مستجداتمقالات الرأي

إلى قيصر فرنسا…من مواطن مغربي

بقلم: عمر بنشقرون
عضو مرصد اطلنتيس الدولي للسلام والدبلوماسية الموازية

إلى السيد رئيس الجمهورية الفرنسية.

اسمحوا لي ، سيدي الرئيس ، أن ألفت انتباهكم إلى بعض المبادئ الأساسية، التي يبدو أنك لم تأخذها بعين الاعتبار في استراتيجيات سياستك الخارجية في إفريقيا.

  • أولاً: وقبل كل شيء، يتعلق الأمر بمبدأ الصراحة. فهي أفضل دبلوماسية، لأنها بلا شك لا تضر بالآخر.
    نعم، سيدي الرئيس، يجب أن تكون فرنسا صريحة وشجاعة في قول الحقيقة، الحقيقة كاملة دون غموض. لقد كتب التاريخ أن فرنسا وضعت بلدي الحبيب تحت الحماية لأكثر من 44 سنة بأهداف محددة للغاية يعرفها الجميع اليوم. لكن أمام قسوة وغرور أسلافكم خلال هذه الفترة، نهبت فرنسا جزءًا من أراضي بلدي وضمتها إلى الجزائر بهدف استغلالها.
    لذلك فإن باريس مدينة اليوم بطبيعة الحال لمملكتي الشريفة باستعادة ما عليها. كما أنها مدينة بالتستر على تاريخ هذه المنطقة و ترك دولتين متجاورتين تعيشان في تيهان منذ استقلالهما. فما كان عليك فعله إلا نشر أرشيفاتك التاريخية و مصارحة الشعبين لإثبات أن الصحراء مغربية وأن بشار وتندوف أصلا مغربيتان. السيد الرئيس، المغرب اليوم بلد يتحدث الفرنسية بالطبع، لكن في مواجهة هذا التردد الفرنسي في الخروج من منطقته الرمادية، بدأ المغاربة يفقدون صبرهم و يفقدون الثقة أيضًا في إحساسهم بصداقتكم.
    ومع ذلك، لا يتعين على فرنسا الخوض في النظريات الفلسفية أو الإجتماعية أو الجيوسياسية لفهم أن خيار المغرب القوي يمكن أن يكون مفيدًا لها فقط. أولئك الذين يستمرون في الإيمان باستراتيجيات العداوات المتقاطعة من أجل الاستفادة منها مخطئون بشكل كلي. نعم، يمكن أن يؤدي ذلك، وفقًا لمنطقهم، إلى اندلاع حرب بين الطرفين، مما يسمح في النهاية، ربما، بإعادة تموضع فرنسي أفضل في البلدين. لكن قانون الحرب لسنة2021 لم يعد قانون سنة 1963 أو حتى قانون التسعينيات. فقد تغيرت الظروف وكذلك تغيرت أسلحة الدمار. هذا خطر ليس فقط على منطقة شمال إفريقيا ولكن أيضًا على أوروبا ككل. ولأن الاعتقاد بأن حرباً بين المغرب والجزائر ستؤثر فقط على هذين البلدين هو سوء تقدير استراتيجي كبير من جانبك.
    إن الأسلحة الموجودة تحت تصرف البلدين شديدة البأس. بحيث يستحيل على أوروبا تجنب التأثير والانفجارات العسكرية والمدنية على حد سواء.
  • ثانيا: مبدأ النزاهة في المواقف.
    فمن خلال اصطفافك خلف قوة غير شرعية واستبدادية تمامًا، فإنك تحرف بشكل أساسي قيم الجمهورية الفرنسية التي تعلمناها لفترة طويلة في مقرراتكم على مقاعد مدرستنا أو قراناها في كتبكم التاريخية.
    وبالتالي، خلصت استنتاجاتي كمواطن مغربي انتهى به الأمر إلى الإعتقاد بأن دروس التاريخ الفرنسي القائمة على شعار “الحرية والمساواة والأخوة” ليست سوى ادعاءات مغرضة أو بالأحرى ضاعت فعاليتها وتلاشت مع مرور الزمان، فأصبحت مجرد شعارات خادعة في نهج سياستكم اليوم.
    السيد الرئيس، يجب على فرنسا بشكل مطلق أن تصحح رؤيتها الاستراتيجية وأهدافها في إفريقيا إذا أرادت الاستمرار في ترسيخ نفسها كطرف رئيسي وفعال في تنميتها. كما للأفارقة الحق في التطور وتنمية مواردهم الخاصة و مبدأ الإنصاف يتطلب منك المشاركة بدلاً من استغلالها.
    السيد الرئيس، من أجل توضيح أهمية العلاقات بين الدول، نأخذ مثلا مدينة مراكش التي تعرفونها بالتأكيد. إنها دليل لا جدال فيه على ثمار مزيج ثقافي وفني بين بلدينا: جوهرة سياحية تمكنت من تحقيق هذه الدرجة الرفيعة من التبادل الدولي بفضل مساهمة المواطنين الفرنسيين في المغرب و شركائهم المغاربة في إحياء تقاليد الأجداد خصوصا في المجالات الثقافية والفنية.
    كذلك، نجد قوة حضور الصناعات والشركات الفرنسية الموجودة في المغرب و قوة العمالة المغربية التي سمحت بوضع المنتج الفرنسي بشكل أفضل في الأسواق المحلية والدولية.
    كل هذا يعني: إلى أي مدى يمكن للبناء الجماعي بين بلدينا أن يولد التنمية التي سيكون من الصعب تحقيقها أو التنافس معها.
    السيد الرئيس، لقد أثبت المغرب في مناسبات عديدة وبدرجات متفاوتة أنه دولة قومية ذات مبادئ واضحة وإرادة لا تنفصم يحكمها ملك حكيم من سلالة شريفة النسب تمتد إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وبالنسبة للمغاربة، فإن النظام الملكي ليس محل نقاش ولا جدال فيه. لذا فجعل المغرب ونظامه الملكي حليفك الرئيسي في إفريقيا لن يؤدي إلا إلى تعزيز مكانتك الجيوسياسية في هذه القارة شرط أن تستبدل استراتيجياتك الملتوية بمبادئ واضحة ومتوازنة.
    السيد الرئيس، تريد الكتلة الأنجلو ساكسونية اليوم الاستثمار في إفريقيا: الأمر الذي سيزعج بالتأكيد الاستراتيجيين في فرنسا. لكن في مواجهة الأمر الواقع، الوفاق و تقبل الآخر أفضل من الرفض والترهيب. السيد الرئيس، لا تحتاج على الأقل في الوقت الراهن، إلى نصيحة أكبر من هاته: من الأفضل أن توطد تحالفاتك مع المغرب وحلفائه الجدد بدلاً من السعي لمعارضتهم مع المخاطرة بخسارة كل شيء، هذا ما يتوقعه، على الأقل، المغرب منكم اليوم وهذا ما تتوقعه كذلك إفريقيا 2021 منكم. وكما أثبتت تجارب الحياة أن الصراحة والنزاهة لا تقدران بثمن. وهما صفتا العظمة الحقيقية التي يستوجب حضورها في شخصية أي زعيم و قائد دولة.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube