مستجداتمقالات الرأي

المشاركة المشروطة في الانتخابات البرلمانية لعام 2021

محمد المباركي

في مثل هذا اليوم من كل عام، يحيي أحرار وحرائر هذا الوطن، ذكرى عزيزة على القلوب ونبراسا دالا على استمرارية مقاومة الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية للاستبداد المخزني البائد. والجدير بالذكر أن الشرارة التي اندلعت منها انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة، هو المس بقطاع التعليم، الركيزة الأساسية لبناء مجتمع الغد وذلك بتعميمه وصيانته. وأن كل مس له، هو مس لكرامة وحرية الشعب. فلا تحرير ولا ديمقراطية دون مواجهة الجهل الذي هو القاعدة التي يبني عليها الاستبداد. ومن غريب الصدف أن يكون الدافع الأساسي لانتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة هو الهجوم البشع على قطاع التعليم الممثل في طرد التلاميذ البالغ عمرهم 14 سنة من التعليم الابتدائي و18 سنة من التعليم الاعدادي. وها نحن نرى بعد قرابة 60 سنة، يتم الهجوم في نفس الشهر نفس وبنفس العقلية للدولة على قطاع التعليم الممثل في القمع المنحط والمشين لرجال التعليم أثناء مسيرة سلمية يشرعها القانون والدستور. حدثين تاريخيين يعبران عن السياسة القمعية للحكم الفردي التي جعلت حدا للهامش الديمقراطي بتدشين حالة الاستثناء عقب انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة. والواضح أننا نعيش اليوم حالة استثناء غير معلنة مطبوعة بسيادة القبضة الأمنية على دواليب الدولة.
إثر انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة تجدرت مواقف الحركة الوطنية الديمقراطية مما جعلها تقاطع دستور 1970 و1972 ومعها الانتخابات وكذا المحادثات التي تخللتها مع القصر. ولم يحث تحاور سياسي الا بعد الانفراج الذي قدمه هذا الأخير في خضم الدفاع عن القضية الوطنية عبر انفتاح “المسلسل الديمقراطي”. لكن أهم ما أنتجته انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة هو ظهور ونضج وعي تحرري متقدم في صفوف الشبيبة المدرسية وشرائح متنورة من المجتمع دفعت الى تأسيس تنظيمات يسارية ثورية بداية سبعينيات القرن الفائت. والتي كان لها عملا نضاليا وسياسيا جوهريا في السيرورة السياسية والحقوقية والجمعوية بالمغرب والتي لازالت سارية المفعول بهذا الوجه أو ذاك. وما المواقف السياسية والاجتماعية التي عبرت عنها حركة 20 فبراير والحركات الشعبية والمطالب الأساسية في دمقرطة الدولة والمجتمع سوى نتاج المد اليساري الجدري السبعيني. كما يجب الإشارة الى الدور الذي لعبته الكتلة الوطنية وبعدها الكتلة الديمقراطية في التعاطي مع الإصلاحات الدستورية والسياسية عبر تقديم مذكرات. والتي كانت عبارة عن شروط لدخولها العملية الانتخابية وما يتولد عنها.
ومن العلم أن دخول القوى الديمقراطية واليسارية غمار المشاركة السياسية في ظل هوامش و”مسلسلات ديمقراطية” غير ثابتة وواضحة المعالم كما حصل بعد التصويت بدون شرط على دستور 1996 وقبول الدخول في حكومة التوافق عام1988، أدى الى الانتحار السياسي والتنظيمي لحزب أساسي في تاريخ التجربة الديمقراطية بالمغرب، الممثل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ما العمل اليوم ونحن نعاين حالة التردي الملحوظ للهوامش الديمقراطية اجتماعيا وسياسيا التي بني عليها “مسلسل الانتقال الديمقراطي”. هل من المعقول المشاركة في العملية الانتخابية بدون قيد أو شرط؟
ان المشاركة في الانتخابات ليست ملزمة حتى نجعل منها مبدا نضاليا داخل اليسار. المشاركة في الانتخابات البرلمانية عملية مكملة لسيرورة النضال الشعبي من أجل تثبيت “الانتقال الديمقراطي” عبر تقوية اليسار المناضل. لكن ما يثبته الوضع الراهن، سواء في مستواه السياسي أو الاجتماعي، أننا نبتعد عن كل الواجهات التي كنا نظنها “انتقال ديمقراطي”. الانتقال الديمقراطي الذي يعني القطيعة مع ظواهر الدولة المخزنية العتيقة وأسالبها الاستبدادية عبر سياسة أمنية محضة، واثبات دولة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية. الواقع المعاش سياسيا واجتماعيا يعيدنا لمرحلة سنوات الرصاص حيث سيادة السياسة الأمنية التي طابعها الأساسي القمع، سواء ما خص الحريات الخاصة أو العامة، فردية كانت أو جماعية. الحاصل أن هناك ملاحقات واعتقالات فردية وجماعية مع محاكمات صورية وأحكام جائرة لا تراعي أدني أسس احترام القانون من لدن واضعيه أنفسهم.
الى جانب القبضة القمعية التي تبرهن أننا امام سلطة لا ديمقراطية لا شعبية. ويأتي مشروع القاسم الانتخابي، الذي يعتمد للفرز بين المرشحين في الانتخابات التشريعية القادمة، الرجوع الى عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية عوض الرجوع الى لوائح المصوتين في الدوائر حين الترشيح الفردي والوائح في الجهات. انه خرق سافر لما سارت عليه التجارب الديمقراطية في العالم وكما يثبته المنطق في الفرز الديمقراطي بين المتنافسين. ان المسطرة المقترحة ريع انتخابي يتنافى والمساطير الديمقراطية التي سارت عليها تجارب الشعوب والأقرب لضمان المساواة في الحقوق والواجبات والتمكن من المحاسبة أمام القانون للجمع.
ان الانتخابات هي صيغة حداثية لمفهوم البيعة. الا أنها عوض أن تكون بين الخاصة في العرف القديم، هي حسب المنظور الديمقراطي بيعة شعبية لبنود الدستور وتطبيقه. وبالطبع إذا اخترقت بنود الدستور ولم يعد ساري مفعولها وخاصة إذا تم تجاوزها أصبحت مسرحية هزلية لا تخدع سوى من يسلك سياسة النعامة. المشاركة في العملية الانتخابية والحالة تطبعها سيادة السياسية الأمنية للدولة والمجتمع، لن تؤدي سوى لصورة باهتة وهزلية لما يمكن نعته ب “الانتقال الديمقراطي”. وحتى في تاريخ الدولة المخزنية كانت هناك بيعة مشروطة، زيادة على الشروط الشخصية المعهودة. وأهم مثال يتبادر للدهن، بيعة السلطان عبد الحفيظ عام 1908 والتي كانت تحث على الجهاد لمقاومة الاحتلال الغربي الذي بدأت بوادره. لكن لما وقّع على وثيقة الحماية 1912، كان ذلك عبارة عن فك عقد البيعة ومنه تم خلعه من السلطنة. واليوم نحن أمام عقد انتخابي برلماني الذي يمكن فسخه إذا لم يكن هناك امتثال للشروط الضامنة له والممثلة أساسا في تحقيق انفراج اجتماعي وسياسي أساسه جعل حد للسياسة الأمنية وذلك:

  • بأطلاق سراح كافة معتقلي الحراك الشعبي بالريف وجرادة وغيرها،
  • إطلاق كافة معتقلي الرأي من حقوقيين وصحافيين،
  • الغاء التوظيف بالعقدة في إطار الوظيفة العمومية والحد الخوصصة التي توسع شرخ الفوارق
  • ضمان حرية التعبير والتظاهر مع دحض كل أنواع القمع،
  • الاستقلال التام للعدالة المعيار الأساسي لدولة الحق والقانون،
  • حق المواطنين والمواطنات المغاربة بالمهجر في المشاركة بالتصويت والترشح كما هو مسطر في الدستور.

يمكن لهذه المطالب أن تنقح وتصاغ على شكل عريضة شعبية موقعة من قبل القوى الحية بالبلاد سياسية ونقابية وجمعوية، هذا الى جانب التوقيعات الشعبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. بعبارة أخرى، دخول الحملة الانتخابية من بابها الواسع للمطالبة بانفراج سياسي فعلي يتجاوب والمطالب المشروعة والدستورية المسطرة أعلاه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube