ثقافة وفنونمستجدات

كلمة في حق الفيلسوف حسن حنفي: وداعا فيلسوفنا ومفكرنا الكبير

بقلم: عزيز لزرق

قرأت بالأمس خبر وفاة المفكر حسن حنفي، لكي تستيقظ بداخلي مشاعر يختلط فيها الإحساس بالفقدان والخسارة والتحسر، و أيضا الإحساس بالحنين و متعة المعرفة و عمق وجمال التجربة الإنسانية. كان لي شرف حضور دروس الأستاذ حسن حنفي، إذ كان أستاذي لسنتين متتاليتين، حيث درسني الفلسفة الحديثة والفلسفة المعاصرة. كنت منبهرا بذاكرة الأستاذ، وقدرته على حفظ النصوص الفلسفية و الاستشهاد بمرجعيتها و صفحاتها، و كنت أتلهى خارج حصص الدروس بمحاولة التأكد من صدقية النص و المرجع والصفحة (أو لعلها رغبة دفينة في تصيد خطأ الأستاذ )، لكن في كل مرة ازداد انبهارا بذاكرته الفذة، لا سيما وأنه كان يدرسنا بدون أن يحمل معه أية ورقة أو كتاب، ماعدا عدة الطباشير المفقودة. بل أكد لي أحد الزملاء الذين زاروا بيته بفاس (لأنه كان أستاذا زائرا)، أنه لا توجد في البيت مكتبة، وأنه زائر يحمل في حقائب ذاكرته ما لذو طاب من ذخائر المعرفة. كنت أغبطه على ذلك، وكان يتقوى بداخلي ضآلة ما أعرفه وبالمقابل تزداد في أعيني الرغبة في التحليق أكثر في أفق سماوات المعرفة. – كنت معجبا كثيرا ببيداغوجية الأستاذ في علاقته بالطلبة، فهو ينصت كثيرا لتدخلاتهم و أسئلتهم و نعوتهم الجاهزة لكل أشكال الفكر “المثالي” و لكل مظاهر “الرجعية”، وكانت هذه النعوت أحيانا توجه لشخصه، كنت أخجل من ذلك، لكنه كان يخجلني أكثر بتقبلها بصدر رحب، و بايتسامة فرحة بهكذا جرأة و إصرار على التغيير، لم يكن يغضب أو يحقد على الطلبة، لم تكن تستهويه ممارسة السلطة، البيداغوجية أو المعرفية أو التقويمية، كان يتقن فن “الحسنى” ( la Bienveillance ) و يستمرئ اندفاع الفكرة و حماس العبارة لدى الطلبة الشباب. بل كان يتقبل بأريحية عملية اقتحام قاعة المحاضرة، و تلبية نداء النضال الجامعي، بل كثيرا ما كنا نعاين تتبعه للتظاهرات الطلابية في الممرات المطلة على الساحة. أين نحن الآن في جامعتنا، هل لزال الهاجس حقا هو ترسيخ قيم المعرفة على اعتبار أن الأساتذة هم أصلا يحملون أسئلتهم الكبرى؟ أين نحن من هكذا علاقة تربوية بين الأستاذ و الطالب، تؤسس للحق في تجريب عوالم الموقف والخوض في تلابيب الفكر، بعيدا عن إرساء علاقة ” الشيخ بالمريد”…. وداعا أستاذي الجليل حسن حنفي، شكرا لمرورك ضيفا في مساري الدراسي، وشكرا لأنك بقيت طيفا يرافقني في ممارستي التدريسية، وعزاؤنا جميعا في فقدان مفكر أصيل، وفي تآكل صواري الجامعة، وفي انكماش الفكر الطلابي وضيق أفقه المعرفي والإنساني….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube