احمد رباصمستجدات

في الجشع والتباهي وتسليع الثقافة وأشياء أخرى

أحمد رباص – حرة بريس

الجامع فين قريتي أنا اللي بنيتو”…عادة ما نلجأ لترديد هذه القولة المسكوكة للرد على مخاطبنا الذي نلمس بطريقة من الطرق أنه يهيئ لنا مقلبا في الخفاء أو، على الأقل، يضمر قصدا ما..
من خلال فحوى هذه القولة المتداولة عندنا بكثرة، نسلم بأن باني الجامع أو أي بناية ذات وظيفة تعليمية أو تربوية قد تكون مكانته أفضل من الذي استفاد من خدمات المؤسسة التنشئوية. الا أن الواقع المغربي يفنذ هذا التصور جملة وتفصيلا..هذا الاستنتاج لا يكون مستساغا ومقبولا الا بايراد وقائع ملموسة..
حتى أدعم الاستنتاج اياه أسوق لكم ما وقع لمقاول بناء كبير انتقل من مجرد مياوم الى أن أصبح صاحب مقاولة كبيرة ومصانع وأراض وقصور وفيلات هنا وهناك، يشهد له التاريخ المحلي لمدينة مغربية ساحلية على توسعه العمراني والترامي على الوعاءات العقارية التي احتضنت أوراش بنائه الضخمة. .
لكن رغم توسع امبراطوريته/مقاولته لم يتمكن من توجيه ابنه البكر توجيها مثمرا نحو الدراسة لنيل الشواهد الجامعية العليا علما بأن الامكانيات متوفرة بما يزيد عن الحاجات (بالجمع) وكانت النتيجة أن الولد شبه أباه فكان ظليما وضليما (ذكر النعامة)..
لقد قرأنا عنه في أعمدة الصحافة الوطنية المكتوبة كيف تورط في قضية اختلاس أموال من فرع البنك الشعبي بباريس صحبة صديقه ومواطنه.
كما قرانا في نفس المصادر أنه طولب منه للافراج عنه ومتابعته في حالة سراح بأداء كفالة قدرها 300 مليون سنتيم..
يمكن لنا أن نتوسع في مناقشة هذه القولة باستحضار شذرات من الذاكرة..في أواسط التسعينيات من القرن الماضي (هذا يدل على أني أصبحت منذ سنوات مخضرما) كتب لي أن أحضر حفلا أدبيا أقيم في رحاب المركب الثقافي عبد الرحيم بوعبيد، تحديدا لتكريم محمد بنيس الذي مارس تدريس اللغة العربية في ثانوية ابن ياسين المجاورة لمحكمة المحمدية قبل أن يصبح أستاذا جامعيا في الرباط العاصمة..
في تلك الأمسية الأدبية التي ترأسها حسن نجمي وشارك فيها المحتفى به الى جانب صلاح بوسريف. مرت فعاليات التكريم في أجواء عادية وحضرها جمهور متميز من الطلبة والأساتذه والأطر الحرة من كلا الجنسين..
حينما أعطيت الكلمة لمحمد بنيس للرد على تعابير الحفاوة بشخصه والاعتراف بابداعاته وكتاباته، جنح الى الذاتوية وشرع يتحدث عن نفسه باعتباره مالكا لمفاتيح فاس والمحمدية، اشارة الى أنه مالك لعقارات في كلتا المدينتين..
زاد على ذلك تباهيه بأنه يعشق البحر بجنون لكونه مصدر الهامه ومحفز قريحته، لذا اختار أن يبني له فيلا تشرف أبوابها ونوافذها على شرفات البحر حيث الأمواج منهمكة على الدوام في مطاردة بعضها البعض.
لما حان أوان المناقشة، فتح حسن نجمي لائحة المتدخلين وقال قبل الشروع في تسجيل الأسماء أنه سوف يقدم للجمهور كل متدخل يعرفه بكلمات قبل الاذن له بالتدخل..
بمجرد ما انتهى حسن من توجيهاته العملية والتنظيمية حتى رفعت يدي معلنا عن رغبتي في المشاركة في النقاش. تجاوب حسن تلقائيا مع حركتي وقال للحاضرين أقدم لكم رجل تعليم يكتب ويترجم..
بعد ذلك تناولت الميكروفون وارتجلت تدخلا تناولت فيه عدة نقط منها ما يمت بصلة لمعوقات القراءة في واقعنا وبنيتنا السياسية والاجتماعية والفكرية، ثم ختمت تدخلي بالرد على التباهي الذي صدر عن بنيس لما صرح لنا بامتلاكه لمفاتيح كثيرة وبعشقه للبحر، فقلت له لقد جئت من فاس الى المحمدية حاملا محفظة فيها آجورة وكتاب. الى ذلك أضفت أن هذه المدينة تعطي للبراني وتتنكر لأبنائها الذين يريدون أن تكون لها اضافة نوعية من خلال تطلعاتهم الى فتح أبوابها على آفاق المعرفة والابداع..
صادف ردي لدى الجمهور الحاضر تجاوبا واستحسانا ما جعل هدير التصفيقات يتعالى بشكل فاجأ مسير الحلقة الذي وضع كما الآخران في وضع حرج..
في الخارج، عندما انصرف الكل الى حالهم اقتربت من حسن نجمي محاولا معرفة رأيه في تدخلي فقال لي: “الفيلا ليست سوى سكن مقتطع من البادية وجيء به الى المدينة..”.علمت من فحوى قوله أنه غير راض عن الشطر الثاني من تدخلي الذي أفردته لإحباط رغبة الشاعر بنيس في المباهاة والنزعة الاستعراضية..عندو الزهر مللي ما قلتش ليه بالزعط…
لن أترك، هذه الفرصة تمر دون أن أحكي لكم عما جرى لصديق لازمته ولازمني في سنوات الدراسة من الاعدادي الى الجامعي..مسيرة طويلة، أليست كذلك؟ هذا الصديق كان من ضمن الجمهور الحاضر للأمسية الأدبية التي لم يقبل بنيس أن أحولها الى جلسة فلسفية أثناء مداخلتي..أعرب هو الآخر عن رغبته في الادلاء بدلوه، فكان له ما أراد..
عندما أخذ الميكروفون سأله نجمي عن اسمه فرفض وانتظر منه ان ينطق به كاملا على غرار ما فعل معي في بداية تناولي الكلمة..لم يمتثل حسن لرغبة الصديق الغيور فاضطر المسكين الى التصريح باسمه وجاء تدخله غير واضح تتخلله تلعثمات أبانت عن التأثر البليغ لنفسية صاحبي جراء معاكسة رغبته في أن يتم الاعتراف به من قبل مناضل لا يؤمن سوى بلغة التطوع المصحوب بالاستماتة ونكران الذات وأنى له أن يعترف بشاب مبتدئ يدعي في العلم ثقافة ولكنه يريد مقابلا ماديا حتى يقدم على نشرها (الثقافة) وتعميمها..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube