلون سياسيون ،او منفيون ، او مختطفون ،، ، تواصلت مع امهات لهن تجارب مع المحن ، و الظلم ، والمعاناة ، و التفتيش ، و التحقيق ، ،،ولهن ايضا تجارب مع الصمود و النضال من اجل الكشف عن الحقيقة عن ذويهن،
التقيتهن ،،و عانقتهن ،،تلاحمت المعاناة ، فصارت العاءلة عاءلات ،،و تحولت الام العاءلة الى الام جماعية ،،انتابني منذءذ امل ،، وإحساس بالفخر ،،،و شعرت بدواخلي عزيمة و قوة ،،)
اعتصمت فاطمة ،،،،،و أضربت عن الطعام ،
تظاهرت في الشوارع،
صدحت اخيراً بحنجرتها ،التي ظلت طويلا صامتة ، بشعارات الادانة و الوفاء ،
شاركت في وقفات امام مراكز الاحتجاز ، و التعذيب و الاختطاف ،
حضرت في المهرجانات ، و شاركت في موءتمرات وطنيا و دوليا ،
سافرت في قوافل الحقيقة ،
هزمت فاطمة الزمن رغم قسوته عليها ،فتحايلت على الصدمات المتتالية ، و ناورت ماسي وشمت على وجهها تجاعيد توحي الى معاناة مزقت أحشاءها ، و انهكت جسدها ، لكن فاطمة وطءت على ما اصابها من المحن و العلل التي اثرت على صحتها ، فأبت ان لا يقعدها المرض ،،،فظلت واقفة تواجه معاناتها و معاناة اولادها ، و كلها امل في معرفة مصير زوجها كعادتها في صمت و شموخ ،،،
لقد كانت فاطمة صوت بلقاسم المقموع ،و بذلت بعفوية و تواضع كل الجهد اولا لتربية الأولاد و تعليمهم ، مثلما حملت قضية بلقاسم ، و براءته راية لحرية مرتقبة ، لكن طال الانتظار ، فصارت فاطمة رمزا للزوجة ، و الام ، و الأب ، و الابن ، و الابنة ، و الأخ ، و الأخت ،،،،،،،،،،و العاءلة التي طال انتظارها لذويها ،فلم تضعف ، ولم تياءس ،،بل تحملت اكثر ، و صمدت اكثر ،،و اثبتت ان الحقيقة ، كل الحقيقة لكل المختطفين ، وصية ، و واجب ، من اجل رد الاعتبار للضحايا ، و للعاءلات ، و تحقيق الكرامة للشعب و الوطن ،،،،ولذلك يا أماه ، يا بلقاسم نحن على العهد باقون .