مستجداتمقالات الرأي

في نقد فزاعة قاموس ” الدولة العميقة ” و” الدكاكين السياسية “

الاستاذ مصطفى المنوزي

يصر بعضنا على اجترار وقائع بمثابة تحصيل حاصل ، إلى درجة العبث والابتدال ، مفادها ان الملكية في مغربنا تنفيذية ، وهو توصيف تؤكده الحقيقة الدستورية قبل الحقيقة الاعلامية والوقائع السياسية في المحك اليومي ، وقد سبق للدكتور محمد الطوزي ان صرح وحلل بما يكفي واستنتج عدم تأهل سياسيينا لتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة وبالأحرى خوض تجربة الملكية البرلمانية ، وهذه وجهة النظر لا تعدو ان تكون ردا على اليسار الوسط أو الموحد أو الراديكالي ، وكذلك الحال بالنسبة لأجنحة اليمين المتعدد كميا ، التقنوقراطي منه والرأسمالي أوالإسلامي ، وإذا كان جليا أن اليسار المعني في العملية هو الذي قام بمراجعات تكييفية او اشتراطية ، فما يهم بعض اليسار ان الحكم لم يعد فرديا ومطلقا ، بفضل التسويات على علاتها وإذعانيتها ، اما بالنسبة لليمين ، فكون معارضاته لم تكن ابدا للنظام ، كما هو الحال بالنسبة للحركة التقدمية ، التي كانت عينها على السلطة ، سواء بالخيار الثوري او الخيار الديمقراطي ؛ بالنسبة اليمين فقد فهم زعماؤه بأن وجودهم رهين بالولاء المطلق لولي نعمتهم ، وفروض الطاعة والإخلاص تقتضي من أي مرشح لرئاسة ” حكومة صاحب الجلالة ” ان يعلن ويمارس واقعيا طقوس التنازل اليومي و المضطرد عن صلاحيته لفائدة جهات ليست بالضرورة الفئات التي انتخبته . من هنا فمطلوب من الديمقراطيين ان يحرصوا على عدم التطبيع مع هذا الأمر الواقع ، الذي يستهدف تبخيس المكتسبات الدستورية ، فصلاحيات الرأس الثانية للسلطة التنفيذية كوزير أول اضعف من صلاحيتها كرئيس حكومة ، فكيف يمكن الدفاع عن حزب بخس قيمة الموقع الدستوري الثاني في هرم الدولة بعد الملك ، وجعل مقاصده (ممارسته ) وليس فقط ألفاظه ( خطابه ) نقضا لكل طموح ديمقراطي بعلة خدمة الملكية ، والحال ان من مصلحة المؤسسة الملكية تحديث نفسها وتكريس بنيات ليبرالية ( سياسية وحقوقية ) لأن البنية التقليدانية لن تنفع لمواجهة الأخطار الأجنبية والأطماع الخارجية التي تحف بالأوطان الصاعدة والدول الواعدة التي تنشد فك الارتباط السلبي والحصار القاتل في العلاقة مع سوء الجوار وفلول الاستعمار . إن توجسنا من مرحلة ما بعد الدولة ، يقتضي منا الدفع بها إلى استنفاذ شروط التحول، بدل الاقتصار على مجرد تكيف اضطراري ، من دولة تابعة إلى ندية حقيقية ، فكيف نتحول من حارس للحدود أودركي المنطقة ، إلى شريك أو وسيط ذو سيادة و جيوستراتيجي مستقل الذمة المالية والسياسية ، دون تمكين ممثلي المجتمع و الأمة من وسائل تأهيل الديمقراطية التمثيلية ، فبغض النظر عن وسائل صناعة الخريطة الانتخابية والسياسية ؛ فإن أخف الاضرار رد عقارب الزمن السياسي إلى اللحظة الدستورانية كلحظة لا يقين تختبر الدولة ومؤسساتها وتوقعاتها ، والتي قد لا تستغني عن السقف الليبرالي ، ولكن يمكن أن تعطل زحف المد الأصولي الرجعي كمنافس حقيقي في الشرعية الدينية والشرعية الاجتماعية الإحسانية ، منافس لا تهمه لا اللحظة الوطنية ولا اللحظة الديمقراطية كغاية ،ما دام تتماهى لدى المحافظين مقتضيات الأمة مع موجبات الوطن ؟
صحيح أن الملك فاعل اساسي في الهندسة الدستورية ، غير ان الخوض في تفاصيل السياسة العمومية وما ينتج عنه من حروب صغيرة ، قد يقحم المؤسسة الملكية في حرج المسؤولية والمساءلة في العلاقة مع تنازع أوتنافس الشرعيات ، والحال أن مبدأ التوقير يقتضي الاقتصار على ما هو أسمى من ذلك ، من مسؤولية حماية الثغور والملة والدين ووفق ما تقتضيه السياسة العامة المؤطرة بالفصل 92 من الدستور ، في انتظار تخلي الأحزاب عن تمثلها بكون الشأن الأمني مجال محفوظ ولا يعنيها ، هذا التخلي الذي لن يتأتى سوى بتشييد المجلس الأعلى للأمن ، والذي لا يعقل ان يظل حبرا على ورق بعد عشر سنوات على قرار دسترته كضامن للحكامة الامنية ، وكأقوى توصية ضمن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة التزم الملك وصادق عليها وأمر بتفعيلها ضمن ضمانات عدم تكرار ماضي سنوات الرصاص .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube