تقاريرمستجدات

لماذا اغتالوا عمر بنجلون؟

عبدالحق عندليب

“القاتل يقتل مرتين، في المرة الاولى يقتل وفي المرة الثانية يحاول اخفاء جريمته عن طريق النسيان،
ففي المرة الثانية الخطأ ليس خطأ القاتل بل خطأنا نحن”
Elie Weisel

في 18 دجنبر من سنة 1975 صادفت داخل أسوار كلية العلوم بالرباط الأستاذ محمد الرماح أستاذ التعليم العالي في الكمياء العضوية. كنت وقتها طالبا بالسنة الثانية وكان الأستاذ الرماح صديقا من جنسية تونسية تعرفت عليه بمدينة بوزانسون Besançon بفرنسا سنة 1974 عن طريق زوجته أمينة مناضلة اتحادية مغربية من مدينة مراكش و كانت تنتمي الى نفس الخلية الاتحادية التي كنت انتمي اليها و كان المرحوم المناضل الكبير محمد السفياوي استاذ الكمياء العضوية مسؤولا عنها.
أثناء هذه المصادفة زف إلي الصديق الرماح خبرا مفجعا لازال صداه يرن في دواخلي بشكل رهيب حيث قال لي بالفرنسية Omar Benjelloune l’ont assassiné
و باندهاش كبير سألته و انا لا اكاد اصدق ما اسمع هل انت متاكد ام تمزح وهل تتحدث عن عمر بنجلون عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
فما كان من الصديق الرماح الا ان اكد لي الخبر و عيناه مغرورقتان بالدموع. في تلك الاثناء نسيت الكلية و نسيت الدرس الذي كنت ملزما بالحضور لتلقيه في المدرج بمعية زملائي الطلبة و اخدت اركض في كل الاتجاهات بحثا عن بعض الاخوة لاستيقاء المزيد من التفاصيل…و بالفعل تاكد الخبر الفاجعة…انهم فعلا قتلوا عمر…ولم يدور في خلدي انذاك من مسؤول عن الجريمة سوى النظام حيث استحضرت لحظتها ما عاناه الشهيد من اعتقالات تعفسية وتعذيب وحشي ومحاكمات صورية طيلة حياته النضالية
واستحضرت على الخصوص الدور المحوري الذي قام به الشهيد في محاولة وضع اسس العمل النقابي الصحيح من خلال نضاله داخل النقابة الوطنية للبريد و من داخل الاتحاد المغربي للشغل واستحضرت كذلك دوره في صياغة القرارات التصحيحية التاريخية ل 30 يوليوز 1972 في مواجهة النزعة الانتظارية و البيروقراطية والخبزية المهيمنة داخل الاتحاد المغربي للشغل واستحضرت كذلك دوره الاساسي في التحضير
والإعداد المادي والأدبي للمؤتمر الاستئنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي انعقد في يناير 1975 خاصة صياغته للتقرير الايديولوجي الذي يعد أهم وثيقة مرجعية تاريخية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لماذا اغتالوا عمر؟
إن جريمة اغتيال عمر بنجلون كقائد سياسي من القادة التاريخين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يمكن عزله عن سياقه التاريخي والسياسي وعن المسار النضالي الحافل لشهيد الشعب المغربي والطبقة العاملة. فمنذ سنوات الدراسة الابتدائية والثانوية بمسقط رأسه عين بني مطهر بنواحي وجدة ثم بمدينة وجدة ومنذ سنوات التحصيل العلمي بمدينة باريس بفرنسا حيث أنهى مشواره التعليمي بالحصول على الإجازة في الحقوق و دبلوم الدراسات العليا في القانون العام و دبلوم المدرسة العليا للبريد برز الحس النضالي لدى الشهيد عمر بنجلون وظهرت كفاءته وحنكة السياسية والفكرية.
و في هذا الصدد وجب التذكير بأن عمر بنجلون كان مسؤولا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ورئيسا لجمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا بالديار الفرنسية وكان من أبرز المناهضين للاستعمار الفرنسي بالقطر الجزائري حيث نظم العديد من الاحتجاجات وحملات التضامن مع الثورة الجزائرية. و بعد إنهاء دراساته العليا في سنة 1960 إلتحق بالمغرب ليتم تعيينه مديرا إقليميا للبريد بالدار البيضاء ثم مديرا إقليميا للبريد بالرباط حيث عمل على تأسيس النقابة الوطنية للبريد التي شكلت رأس الرمح في سلسلة النضالات العمالية التي شهدتها بلادنا طيلة مرحلة الستينات. و من موقعه النقابي ككاتب عام للنقابة الوطنية للبريد حاول الشهيد عمر بنجلون المساهمة في تصحيح العمل النقابي من خلال مناهضة البيروقراطية والنزعة الانتظارية والميولات التحريفية بعزل العمل النقابي عن العمل السياسي حيث تعرض إثر ذلك لشتى أنواع التنكيل من طرف القيادة البيروقراطية للاتحاد المغربي للشغل بلغت حد الاختطاف والتعذيب. ونتذكر هنا مضمون الرسالة التي بعث بها الشهيد إلى المرحوم المحجوب بن الصديق الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل أنذاك والتي قال فيها:
“للمرة الثانية يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية. الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد. إضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل كما عنونت “جريدة الطليعة”. اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطات الفيودالية. هذه الأخيرة قررت تنفيد العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي كان لا بد من مسؤول لتمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار. أقول شرف لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس الذي يجب أن يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والأمبريالية. وهذه المرة من طرف مسؤولين في الاتحاد المغربي للشغل أمام أنظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشرطة. وتعرضت للضرب واللكم ونقلت للقبو تعرضت داخله في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشيته ما تعرضت له خلال السنة الماضية لأن الأمر في المرة الأولى كان مجرد تهديد. تصرف أخرق كذلك أصر على أن أحكي تفاصيله.
أتوجه إليك بصفتك الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الذي أنا ادأحد مناضليه . كما أنني أحد مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي انت أحد قاداته الذين رسموا توجهه وعقيدته…”اسمح لي اخيرا ان اعتبر ان الصمت في مثل هذه الظروف سيكون خدمة موضوعية تقدم للنظام الفيودالي الذي استفاد من الصمت الذي أحاط منذ زمن بعيد من الاخطاء المتراكمة”.
عمر بنجلون وقرارات 30 يوليوز 1972:
منذ تاسيسه سنة 1959 لم يتخلص الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من كل تناقضاته الداخلية التي حملها معه من حزب الاستقلال حيث برز صراع بين توجهين اساسين .توجه سياسي قاده الشهيد المهدي بن بركة والمرحوم عبد الرحيم بوعبيد والشهيد عمر بنجلون والمرحوم عبد الرحمان اليوسفي و المرحوم محمد البصري و توجه نقابي قادع المحجوب بن الصديق و عبد الله ابراهيم. حيث ادى هذا الصراع الى افشال المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية برفض قراءة التقرير الذي اعده الشهيد المهدي بن بركة والذي حمل فيما بعد اسم “الاختيار الثوري”. كما ادى الى تجميد هياكل الحزب طيلة سنوات الستينات والسبعينات.
ان هذا الوضع اضطر اغلبية اعضاء اللجنة الادارية والمجلس الوطني للحزب الى اتخاذ جملة من القرارات التاريخية حملت عنوان “قرارات 30 يوليوز1972 ” من بينها على الخصوص اعتبار التقرير المذهبي الذي تقدم به المرحوم عبد الله ابراهيم امام المؤتمر الثاني مجرد غطاء و تبرير متواطئ مع مخططات النظام المخزني . كما تضمنت المقررات قرار اعادة هيكلة فروع الحزب على المستوى الوطني و التحضير للمؤتمر الثالث و الذي اعتبر فيما بعد مؤتمرا استثنائيا لم ينعقد بعد الا بعد مرور ثلاث سنوات . اي في يناير 1975 بسبب القمع الشرس الذي تعرض له الحزب على خلفية احداث مولاي بوعزة التي اندلعت في 3 مارس 1973 حيث زج بالاف المناضلين و المناضلات الاتحاديين في غياب السجون والمعتقلات و تعرضت صحافة الحزب للمنع و مقراته لللاقفال. وتضمنت القررات كذلك الاعلان عن فك الارتباط التنظيمي مع الجناح النقابي البرصوي للاتحاد المغربي للشغل و تغيير اسم الحزب من الاتحاد الوطني الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تماشيا لهويته الاشتراكية .
الشهيد عمر بنجلون كان حاضرا بقوة في هذه المحطة المفصلية من تاريخ الحزب سواء من خلال مساهمته في وضع أسس عمل النقابي جديد ملتزم بالقضايا المصيرية للطبقة العام و عموم الشعب المغربي من خلال تاسيس و قيادة النقابة الوطنية للبريد التي قادت نضالات تاريخية قوية متحررة من هيمنة
وضغوطات القيادة البورصية للاتحاد المغرب للشغل . كما تمثل حضور الشهيد عمر حسب ما أشرت إليه سابقا في صياغة مقررات 30 يوليوز 1972 وفي إشرافه المباشرعلى الاتصالات بالقواعد الحزبية لاعادة بناء الفروع والقطاعات الحزبية في مختلف الاقاليم حيث توج هذا العمل الجبار والمتواصل الذي تم رغم توالي حملات التضييق والقمع بعقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في يناير 1975.
عمر بنجلون و ميلاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية:
مباشرة بعد إتمام إنجاز المهام التي تضمنتها قرارات 30 يوليوز 1972 بدأ الشهيد عمر بنجلون في التحضير الابي و المادي للمؤتمر الاستئنافي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمعية تلة من قادة الحزب و ذلك تحت اشراف القائد الاتحادي الفذ الراحل عبد الرحيم بوعبيد حيث كلف باعداد التقرير الايديولوجي الذي يعد اهم وثيقة مرجعية تاريخية في حياة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .
وللاشارة فقد تضمن التقرير المذكور تحليلا ملموسا للمجتمع المغربي محددا معالم تطوره بمنهجية علمية ثاقبة مكنت الحزب من وضع قطيعة مع اللاوضوح الفكري والمذهبي والسياسي الذي ساد خلال الحقبة الماضية من حياة الحزب حيث وضع اسس الاستراتيجية النضالية للحزب المبنية على ثالوث التحرير –الديموقراطية – الاشتراكية و اعتبر ان الخيار الديموقراطي السلمي هو السبيل لتغيير الاوضاع في بلادنا وتحقيق المشروع المجتمعي للحزب وبأن الرهان على الشعب من خلال إشراكه في المعارك السياسية وفي بلورة القرارات المصيرية للبلاد اختيار محوري لا محيد عنه . فمن خلال هذا التقرير أصبحت للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بوصلة نظرية في قيادة و توجيه نضالاته بناءا على استراتيجية النضال الديمقراطي، وهي الاستراتيجية التي تحققت على ارضيتها العديد من المكاسب السياسية سواء في مجال الاقرار بالحريات العامة و حقوق الانسان او بالاصلاح مؤسسات الدولة او باقرار الاصلاحات الدستورية التي شهدتها البلاد خلال سنوات 1992 و 1996 و 2011 او بتدشين التناوب السياسي الذي قاده المجاهد المرحوم عبد الرحمان اليوسفي والذي انقذ المغرب من “السكتة القلبية” من خلال تبني العديد من الاصلاحات الاساسية في تدبير الشأنين الوطني
والمحلي والتي لولا الخروج عن المنهجية الديموقراطية ولولا الركوب على ما يسمى بالربيع العربي لاستطاع المغرب تأسيسا عليها تجاوز العديد من الاختلافات التي استمرت في إعاقة التطور المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي للبلاد.
من هي الجهة المدبرة لجريمة اغتيال عمر بنجلون ؟
يبدو للوهلة الأولى من خلال الوقوف على بعض الوقائع ان الخلية المنبثقة عن التنظيم الإرهابي المسمى “الشبيبة الاسلامية ” الذي ابتليت به البلاد في مطلع السبعينيات والذي اسسه الهارب من العدالة المدعو عبد الكريم مطيع و المكونة من سعد احمد و مصطفى خزار وعمر اوزوكلا و محمد حليم و اخرين هي التي نفذت الجريمة من خلال ترصد تحركات الشهيد طيلة شهور حيث اعترضت سبيله خلال ذلك اليوم المشؤوم و هو عائد من مقر عمله بجريدة المحرر فحاولت في البداية استفزازه بافتعال نقاش معه انتهى بتوجيه ضربة قوية من الخلف بقضيب حديدي على مستوى الراس من طرف المجرم احمد سعد ثم بتوجيه طعنة على مستوى القلب وجهها له السفاك مصطفى خراز بواسطة مفك براغي Tournevis.
و بعد تنفيد الجريمة النكراء لاذ المجرمان القاتلان بالفرار حيث تمكن احد رجال الشرطة الذي عاين الجريمة من إلقاء القبض على احد المجرمين. بعد ذلك و تحت ضغط فورة الغضب و الاستنكار و الشجب الذي عبر عنه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تواصلت الاعتقالات لتشمل عددا من اعضاء العصابة المكلفة بتنفيد الجريمة.
الا ان ما شهدته اطوار محاكمة الجناة المجرمين الذين تم إلقاء القبض عليهم من شبهات و اختلالات وخروقات كانت تهدف التستر عن مدبري و مخططي الجريمة حيث اختفت العديد من الوثائق من ملف الجريمة كما تم الادعاء بهروب المدعو النعماني بعد اعتقاله و هو الساعد الأيمن لزعيم الشبيبة الاسلامية عبد الكريم مطيع والذي كلفه بالاشراف على تنفيد الجريمة. كما استطاع عبد الكريم مطيع الهروب الى السعودية متسللا من سبتة بعد ان اختفى في ضيعة تابعة للدكتور عبد الكريم الخطيب، هذا الاخير الذي يعتبر من مؤسسي ما يسمى بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية “الفديك” التي أسسها مستشار الملك الراحل الحسن الثاني أحمد رضا اكديرة. و للتذكير فقط فقد قام الخطيب بالتدخل لدى بعض الجهات لتيسير عملية فرار مطيع عبر مدينة سبتة المحتلة ليصل الى السعودية ثم الى ليبيا ثم ليعود الى السعودية حيث لازال مستقرا الى يومنا في هذا البلد.
و للمزيد من التوضيح فان الدكتور عبد الكريم الخطيب و هو من اصل جزائري قد كان من قادة “الفديك” التي تاسست في مطلع الستينات للدفاع عن التوجه اللاشعبي و اللاديمقراطي لحكم الاستبداد و لقطع الطريق عن احزاب الحركة الوطنية حيث عملت بدعم من اوفقير و رموز الحكم انذاك على تزوير الانتخابات و بالتالي تنصيب مؤسسات تمثيلية مشوهة و هجينة و التي تتحمل المسؤولية السياسية و الاخلاقية في عرقلة و تعطيل مسلل بناء دولة الاستقلال على اسس تحريرية و ديمقراطية و شعبية.
كما تجدر الاشارة الى ان الدكتور عبد الكريم الخطيب و هو كذلك مؤسس حزب العدالة و التنمية الذي تتشكل قيادته و عدد من اطره التي تشبعت الفكر الاخواني الذي كان يعتنقه تنظيم ” الشبيبة الاسلامية” حيث تعتبر حركة التوحيد والاصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة
والتنمية امتدادا لهذا التنظيم.
و لايسعنا هنا الا ان نذكر عبد الاله بن كيران الامين العام لحزب العدالة و التنمية ورئيس الحكومة الاسبق قد قاد مظاهرة مكونة من عدد من اتباع تنظيم الشبيبة الاسلامية للتنديد باعتقال
ومحاكمة العصابة الاجرامية التي نفدت جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون حيث صرح علانية امام المشاركين في هذه المظاهرة قائلا ” أمن أجل كلب أجرب يحاكم خيرة شبابنا؟…” و هو تصريح يحمل من الدلالات السياسية الشيئ الكثير و يؤكد في نفس الوقت الميول الارهابية لمدبري الجريمة و يؤكد على علاقات هؤلاء الارهابيين بخدام الاستبداد الذين دبرو كل المكائد للشهيد عمر بن جلون حيث حاولوا تصفيته عن طريق الحكم القضائي الصادر في حقه في سنة 1964 و حاولوا تصفيته عن طريق ارسال طرد ملغوم في سنة 1973 و الذي استطاع الشهيد تفكيكه بفضل حنكته كمهندس بريدي و هي نفس العملية التي استهدفت الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأخ محمد اليازغي و التي اصيب على اثرها بجروح بليغة وعاهات جسدية مستدامة كادت ان تؤدي بحياته.
ملف الشهيد أمام انظار هيئة الانصاف و المصالحة:
بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني و تولي ولي العهد محمد السادس الحكم و في سياق الانتقال الديمقراطي الذي شهده المغرب من خلال تنصيب حكومة التناوب برئاسة المجاهد المرحوم عبد الرحمان اليوسفي تم تاسيس هيئة الانصاف و المصالحة من اجل تسوية ملفات ماضي الانتهاكات الجسمية لحقوق الانسان وفق مرتكزات العدالة الانتقالية اسوة ببعض التجارب الدولية في هذا المجال لاسيما تجربة جنوب افريقيا.
و في هذا الصدد قدم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اربع ملفات الى هيئة الانصاف المصالحة مطالبا اياها بالكشف عن الحقيقة في شانها و يتعلق الامر بملفات الشهيد المهدي بنبركة و الشهيد عمر بن جلون و الشهيد محمد كرينة و ملف الطرد الملغوم الذي وجه للاخ محمد اليازغي. و اتذكر هنا بان الوفد الذي استقبله الراحل ادريس بن زكري رئيس هيئة الانصاف و المصالحة عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان يتكون من الاخوة محمد اليازغي و إدريس لشكر ومحمد كرم
وعبد الرفيع جواهري وذلك حينها كنت أعمل بالهيئة حيث عينني الراحل بن زكري كمتعاون معها بصفتي مناضلا حقوقيا ينتمي للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة و الانصاف.
و قد حاولت هيئة الانصاف
والمصالحة القيام بتحرياتها حول الملفات المعروضة عليها ومن بينها ملف الشهيد عمر بن جلون لكنها ووجهت بعدد من العراقيل وضعف التعاون من طرف الجهات المسؤولية لتسليم الارشيف والوثائق المتعلقة بهذه الجرائم و كذلك رفض بعض المسؤولين الادلاء بشهادتهم لتبقى الحقيقة غير مكتملة و مناطق الظل واسعة و الغموض كبير في العديد من الجوانب وبالتالي لم تتمكن الهيئة بالخروج بخلاصات واضحة وأن ترتب القرارت اللازمة في اطار مقتضيات العدالة و الإنصاف و هو ما جعل المنتدى المغربي من اجل الحقيقة و الانصاف كجمعية تمثل ضحايا الانتهاكات الجسمية لحقوق الانسان التي عاشتها بلادنا على امتداد عقود من الزمن مستمرا في المطالبة بالكشف عن الحقيقة الكاملة حول ظروف و ملابسات جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون و تحديد المسؤوليات المؤسساتية و الفردية و ترتيب ما يلزم من اجراءات الانصاف قبل طي الملف.
أي افق لتسوية ملف الشهيد عمر بنجلون؟:
في عرف القانون الدولي لحقوق الانسان فإن الجرائم المرتبطة بالقتل خارج نطاق القانون غير قابلة للتقادم. لذا فان تطبيق مقتضيات العدالة الانتقالية لا يتنافى مع
ضروروة الكشف عن الحقيقة الكاملة حول جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون و ضرورة جبر الاضرار المترتبة عن اغتياله سواء الاضرار التي لحقت باسرة الشهيد او الاضرار الظياسية التي اصبت حزبه كما تقتضي هذه المقتضيات حفظ ذاكرة الشهيد باعتباره ضحية من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان و بصفته وطنيا و زعيما سياسيا لحزب وطني كبير وهذا ما يفرض تخليد إسمه من خلال تسمية بعض الشوارع والمؤسسات العمومية باسمه إسوة بباقي الزعماء الوطنيين من ادأمثال الشهيد المهدي بن بركة
والراحل عبد الرحيم بوعبيد
والمرحوم عبد الرحمان اليوسفي.
رحم لله شهيدنا الكبير عمر بن جلون الذي كرس حياته لخدمة شعبه ووطنه و المجد و الخلود لهذا الرمز الوطني الذي الهم اجيالا من المناضلات و المناضلين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube