مستجداتمقالات الرأي

على مسؤوليتي: ولاية ثالثة لإدريس لشكر على رأس الاتحاد الاشتراكي،جريمة في حق حزب كبير

عبد الرحمان غندور

لم يكن لي في أي يوم موقف ذاتي من شخص الأستاذ ادريس لشكر، فقد كانت علاقتنا يسودها الأخوية والرفاقية والاحترام المتبادل منذ ان تعرفت عليه في دجنبر 1975 في المؤتمر التأسيسي للشبيبة الاتحادية. لكن ترشحه للكتابة الأولى للاتحاد سنة 2012، حتم علي اتخاد موقف حزبي مبني على تقييمي للشخص ككاتب أول، وحكمت بعدم صلاحيته وأن الحزب سينتكس بسببه، وكانت لي هذه العبارة :
(( أقبل بأي اتحادي لقيادة الاتحاد إلا ادريس لشكر ))
وكان هذا آخر ما صرحت به في لقاء جمعني مع عدد من أبناء الاتحاد شهرا قبل المؤتمر التاسع. تدارسنا فيه ما بعد هذا المؤتمر، بعيدا عن الغلو و التخندق.
اللقاء كان في بيت الاخ جمال براوي، بحضور حسن الشرايبي، عبد الله مديد، حميد باجو، فجري الهاشمي، محمد العلمي.
وها هو سي ادريس قد قاد الاتحاد لولايتين ويطمع في الثالثة.

منذ انتهاء كرنفال استحقاقات 8 شتنبر، وجهت رسالتين طويلتين بأسئلة دقيقة: أولاهما إلى العائلة اليسارية بكل أطيافها، والثانية إلى الاتحاديات والاتحاديين بعد فشل ” زعيمهم ” في استجداء المشاركة في الحكومة، ورميه بشكل مخجل ليمارس المعارضة بشكل قهري واكراهي.
اليسار بكل أطيافه لا زال صامتا، ولم يطرح لحد الآن أي فصيل فيه تصورا تحليليا نقديا لمحطة 8 شتنبر، أو استراتيجية مستقبلية لما ينبغي القيام به في السنوات المقبلة، فكريا وتنظيميا وجماهيريا ونضاليا.
أما الاتحاد الاشتراكي فقد أعلن عن عقد مؤتمره الحادي عشر، لا كجواب على نتائج الاستحقاقات التي اعتبرها انتصارا وتقدما رغم طرده المخجل من المشاركة الحكومية، ولكن خضوعا لقانون الأحزاب الذي يرغم القيادة على احترام مواعيد المؤتمرات.
و يتجه الاتحاد إلى مؤتمره الحادي عشر، و هو في أوج خريفه الطويل، فكريا وتنظيميا وحضورا وإشعاعا. الذي ابتدأ على الخصوص منذ مشاركته في حكومة جطو سنة 2002، رغم عدم احترام المنهجية الديموقراطية.
فشجرة الاتحاد، بشهادة أبنائها من مختلف المواقع والمواقف والحساسيات، لم يبق فيها إلا جذور منغرسة في تربة الأرض تتآكل يوما عن يوم، و جذع سامق منخور كأشباح الأساطير، و أغصان تحولت إلى أعواد يابسة قابلة للسقوط في أية لحظة.
كان أمل عدد كبير من المناضلين والمناضلات، من مختلف الأجيال والحساسيات، منذ الإعلان عن التحضير لهذا المؤتمر أن تكون هذه المحطة إعلانا عن انتهاء دورة من دورات الحياة، و بداية دورة جديدة، يعيد فيها الاتحاد بناء أسئلته و تجديدها، و بالتالي اختيار أحسن الاجابات و أكثرها نجاعة لإعادة الحياة لشجرة الاتحاد، حتى تستعيد السياسة نبلها كخدمة عمومية و حتى تتم الإجابة عن انتظارات الوطن و المواطنين من حزب ساهم بقوة في صنع التاريخ المعاصر لبلدنا. لا سيما أن هذا المؤتمر حسب القوانين المنظمة للحزب هو النهاية القانونية لقيادة السيد ادريس لشكر، الذي لا تسمح له هذه القوانين بولاية ثالثة.
إلا أن هذا الأمل، تم إقباره بقرار غير محترم، ولا أخلاقي، رغم أنه خضع للتصويت من طرف ما يسمى بالمجلس الوطني، الذي يتحكم الزعيم في أغلب أعضائه بوسائل يمكن اعتبارها ” لا أخلاقية “. حيث عرف هذا ” البرلمان الحزبي ” تغييبا كليا للأسئلة الكبرى المتعلقة بالحزب و الوطن، لتختزل أشغاله في المصادقة على تعديلات قانونية تسمح بولاية ثالثة ” للزعيم الوطني ” ول”لزعماء الجهويين والاقليميين ” وهم حتما جيش الأتباع والموالين للزعيم الأكبر، والقاعدة الصلبة للمؤتمرين التي ستزكي دون شك خلال المؤتمر استمرار السي ادريس على رأس الحزب.
كان الأمل الضعيف الذي اشتغلت عليه شخصيا مع بعض المناضلين والمناضلات، فرادى وجماعات، نابعا من إحساس يغلب عليه التشاؤم الذي يمليه واقع الحزب والوطن الآن…كما يساوره نوع من التفاؤل المنكسر بإمكانية تجاوز الاتحاد لمحنته، إذا تغيرت قيادته، بحكم تجذره في تاريخ الوطن. مما دفعنا إلى الاشتغال على أسئلة الحزب وأسئلة الوطن وبالتالي أسئلة المؤتمرالتي ينبغي الإجابة عليها.
إن سؤال الوطن هو نفسه الذي ظل يعانق الآمال منذ الاستقلال الشكلي…كيف نبني نظاما سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا، يكفل للمواطنين و المواطنات ما يجب من العدالة و المساواة و الكرامة و حقوق الانسان و ينقلهم من حالة الرعايا الى مواطنين كاملي المواطنة….الخ. وهو سؤال سيظل مطروحا بشكل صراعي أو توافقي في كل وقت، حتى نجنب المغرب الدخول الى منطقة الزوابع والاعصارات الممكنة و المحتملة.
و بالمقابل، فإن سؤال الحزب، ينبع من سؤال الوطن. لا سيما أن الاتحاد الاشتراكي قدم ما يكفي من التضحيات… وما يكفي من التنازلات من أجل المغرب الممكن الذي يستحقه المغاربة. الشيء الذي يدعو إلى إعادة صياغة أسئلة الحزب فكريا وتنظيميا باستحضار العقل النقدي لكل المسارات التي اختارها الحزب أو فرضت عليه ، من المعارضة لكل شيء إلى القبول بأي شيء. وبالتالي قراءة واقع الذات الحزبية قراءة تجيب عن سؤال: أي حزب لأي مرحلة؟ إيمانا بالنسبية، لأن الفعل الانساني الرصين فكريا و عمليا، عدو للمطلق و عدو للتقديس سواء تعلق الأمر بالأفكار أو الأشخاص أو اللحظات التاريخية.
لقد جسد الاتحاد عبر تاريخه، القدرة في كل مرحلة على أن يقدم من خلال مؤتمراته، الاجابات التي تتلاءم مع اللحظة التاريخية، و يعمل على بلورتها في أدواته التنظيمية ووممارسة أعضائه في مختلف المواقع التنظيمية.
لقد أجاب المؤتمر الاستثنائي (1975) عن سؤال: من نحن و ماذا نريد؟ و اختار الوضوح الايديولوجي فكريا، والمركزية الديمقراطية تنظيميا، و استراتيجية النضال الديمقراطي سياسيا، و الانغراس وسط الجماهير المعنية بالتغيير سلوكا و ممارسة.
و أجاب المؤتمر الثالث (1978) على سؤال النظام السياسي الذي يجعل من المغرب دولة ومجتمعا في مصاف البلدان التي تنعم بالديمقراطية والاستقرار. وكان الجواب هو الملكية البرلمانية التي تعني التغيير الجذري للنظام السياسي المخزني من ملكية رئاسية تستظل بها الطبقات المستغِلة إلى ملكية برلمانية يكون الملك فيها حكما فوق الاحزاب والطبقات….الخ وهو ما أعلنه البيان السياسي الذي تم تقليص تداوله و بالتالي إقباره. و كان الجواب على مستوى التنظيم و الممارسة هو المزيد من الانغراس وسط الجماهير و النضال معها و من خلالها و في طليعتها. فتم تأسيس :ك.د.ش و استرجاع شرعية أ.و.ط.م…و استعادة الحيوية و الفعل التأطيري للعديد من الجمعيات الشبابية والنقابية و الحقوقية ( لاميج…الطفولة الشعبية… جمعية الشعلة…النقابة الوطنية للتعليم العالي…الاتحاد الوطني للمهندسين…هيئات المحامين…اتحاد كتاب المغرب…المنظمة المغربية لحقوق الانسان….الخ)
و جاء المؤتمر الرابع (1984) لا ليصادق، بل ليرفض رفضا قاطعا مشروع تقرير “الأزمة المجتمعية و البناء الديمقراطي” الذي كان يؤشر لبداية التراجعات و التنازلات و الدخول في التوافقات غير المحسوبة و التضحية بكل المكتسبات التي جاءت بعد نضالات و تضحيات ملموسة (الاضراب العام يونيو 1980 …الموقف من استفتاء تمديد مدة البرلمان…مشكل العودة الى البرلمان بعد استيفائه لمدته…الموقف من استفتاء الصحراء في نيروبي….الخ)
و قدم المؤتمر الخامس (1989) الجواب الواضح على سؤال المواطنة للقطع مع دولة الرعايا و جعل من قضية حقوق الانسان مدخلا أساسيا لكل اصلاح سياسي في كل ما يتعلق بالحريات العامة والاعتقال السياسي و ظهير كل ما من شأنه…و حرية الصحافة والحقوق النقابية وتأسيس الجمعيات….الخ وعلى المستوى التنظيمي ركز على إعادة هيكلة الحزب تماشيا مع التحولات الكمية و الكيفية التي عرفها الفعل السياسي الاتحادي تنظيميا ببداية التحول من ثقافة الاستقطاب إلى ثقافة الانخراط مما يستدعي مراجعة القوانين التنظيمية لتتلاءم مع الواقع الجديد. هذه المراجعة التي لم تتم الى أن هيمنت ثقافة الانفتاح التنظيمي وتحولت الى ثقافة الاحتضان لمن لا يمتون للحزب بأي شكل من أشكال القرابة، ووصلت إلى استقطاب الوافدين من الاعيان وتجار الانتخابات.، كما عرفته استحقاقات 8 شتنبر 2021
بعد المؤتمر الخامس، سيدخل الاتحاد مرحلة الخريف الطويل و البطيء، لا سيما بعد وفاة القائد عبد الرحيم الذي كان رائد “سياسة الملاءمة” أي ملاءمة الاختيارات المبدئية مع التحولات الحتمية و متغيرات الواقع التي لا يمكن تجاهلها.
و استمر الخريف يزحف على حزب القوات الشعبية ما يزيد على 12 سنة غابت فيها ثلاث مؤتمرات حسب القانون التنظيمي…و بغيابها انعدم التداول الديمقراطي وتشخصن التنظيم وعمت ظاهرة الولاءات للأشخاص والمواقع وظهر عشاق الفواكه الخريفية وتفككت القيادة السياسية و تاهت التنظيمات القاعدية و تفرخت الاصطفافات الموازية نقابيا و شبابيا و نسائيا…كل هذا مدد عمر خريف شجرة الاتحاد….وجاءت عاصفة التناوب الذي لا إسم له لتزداد الأوراق والأغصان تساقطا و يزداد التصدع و النخور في جذع الشجرة فيأتي المؤتمر السادس (2001) ليحول الاتحاد كل أسئلته الى سؤال بليد هو: من مع التناوب و من ضده (رغم أنه سؤال يخفي أسئلة أكبر منه…أسئلة التآمر المدروس) و يقع الانشطار الكبير الذي أطاح بالكثير من الآمال و تصبح شجرة الاتحاد في خريف دائم لم يعالجه المؤتمران السابع و الثامن، وجاء المؤتمران التاسع والعاشر يعلنا الخروج من الخريف والدخول الى البيات الشتوي الذي دام طيلة تولي سي ادريس قيادة الاتحاد.
إن التذكير بهذه المحطات، لا يعني تمجيد بعضها والاستهجان بالبعض الآخر، ولا الرغبة في إعادة إنتاج أحسنها…ولكنه تذكير يرمي فقط إلى التأكيد على أن مؤتمرات الاتحاد كانت في بداياتها مناسبة لتطارح الأفكار و الرؤى والبحث عن الاجابات الملائمة للمستجدات من أجل تحقيق مكاسب حقيقية للحزب و الوطن.
و ها نحن نرى اليوم أن الاتحاد يتجه إلى مؤتمره الحادي عشر، ليكرس البيات الشتوي. جاعلا من قضية تمديد ولاية الكاتب الأول لخمس سنوات أخرى. هي غاية المؤتمر وأقصى ما ينتظره المناضلون والمناضلات
بكل تأكيد، لا أحد ينتظر من المؤتمر أن يجيب على كل الأسئلة…و لكن عليه في أضعف الحالات أن يضع اللبنات الأساسية لاستحضارها وتحضيرها ووضع الآليات للإجابة عليها بعد المؤتمر من خلال تجديد القاعدة الفكرية و التنظيمية لتتلاءم مع الحاجيات الجديدة للحزب و الوطن…وهذا ما لا يمكن أن يتم في ظل استمرار قيادة لا تؤمن بالحق في الاختلاف وتزكي الرأي الوحيد والأحادي الذي يسطره الزعيم.
شخصيا لم يفاجئني عرض التعديلات القانونية على المجلس الوطني، فمعرفتي الشخصية بالمكونات الذاتية لشخصية ادريس، تسمح لي بالتنبؤ بكل خطواته. لكن مفاجئتي كانت كبيرة من المصادقة عليها بالأغلبية، ومن بين المصوتين كثير من الأخوات والاخوان من أجيال متعددة، جمعتني بهم أخوة عميقة في حزب الاتحاد الاشتراكي، قبل أن يتحول إلى ما هو عليه اليوم. وأحرص بقوة على استمرار العلاقة الانسانية معهم رغم اختلاف التقديرات و التصورات.
لكنهم صدموني حتى النخاع بمسايرتهم لنرجسية ادريس لشكر، مما وضعهم في خانة الإهانة والاحتقار
هل يصدق أن تصل درجة التردي إلى تخريب عقول إخواني وأخواتي بهذا القدر من الضحالة والتفاهة.؟؟؟
هل حقا وصل التدني السائد في السياسة، إلى هذا التحول الاجتثاثي للفكر النقدي بهذه الدرجة من البؤس الذي يدافعون ويدافعن به عن مواقف لا تستقيم مع قيم العقل والأخلاق.؟؟
هل بلغ التحول بإخواني وأخواتي إلى هذا المستوى الخضوعي البليد لمواقف الزعيم و كأنهم فقدوا العقل والتمييز، أو أصيبوا بعمى الألوان.؟؟
هل بلغت بهم البراغماتية إلى هذه الدرجة من الضحالة الفكرية والأخلاقية..؟؟
أربأ بنفسي عن ذكر الأسماء، لكني أخلاقيا ووجدانيا، أتهمهم جميعا بأنهم لم يساهموا فقط في قتل الاتحاد، بل إنهم يشيعونه إلى مثواه الأخير. ويسدون آخر تقب أمل في جدار اليأس لانقاد حزب القوات الشعبية.
إن ولاية ثالثة لادريس لشكر في قيادة الاتحاد، تحتم على كل الذين لا زالوا يحملون الفكرة الاتحادية الأصيلة بمرجعياتها وتحولاتها وثوابها وقيمها…عليهم جميعا أن يطرحوا سؤال ما العمل الذي يرمي الى إيجاد بدائل موضوعية وعملية وميدانية تجيب على أسئلة الوطن وأسئلة أدوات الفعل والتأطير لأن الاتحاد الاشتراكي في ظل لشكر لن يكون سوى أسما بدون مسمى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube