احمد رباصمستجدات

جون لانجشو أوستين.. نظرية أفعال الكلام وامتداداتها (الجزء الأول)

أحمد رباص – حرة بريس

كان جون لانجشو أوستين أحد أكثر الفلاسفة البريطانيين تأثيرا في عصره، وذلك بسبب تفكيره الصارم وشخصيته غير العادية وطريقته الفلسفية المبتكرة.
وفقا لتلميذه وصديقه جون سيرل، كان محبوبا ومكروها في آن واحد من قبل معاصريه. مثل سقراط، يبدو أنه دمر كل العقيدة الفلسفية دون أن يقدم أرثوذكسية بديلة، مريحة بنفس القدر.
اشتهر أوستن بمساهمتين رئيسيتين في الفلسفة المعاصرة: أولاً، “علم الظواهر اللغوية”، القائم على طريقة خاصة في التحليل الفلسفي للمفاهيم وطرق التعبير في اللغة اليومية. وثانيا، نظرية افعال الكلام، التي تنبني على الفكرة القائلة بأن كل استخدام للغة يحمل بعدا أدائيا (في الشعار المعروف، “أن تقول شيئا يعني أن تفعل شيئا”).
كان لنظرية أفعال الكلام نتائج مهمة واستعمالات مفيدة في مجالات بحث متنوعة مثل فلسفة اللغة والأخلاق والفلسفة السياسية وفلسفة القانون واللسانيات والذكاء الصناعي والفلسفة النسوية.
في هذه السلسلة من المقالات سوف ندرس منهجية أوستن اللغوية ونظرية أفعال الكلام الخاصة به، ونتناول المساهمات الأصلية التي قدمها في نظرية المعرفة وفلسفة الفعل. وسوف نختتمها بالتركيز على تطورين رئيسيين لنظرية أفعال الكلام – الخلاف بين الاصطلاحية والقصدية، والجدل حول حرية التعبير، البورنوغرافيا، والرقابة.
ولد جون لانجشو أوستين في 26 مارس 1911 في لانكستر بإنجلترا. تلقى تكوينا في الأدب الكلاسيكي في كلية باليول بأكسفورد. جاء إلى الفلسفة أولاً من خلال دراسة أرسطو، الذي أثر بعمق في طريقته الفلسفية. كما انكب على دراسة فلسفة لايبنتز وترجم كتاب “أسس علم الحساب” لـغوتلوب فريجه.
أمضى أوستين حياته الأكاديمية بأكملها في أكسفورد، حيث كان أستاذ وايت في الفلسفة الأخلاقية من عام 1952 حتى وفاته في عام 1960.
خلال الحرب العالمية الثانية، تم تجنيد أوستين ضمن فيلق الاستخبارات الرائد، ولعب دورا في تنظيم يوم الإنزال. ترك الجيش البريطاني عام 1945 برتبة مقدم. لم ينشر سوى سبع مقالات. وفي شهادة لسيرل، كان إحجام أوستن عن النشر سمةً جزئية لموقفه الخاص، ولكنه كان أيضا جزء من ثقافة أكسفورد في ذلك الوقت: “كان لدى أكسفورد تقليد طويل في عدم النشر خلال حياة المرء، وفي الواقع كان يُنظر إلى النشر على أنه مبتذل نوعا ما” (سيرل 2001 ، 227). وهكذا تم نشر معظم أعمال أوستين بعد وفاته.
كان لدى أوستين استياء عميق ليس فقط من الطريقة التقليدية في التفلسف، ولكن أيضا من الوضعية المنطقية (التي كان رائدها في أكسفورد ألفريد جولز آير).
على وجه خاص، كان عدم رضاه موجها إلى طريقة في ممارسة الفلسفة كانت، في نظره، مسؤولة عن إنتاج ثنائيات رتيبة، وبدلاً من توضيح القضايا المعنية، بدا أنها تؤدي إلى اختزالية مفرطة ودوغمائية.
وهكذا طور أوستين منهجية فلسفية وأسلوبا جديدا، أصبح نموذجا لفلسفة اللغة العادية.
لم يدع أوستين أن هذه المنهجية هي المنهجية الصحيحة الوحيدة التي يجب اعتمادها. بل على العكس من ذلك، قدم مقاربة أولية قيمة على الأقل لبعض أكثر مشاكل الفلسفة الغربية حضورا، مثل مشاكل الحرية والمسؤولية والإدراك.
وفقا لأوستين، يجب أن تكون نقطة البداية للفلسفة هي تحليل مفاهيم وأنماط التعبير في كل لغة يومية، والاعتراف بلغتنا العادية. وهذا من شأنه أن يساعد من ناحية على تفكيك “الأخطاء الفلسفية” الناجمة عن الطريقة التي يستخدم بها الفلاسفة كلمات عادية معينة، ومن ناحية أخرى، على الوصول إلى السمات الحقيقية للعالم التي تتميز بالتعبيرات التي نستخدمها لوصفه.
اللغة العادية ليست هي الكلمة الأخيرة، التي من حيث المبدأ يمكن استكمالها وتحسينها في كل مكان والاستعاضة عنها. ولكن تذكر فقط أنها الكلمة الأولى. [Austin 1956a/1961, 185]

(يتبع)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube