*كلمات* بالقسطاس المستقيم *فلسطين البوصلة : ومضات على مواقف المحاور والرهانات الإقليمية*

أبو عمر أحمد ويحمان ×
“أيها الحق، لم تترك لي صاحبًا”، مقولةٌ للإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، تلخّص صعوبة قول الحق في زمن تتشابك فيه المصالح وتتصاعد فيه الضغوط. ومع اشتداد المحن في غزة وسوريا، يبقى السؤال: كيف نحفظ البوصلة ونسمي الأشياء بأسمائها في عالم يسعى لإغراقنا في تشتيت الأنظار عن الحقائق الكبرى؟ *حقوق الإنسان وسوريا .. موقف مبدئي لا يحتمل المزايدة* ما هو مطروح بشأن حقوق الإنسان في سوريا لا جدال في جديته، وهو جزء لا يتجزأ من التزامنا الدائم بالدفاع عن كرامة الإنسان وحريته في كل الأقطار العربية، بما فيها سوريا. لم نفوّت فرصة إلا وأثرنا فيها هذه القضايا الجوهرية، لأن كرامة الإنسان العربي هي جوهر نضالنا. والجميع يتذكر نقاشاتنا في المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي . لكن صراخنا اليوم لا يدور حول التقليل من شأن هذه القضايا، بل حول رفض الوقوع في الفخ الذي يهدف إلى تحويل أنظارنا عن مذابح غزة، حيث يواصل الاحتلال الصهيوني ارتكاب جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني كما يواصل احتلال مزيد من الأراضي وتدمير مزيد من مقومات القدرة والمنعة السورية . و يراد لنا أن ننشغل بـ”فرح إعلامي” يُركز على أزمات أخرى، ليُحجب عنا كل هذه المأسي في غزة، وليغطي على استمرار احتلال سوريا ونهب مقدراتها. والأخطر من ذلك، أن يتم في إعلام العالم استبدال عنوان *”نتنياهو مجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية”* بعنوان آخر يُركز على “مجرم عربي”، ليصبح هو المحور، بينما يُسدل الستار على الاحتلال وجرائمه، وعلى من يقف خلفها من قادة الكيان الصهيوني. *إيران: دعمٌ مبدئي لفلسطين وسوريا* وسط هذا المشهد، تواصل إيران موقفها الداعم للقضية الفلسطينية. لم تكتفِ طهران بالشعارات، بل قدمت السلاح والمال والخبرات التي مكّنت المقاومة الفلسطينية من مواجهة الاحتلال وتحقيق توازن الرعب، وأهم من كل ذلك قدمت كوكبات من الشهداء والشهداء القادة والخبراء . كما أن تحويل سفارة كيان الاحتلال في طهران إلى سفارة لفلسطين لا يزال رمزًا على انحيازها الكامل للحق الفلسطيني . وتأكدت هذه الرمزية المتواصلة في إنزال العلم الصهيوني من على مبنى السفارة في نفس يوم انتصار الثورة ورفع وإعلاء العلم الفلسطيني مكانه وتسليم المفاتيح لقائد الثورة الفلسطينية وقتها الشهيد أبو عمار ياسر عرفات ! إيران لم تغفل أيضًا عن سوريا، التي اعتُبرت منذ عقود خط المواجهة الأول مع الاحتلال. دعمت إيران الدولة السورية في حربها ضد المؤامرة الغربية الاستعمارية في مواجهة محاولات تقسيمها وإضعافها، إدراكًا منها أن سقوط سوريا يعني ضربة قاصمة لمحور المقاومة. *تركيا والدول السنية: بين الشعارات والأفعال وتقصير مفضوح* على الجانب الآخر، يظهر موقف تركيا المتناقض تجاه فلسطين. فبينما تستضيف أنقرة بعض قيادات الفصائل الفلسطينية وتعلن دعمها للقضية، يبقى هذا الدعم رمزيًا في معظمه. لم تقدم تركيا دعمًا عسكريًا أو لوجستيًا حقيقيًا يُمكّن المقاومة من الصمود أو مواجهة الاحتلال، في حين أن التعاون الأمني والاستخباري بينها وبين “إسرائيل” ما زال قائمًا. ورغم ثلاث ولايات من حكم أردوغان، ما يزال علم كيان الاحتلال الصهيوني يرفرف في أنقرة وفي قنصلية الاحتلال في إسطنبول! هذا التناقض يُثير تساؤلات مشروعة حول مدى مصداقية الشعارات التي ترفعها تركيا، خاصة في ظل استمرار التعاون والمناورات العسكرية المشتركة مع جيش الحرب الصهيوني الذي يواصل ذبح الفلسطينيين بعشرات الآلاف منذ أزيد من عام وشهرين. ويتذكر الجميع الاستقبال الذي خصصه أردوغان لرئيس كيان الاحتلال الإرهابي إسحاق هرتسوغ بالخيالة وبـ21 طلقة كما جرت العادة أن يُحتفى بالكبار! أما الدول السنية الأخرى، فكثير منها، مع الأسف، اختارت التماهي مع المخطط الصهيوني-الأميركي في المنطقة. فلا يخفى على أحد أن بعض هذه الدول تآمرت، بشكل مباشر أو غير مباشر، ضد المقاومة الفلسطينية وقوى التحرر العربية، مُفضّلة التحالف مع الاحتلال أو على الأقل الصمت عن جرائمه مقابل مكاسب آنية زائلة. فبدلاً من أن توظف ما تملكه من ثروات وقدرات لدعم القضية الفلسطينية، آثرت بعض هذه الأنظمة أن تكون جزءًا من التحالف التطبيعي، واضعةً يدها في يد العدو الذي يدنس القدس *ومسرى* رسولنا الكريم ويقتل الأبرياء في غزة يومًا بعد يوم. إن هذا التقصير، بل التآمر، لا يمكن أن يُغطّى بالشعارات أو الخطابات الموسمية عن فلسطين، لأن الأفعال تفضح حقيقة المواقف. كيف لمن يدّعي دعم فلسطين أن يفتح أبواب التطبيع مع الكيان، ويعطي الغطاء السياسي لمشروعه الاستعماري في قلب الأمة؟ *غزة وسوريا: قضايا متكاملة لا متنافسة* إن محاولة الفصل بين القضايا العربية الكبرى هي فخ يُراد منه تشتيت الجهود وضرب المحاور المقاومة لبعضها البعض. احتلال سوريا وتدمير مقدراتها هو امتداد لجرائم الاحتلال الصهيوني الذي لا يتوقف عند فلسطين، بل يسعى لتوسيع هيمنته وإضعاف أي قوى تهدد مشروعه الاستعماري. إن دعم غزة لا يعني الصمت عن حقوق الإنسان في سوريا، ودعم سوريا لا يعني التغاضي عن معاناة أهلنا في غزة. القضايا مترابطة، والمعركة واحدة، وعلينا أن نرفض كل محاولات تحويل الأنظار عن العدو الحقيقي، الذي هو الاحتلال الصهيوني وأعوانه، وليس أي طرف عربي أو إقليمي آخر. *آخر الكلام* إذا كانت *فلسطين البوصلة*، وهو ما حصل إجماعنا عليه، فلتبق المقياس الذي نقيس به مدى قرب أو بعد أي موقف لأية جهة كانت . ولنعد لمقياس المقاييس؛ *القسطاس المستقيم* ! وليبقى العنوان واضحًا: *”نتنياهو مجرم حرب، مطلوب للعدالة الدولية “* .. هذا هو المحور الذي يجب الانتباه والتيقظ الجماعي إلى عدم الانزياح عنه أو تغيير بوصلة إعلام العالم عنه لتنزيل عملية تضليل و إلهاء ممنهجة لتبييض وجه الاحتلال و قادته النازيين عبر “محاولات” باتت متزايدة لتغيير هذا العنوان أو تشتيت الأنظار عنه .. ولو بملفات حقوقية حقيقية وكبيرة في سورية (سبق لنا أن ثبتنا موقفنا بشأنها في البدء أعلاه) إن اليقظة الاستراتيجية الفردية والجماعة تقتضي من كل أحرار الأمة ان ينتبهوا جدا في هذه اللحظات و المحطات الدقيقة التي تمر منها شعوب الأمة (مثلما سبق في فجر الاستقلالات الصورية قبل أكثر من نصف قرن) من خلال إعادة تدوير مخططات واسعة تستهدف تغييب الحقائق وتزييف البوصلة لتضييع فرص الخروج من صحراء اللاإستقلال و اللاسيادة و اللاديموقراطية .. عبر تأبيد التيه الاستراتيجي والحضاري …‼️
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نتمسك بفلسطين *كبوصلة_البوصلات*، وأن نرفض الوقوع في فخاخ التشتيت التي تسعى لتفكيك قضايانا الكبرى. الاحتلال هو العدو، وفلسطين ستبقى عنوان النضال حتى التحرير. والسلام عليكم ونصر الله وبركاته . *ملحوظة :تعمدت توقيع كلمات اليوم بكنيتي؛ أبو عمر لأن بعض السخفاء عندما يحشرهم المنطق وقوة الحجة في الزاوية، لا يجدوا ما يردون به غير حكم القيمة الغبي :
ويحمان شيعي .. آية الله ويحمان
!!!————————×
باحث في علم الاجتماع السياسي ،
مناضل ضد التطبيع