تربية وعلوم

جبران خ جبران والشمولية الشعرية :

مصطفى الزِّيــن

صحيح أن جبران لم يكتب، في العربية، من القصائد على نظام الشطرين سوى قصيدته/ديوانه “المواكب”،سنة1918، وقصائد أخرى في “البدائع والطرائف” (بالتعريف)؛ ولكن، رغم ذلك ،اعتُبر جبران أهم الرومانسيين العرب وشعرائهم ،؛ لأنه خير من استوعب مبدأ “الشمولية الشعرية”أو “الفنية” الرومانسي، الذي يجعل مفهوم الشعر يفيض على حدود القصيدة والتجنيس، ويجعل الشعر رؤية وموقفا من العالم والحياة(ما يعني شعرنة الحياة والوجود)؛ وهكذا تمرد جبران على الحدود بين الشعر والنثر ، فكسرها ؛ وتمرد وكسر الحدود بين الأدب والشعر، من جهة، والفكر والفلسفة من جهة ثانية(قريبا من النيتشوية،أو ربما في عمقها)؛ وتمرد على اللغة ، وعلى المؤسسات (سياسيةً أو دينية أو اجتماعية..). وربما وجد في “الكتابة” في الانجليزية مجالا أسهل لكل هذا التمرد والكتابة بهذه الشمولية الشعرية ،كما هو الشأن في كتابه،أو كتيبه، “النبي”الذي اعتمدته بعض الكنائس في الولايات المتحدة ، حيث كان يقيم، أناشيدَ وتراتيل دينية، وقريبا منه كتاب “المجنون” و”السابق”.. ومن منظور، أو رؤية ورؤيا الشمولية الشعرية الرومانسية، كان جبران شاعرا كاتبا متفلسفا رساما فنانا قاصا روائيا.. فتبنى جبران ، مبكرا ، مفهوم “الكتابة”المتجاوز لنظرية الأجناس ؛ فكتب، في العربية ،نعم، الشعر المنثور،الذي سبقه إليه ،وإلى المهجر، أمين الريحاني الذي كان يسميه شعرا حرا،أو مقاطع حرة، (علما أن أحمد شوقي (1839-1932 ) كان سمى كتابه “أسواق الذهب” شعرا منثورا،أيضا)، ولكن كثيرا من نصوص جبران ، ك”وعظتني نفسي” ، تعتبر “نثرا شعريا “،بل قصائد نثر بالمعنى الذي روجت له مجلة “شعر” البيروتية فيما بعد؛ فحق لها ، ولأصحابها ، أن يعتبروه عرَّاب الحداثة الشعرية العربية، أو الحداثة الأولى بتعبير محمد جمال باروت وأدونيس. بالمقابل، فإن زملاءه في الرابطة القلمية، وكل المهجرين بل كل الرومانسيين العرب،ظل الشعر عندهم منشدًّا الى مفهوم القصيدة والوزن والعروض ؛ بل إنهم تصالحوا مع التقليدية الكلاسية الإحيائية، على هذا المستوى؛أي الشكل وجمالياته ،؛ وما التنويع على الأوزان والقوافي عندهم بخارج عما كانت انجزته الشعرية العربية قديما في فن الموشح والرباعيات.. وأود أن أشير ،أخيرا، إلى أن جبران لم يكن يعرف إلا قليلا من علم العروض، إن لم نقل يجهله، لكن ما تشبع به من زخم الإيقاعات ،من قراءاته الانتقائية في تراث الشعر العربي، الذي لم يكن يرتاح منه إلا لأبي العلاء المعري، وللغزل العذري الأموي، هو ما جعله ينظم ،من هذه الناحية، كالجاهلي على الفطرة والبديهة..ولعل مواكبه الرائعة تسير في نقدها لعالم الناس ، على خطى المعري، في لزومياته ولا تختلف عنها،إلا بحكم الزمان والمكان، وعالم الغاب ،أو يوتوپياه الرومانسي الذي يقدمه جبران بديلا أو ملاذا ، عن عالم الناس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube