احمد رباصحوارات

دومينيك فيدال: الأعمال المعادية لليهود أصبحت أكثر عنفا

ترجمة: أحمد رباص

خلال إحياء ذكرى مرور 75 عاماً على غارة “فيل ديف” Vel’ d’Hiv في يوليوز 2017 (وهي أكبر عملية اعتقال جماعي لليهود في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية)، حيث تمت دعوة مسؤول إسرائيلي لأول مرة، اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمته على النحو التالي: “عزيزي بيبي، لن نستسلم لمعاداة الصهيونية لأنها هي الشكل المعاد اختراعه لمعاداة السامية “. كتب المؤرخ دومينيك فيدال مقالا ليرد على كلمات الرئيس، التي وصفها بأنها خطأ تاريخي وسوء سلوك سياسي.

  • مقالك جواب عن إيمانويل ماكرون. ماذا تقول جملته؟ ولماذا نطق بها؟
    كان خطاب ماكرون مناسبًا وكان بمثابة تفسير لخطاب شيراك في عام 1995 بشأن الاعتراف بطبيعة مسؤولية الدولة الفرنسية في ترحيل اليهود من فرنسا. وفجأة، يلفظ هذه العبارة مخاطبا ضيفه بنبرة حميمة، رغم أن إسرائيل لم يكن لديها على الإطلاق دخل في هذه القصة. لن أغامر في البحث عن تفسيرات لدوافع الرئيس. ومع ذلك، فإن مثل هذا التأكيد يشكل خطأً تاريخي فادح وخطأً سياسي مع عواقب وخيمة. خطأ تاريخي، لأنه ينكر تاريخ اليهود وعلاقتهم بالصهيونية. كتذكير، كانت الأخيرة تهدف إلى إنشاء دولة يهودية. لكن غالبية اليهود عارضوا حتى عام 1939 مثل هذا المشروع، في فلسطين أو في أي مكان آخر. وعلاوة على ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من اليهود الأوروبيين الذين ذهبوا بشكل غير قانوني إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية، ثم منذ عام 1948، إلى إسرائيل، فعلوا ذلك ” افتراضيا ” وليس عن اختيار صهيوني. ولم يتمكن هؤلاء الناجون من الهولوكوست من العودة إلى بولندا، على سبيل المثال، أو الذهاب إلى المنفى في الولايات المتحدة، التي لم تمنح تأشيرات الدخول منذ عشرينيات القرن العشرين. وينطبق الأمر ذاته على اليهود العرب الذين وصلوا إلى إسرائيل فيما بعد، والذين اما طردتهم الحكومات العربية أو استوردهم المسؤولون الإسرائيليون لتوفير اليد العاملة والعضلات لتشغيل المدافع.
    أما أولئك القادمون من الاتحاد السوفييتي، فقد خططوا للعبور عبر إسرائيل للذهاب إلى الغرب. لقد حوصروا لأن إسحاق شامير، رئيس الوزراء آنذاك، كانت لديه اتفاقات مع الغربيين بعدم منحهم تأشيرات … في النهاية ، لدينا اليوم 15 مليون يهودي في العالم، منهم أكثر بقليل من 6 ملايين في إسرائيل. هل يجب أن نعتبر أولئك الذين لم يرغبوا في الاستقرار في فلسطين منذ عام 1897 بدعوة من الصهاينة، أو الذين ينتقدون الحكومات الإسرائيلية، كمعادين للسامية لأنهم معادون للصهيونية أو قليلي الاهتمام بهذه الأيديولوجية؟ فيما يتعلق بالبعد السياسي، فهو خطأ يفتح الباب أمام الانجراف الحر في فرنسا. رئيس ” المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا ” (CRIF) دعا إلى قانون يجرم معاداة الصهيونية. هذا يخاطر بارتكاب جريمة رأي لا سابقة لها منذ الحرب الجزائرية التي تتعارض مع دستور الجمهورية الخامسة وإعلان حقوق الإنسان والاتفاقيات الأوروبية المعنية.
  • هل من مخاطرة برؤية التصويت على قانون من هذا القبيل؟
    لا أعتقد ذلك. لن يكون الرئيس ولا الحكومة ولا البرلمان مهتمين باتخاذ مثل هذا القرار. على أي حال، فإن المجلس الدستوري لن يسمح له بالمرور. في بلدنا، تحمي القوانين حرية التعبير، عدا ما يتعلق بالأقوال العنصرية والمعادية للسامية، والنافية للإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. كما يجب أن نتذكر أنه، على عكس ما تروج له الدعاية الإسرائيلية ودعاية CRIF، لا يوجد قانون في فرنسا يجرم مقاطعة إسرائيل كما هو مقترح في حملة ” المقاطعة – اللاستثمار – العقوبات ” * ” « Boycott Désinvestissement Sanctions » (BDS) “. في رأيي، كل هذا جزء من حملات البلطجة. إنه ابتزاز يهدف إلى إسكات جميع الانتقادات ضد إسرائيل. ويكمن خطر هذا الوضع في الارتباك الذي يحدث، والذي يمكن أن يغذي معاداة السامية ، وخاصة من خلال الاعتقاد بأن اللوبيات اليهودية لها اليد على السياسة الفرنسية.
  • البعض يثير انتشار (ظاهرة) معاداة السامية في فرنسا. ما هو الوضع الآن؟
    من الواضح، مع الأرقام الداعمة، أن معاداة السامية في فرنسا انخفضت بحدة بعد الحرب العالمية الثانية. هذا لا يعني أن الأحكام المسبقة المعادية للسامية ليس لها أسنان قوية، أو أن لا وجود لمعاداة السامية بين المسلمين. ولكنها ليست الخاصية التي تميز فرنسا أو سكانها الوافدين عن طريق الهجرة. تشير الإحصاءات إلى أن 89٪ من الفرنسيين يعتقدون أن اليهود فرنسيون مثل الفرنسيين الأخرين، وهي نسبة أعلى من 8 نقاط للمسلمين و 30 نقطة للغجر. علاوة على ذلك، فيما يتعلق بالعنف المعادي لليهود، لاحظنا تصاعدا في أوائل العقد الأول من القرن العشرين (صدى لما كان يحدث في فلسطين خلال الانتفاضة الثانية). منذ ذلك الحين، تم تسجيل انخفاض واضح. كما أن الأفعال المعادية للعرب أو المسلمين والتي ارتفعت بدورها في عام 2015 (بعد هجمات شارلي إبدو وباتاكلان وهايبر كاشير) تراجعت أيضاً. ما تغير، مع ذلك، هو أن الأعمال المعادية لليهود أصبحت أكثر عنفاً. للمرة الأولى منذ عام 1945، قتل أشخاص لأنهم من اليهود.
  • لنتحدث عن فلسطين. كيف نفهم المفارقات بين التطورات على أرض الواقع اليوم وبين سلبية العواصم الدولية؟
    أعتقد أن القادة الغربيين لا يقيسون بدرجة كافية خطورة السياسات الإسرائيلية. نتنياهو شكل بعد انتخابات 2015 ائتلافا مع اليمين المتطرف. وصوّت، من بين أمور أخرى، على قانون يشرّع ضم الأراضي الفلسطينية الخاصة (غير الملحقة أو المرفقة بالفعل). لذلك تم الانتقال من استعمار الأراضي المحتلة عام 1967 إلى الضم. إذا أضفنا إلى ذلك قرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن القدس، فإننا نواجه عملية تجعل حل الدولتين باطلاً ولاغياً. لا يزال هناك افتراض للفصل العنصري الذي يظهر مهندسوه رفض منح الحقوق السياسية للفلسطينيين، بما في ذلك حق التصويت. من المفارقات أن هناك فجوة كبيرة بين هذا الوضع الكارثي على الأرض والاعتراف الدولي بفلسطين. يجب أن نتذكر أنه في السنوات الأخيرة تم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة، وقد انضمت إلى اليونسكو والمحكمة الجنائية. إضافة إلى ذلك، فإن الأصوات الروتينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحق في تقرير المصير تظهر عزلة إسرائيل والولايات المتحدة. كان التصويت الأخير ب176 صوتا ضد 6 أصوات (من ضمنها أصوات إسرائيل والولايات المتحدة وكندا وجزر مارشال).
  • من هنا (جاء) بحث الحكومة الإسرائيلية عن حلفاء جدد، بما في ذلك اليمين المتطرف الأوروبي؟
    أعتقد أن هذه الحكومة مستعدة لفعل أي شيء للخروج من العزلة المذكورة. إنها ترفع من وتيرة الاستيطان، تجرم حيثما أمكن الانتقادات ضدها وتسعى الى تحالفات مع شخصيات من أمثال أوربان في المجر الذي أشاد بشخصيات فاشية، مع منكري المحرقة مثل الوزير الأول البولوني Mateusz Morawiecki ومع تنظيمات اليمين المتطرف في كل من النمسا وهولندا. من الواضح أن الكراهية المشتركة للمسلمين تجمع بينهم، ولكن بالأساس الخوف من العزلة وتتابع السعي في أوروبا هو ما يحفز على سلوك هذا النهج. يجب أن يضاف إلى ذلك أن هذا ” المغازلة ” تذكر ببعض التجارب التاريخية الصهيونية في روسيا (في القرن الماضي)، وألمانيا، وإيطاليا (في عام 1930)، حيث حاول ممثلون عن الحركة الصهيونية وأخرون في بعض الأحيان عن الجناح اليميني إبرام اتفاقات مع السلطات الفاشية، النازية والمعادية للسامية لتسهيل هجرة اليهود من ألمانيا أو روسيا إلى فلسطين.
  • خاتمة ؟
    أود أن أقول إن التدخل / الضغط الهائل من المجتمع العالمي هو وحده الذي يمكن أن يفتح الطريق إلى السلام في فلسطين، وعلى المدى البعيد، فى الشرق الأوسط، مما يسمح بتجفيف ينابيع الإرهاب وأشكال جديدة من معاداة السامية في الغرب.

  • حملة عالمية تدعو الى ممارسة المقاطعة ومختلف الضغوطات الاقتصادية والسياسية والثقافية على إسرائيل لأجل تحقيق ثلاثة أهداف: إنهاء احتلال واستيطان الأراضي العربية، المساواة الكاملة للمواطنين الفليسطينيين العرب داخل اسرائيل واحترام حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. (المترجم)
    رابط الحوار: 3http://editionslibertalia.com/blog/entretien-avec-dominique-vidal-l-orient-litteraire-180
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube