الجامعات الخاصة وفضيحة تفكيك التعليم العمومي: ازدواجية الخطاب السياسي في عهد العدالة والتنمية وحلفائها

في زمنٍ يُفترض فيه أن تكون الحكومات ضامنة للعدالة الاجتماعية، ومؤسسات الدولة حامية للحق في التعليم، شهد المغرب في عهد حكومة العدالة والتنمية تحولًا خطيرًا في البنية الاستراتيجية للقطاع التعليمي، على وجه الخصوص التعليم العالي. أحد أبرز رموز هذا التحول هو لحسن الداودي، وزير التعليم العالي سابقًا، الذي وقّع على قرارات الترخيص للجامعات الخاصة، فاتحًا الباب على مصراعيه أمام لوبيات المال والأعمال للاستثمار في قطاع استراتيجي وحيوي يُفترض أن تحكمه قيم المساواة والعدالة لا منطق السوق والربح.من التمكين إلى التمويه: ازدواجية الخطاب السياسيما يثير الدهشة، وربما الغضب، هو هذه الازدواجية الصارخة في الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية، الذي طالما قدّم نفسه مدافعًا عن الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة، ورافضًا خوصصة الخدمات العمومية. لكن عند وصوله إلى مراكز القرار، اتضح أن الشعارات شيء والممارسة شيء آخر. ففي الوقت الذي كان قادة الحزب يخاطبون الجماهير بخطاب محاربة الريع والفساد، كانوا خلف الأبواب المغلقة يمهّدون الأرض لخصخصة التعليم، بل وتفكيك التعليم العمومي عبر إغراقه في الأزمات البنيوية وحرمانه من الدعم الكافي و تغير مناهجه باستمرار و أشياءأخرى.ترخيص الجامعات الخاصة لم يكن مجرد إجراء إداري، بل خطوة سياسية بامتياز، انطلقت في غياب رؤية وطنية لإصلاح التعليم العمومي، وكرّست منطق التفاوت الطبقي، حيث أصبح التعليم العالي الجيد امتيازًا لمن يملك المال، فيما يُترك أبناء الطبقات الفقيرة أمام مؤسسات عمومية تفتقر إلى الجودة والإمكانيات و الرأية.البعد الحقوقي: الحق في التعليم بين النص الدستوري والواقع السياسيوفقًا للفصل 31 من الدستور المغربي، فإن الدولة مُلزمة بـتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في التعليم. غير أن ما حدث في عهد حكومة العدالة والتنمية، وحلفائها في الأغلبية، كان انحرافًا واضحًا و خطيرا عن هذا المبدأ الدستوري. فبدل تعزيز المنظومة العمومية، تم التوجه نحو تشجيع القطاع الخاص دون وضع ضوابط حقيقية، ما يجعل الحديث عن العدالة التعليمية نوعًا من العبث والتضليل.وإذا كان الدستور يكرّس المساواة، فإن السياسات العمومية المعتمدة، خاصة في التعليم، عززت الفجوة الطبقية، وخلقت واقعًا تعليميًا مزدوجًا: تعليم نخبوي خاص، وتعليم عمومي يعاني من التهميش.التضليل الحزبي: الشعبوية وسيلة للتمكين لا للتغييرلا يمكن قراءة هذا المسار دون التوقف عند ما يمكن وصفه بـ”التضليل الحزبي” الذي مارسته أحزاب الإسلام السياسي، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية. فالحزب الذي بنا رصيده الانتخابي على خطاب المظلومية والدفاع عن مصالح الشعب، انقلب على تلك المبادئ فور تسلمه مفاتيح السلطة. بل الأخطر من ذلك، أنه استخدم شعبيته لتمرير سياسات لا تحظى بأي توافق شعبي حقيقي، مستغلًا هشاشة وعي جماهيري نسبي، وثقة ناخبين لم يدركوا أن خطاب الهوية والدين يمكن أن يتحول إلى أداة لإخفاء سياسات اقتصادية ليبرالية متوحشة.و في الأخير: حتى لا ننسىقد يكون لحسن الداودي مجرد اسم في سجل سياسي أكبر، لكن قراراته تظل شاهدة على مرحلة تقاطع فيها المال بالسلطة، والدين بالمصالح، والشعارات بالواقع المؤلم. إن ما وقع في التعليم العالي مجرد نموذج واحد من نماذج متعددة لانقلاب بعض الأحزاب على وعودها، وتواطئها مع منطق السوق في مجالات يُفترض أن تظل خارج منطق الربح والخسارة.حتى لا ننسى، علينا أن نعيد قراءة تلك المرحلة، لا بروح الانتقام، بل بروح المحاسبة السياسية والأخلاقية، لأن الشعوب التي تنسى، تعيد تكرار أخطائها.
من المستحيل بناء دولة قوية و ديمقراطية و عادلة بمؤسسات و أحزاب ينخرها الفساد والإستبداد والظلم والحكرة وأشياء أخرى
عزيز الدروش محلل و فاعل سياسي
