مستجداتمصطفى المنوزي

من أجل ترسيخ الشرعية القانونية قبل الحقيقة القضائية (3)

(لماذا لم يطعن الوكيل العام بمراكش بالنقض في قرار سماع الزوجية ؟ )

كان لابد وأن نعود لبسط ولمناقشة تداعيات قرار محكمة النقض القاضي بجواز سماع دعوى الزوجية خارج الأجل ، فبعد صعوبة معرفة مآل القضية بعد إعادة إحالتها على محكمة الإستئناف بمراكش ، خصوصا وأن التطبيق الخاص بتتبع الملفات توقف ، من حيث الإعلام عند تاريخ الإحالة ورقمها ومضونها ، ولكن بفضل تعاون مكتب زميل توفقنا إلى بلوغ المآل ، حيث فوجئنا بأن هذه تعد أسرع قضية مدنية في الزمن القضائي ، وهو ما يشكل شذوذا عن المألوف والسياق ! وقبل التفصيل وجب التنويه بأنني قررت ألا أوجه أي نقد للقرار الإستئنافي إلا بعد التأكد من مآله وبعدم الطعن من جديد من طرف النيابة العامة أي بعد أن أحيل على الحفظ بتاريخ 21 /12 /2022 . ليطرح السؤال لماذا لم يطعن السيد الوكيل العام في القرار الإستئنافي الصادر بعد إحالة الملف من النقض ؟ رغم أن النيابة العامة طرف في الدعوى وهي من طعنت بالإستئناف في الحكم الإبتدائي والذي تم إلغاؤها إستئنافيا قبل أن يطعن فيه المدعيان بالنقض ويتم نقضه ، وقد دامت المدة ما بين صدور القرار الإستئنافي الأول لفائدة الوكيل العام وصدور القرار الإستئنافي بعد النقض أقل من نصف سنة ؛ فالقرار الإستئنافي الأول صدر بتاريخ ثامن مارس 2022 ، طعن فيه المستأنف عليهما / المدعيان يوم رابع أبريل 2022 ، وأحيل الملف على محكمة النقض بتاريخ 21 /04 / 2022 ، فصدر قرار محكمة النقض بتاريخ 12 / 06 / 2022 وبتاريخ 09/ 07 / 2022 ارجع إلى محكمة الإستئناف بمراكش ويوم 13 / 09 /2022 سجل بالمحكمة تحت عدد جديد 1049 /1611 /2022 ؛ وبتاريخ 16 /09 / 2022 تم تعيين المستشار المقرر ، وفي نفس اليوم أدرج في أول جلسة ؛ ثم تم تأخيره لجلسة 17 /10 / 2022 ثم جلسة 07 / 11 / 2022 وحجز الملف للمداولة لجلسة 21 /11/ 2022 وصدر القرار الإستئنافي بتأييد الحكم الإبتدائي ؛ وبعد إنصرام أجل الطعن بالنقض تمت إحالة الملف على الحفظ بتاريخ 21/ 12 / 2022 ؛ وبهذه السرعة يكون الملف قد حقق الإستثناء قياسا مع قضايا مماثلة ! ومن حقنا أن نتساءل عن موقف السيد الوكيل الذي عبر عنه من خلال المستنتجات بعد النقض و التي جاء في قرار محكمة الإستئنافي أنه تم الإدلاء بها من الطرفين ، أي عن موقفه من تعليلي محكمة النقض والذي اعتمدته محكمة الإستئناف بمراكش حرفيا ، وهي تبت في الملف بهيأة أخرى ؛ دون مناقشته ولا حتى الإشارة لصواب او عدم صواب الحكم الإبتدائي ولا حتى مناقشة أسباب الطعن بالإستئناف الذي تقدم به الوكيل العام ؛ وقبل التعليق حسن بسط تعليل محكمة الإستئناف كالآتي : “” وبعد المداولة طبقا للقانون – بعد النقض والإحالة : حيث إنه طبقا للفصل 369 ق م م ، إذا بتت محكمة النقض في نقطة قانونية ، فإن محكمة الإحالة تتقيد بهذه النقطة . وحيث إن دعوى المستأنف عليهما ترمي إلى الحكم بثبوت الزوجية بينهما منذ يناير 2007 إلى الآن مع ترتيب الآثار على ذلك .وحيث اعتبرت محكمة النقض أن الزواج المدعى به يعود إلى سنة 2007 الذي كانت وقته الفترة الإنتقالية ما تزال سارية المفعول والتي لم تنته إلا في 05/ 02 / 2019 . وأنه حتى على فرض إنتهاء الفترة الإنتقالية ودونما وجود نص يحدد تاريخ سماع دعوى الزوجية ، فإنه يرجع حينئذ للنظر فيها طبقا للمادة 400 من مدونة الأسرة إلى المذهب المالكي وللإجتهاد القضائي الذي يراعي فيه العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف كما ذهب إلى ذلك الحكم المستأنف الذي يتعين تأييده فيما قضى به “” .إن الأمر يقتضي التذكير على أن هذا القرار الإستئنافي قد تحصن لفائدة المستأنف عليهما بصفة شخصية ، وبالتالي رفع عنا الحرج لأن التعليق على القرار ونقده لن يضرهما ، لكن حتى لا يصير هذا القرار الإستئنافي وكذا قرار محكمة النقض الذي بتبنيه من قبل محاكم البلاد سيكون مرجعا خطيرا يقتل كل إرادة لوضع حد للتحايل على مساطر الإذن بالتعدد ، وعلى عمليات الإتجار بتزويج القاصرات وشرعنته . لذلك من حقنا مناقشة القرار الإستئنافي والتعليق عليه من خلال إبداء الملاحظات والمؤاخذات النقدية التالية : 1- القرار زعم أنه سيتقيد بالنقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض طبقا للفصل 369 من قانون المسطرة المدنية ، ولنطرح السؤال حول ما هي النقطة القانونية التي بتت فيها محكمة النقض ؟ إنه بالرجوع إلى تعليل محكمة الإستئناف يتضح بأن ما تم بسطه جاء مبتورا ، فالشق الأول من التعليل جاء كما يلي في نسخة قرار محكمة النقض : “” “لما قضت بعدم قبول طلب الطاعنين بعلة أن أجل سماع دعوى الزوجية يجب أن يتم قبل 5 فبراير 2019 (وهو أجل انتهاء العمل بالترخيص القانوني المؤقت بإقامة دعاوى ثبوت الزوجية الذي كانت تنص عليه المادة 16 من مدونة الأسرة)، وأن تقديمها الدعوى بتاريخ 14-08-2021 (أي خارج فترة سريان المادة 16)، والحال أن الزواج المدعى به يعود لسنة 2007، أي في الزمن الذي كانت فيه المادة 16 ماتزال سارية المفعول (انتهت في 5/2/2019)، تكون قد خرقت المادة المذكورة”. 2- يبدو أن محكمة الإستئناف تذرعت بمقتضيات الفصل 369 اعلاه للتهرب من مناقشة تعليل محكمة النقض ، مكتفية فقط بما بسطته فقط ، والحال أن جوهر النقطة القانونية مرتبط بمدى خرق المادة 16 من المدونة ؛ لأنه حسب محكمة النقض فالزوجية المراد إثباتها تعود لزمن لا زالت فيه المادة 16 مدونة الأسرة سارية المفعول أي سنة 2007 ، وبالتالي فنطاق تطبيق المادة 16 الزمني لا زال ساريا ! . فهل فعلا هذا ما يقصده نص المادة 16 من مدونة الأسرة ؟ أم أن العبرة بتاريخ تقديم دعوى ثبوت الزوجية ( 14 غشت 2021 وفق ما جاء في الحكم الإبتدائي مع ملاحظة وإستغراب : 14 غشت يوم عطلة رسمية ذكرى إسترجاع وادي الذهب !! ) ، عوض تاريخ قيام العلاقة بين المدعيين ( يناير 2007) ؟؟ من هنا لم يسجل أي دور لمحكمة الإستئناف وكأننا بها تؤيد قرارا تصدى بعد النقض ، والحال أنه تم النقض والإحالة دون التصدي ! 3- يتضح بأن القرار الإستئنافي تقيد أكثر من اللازم وبأقل مما جاء في النقطة ، بغض النظر عن سوء تأويله أوتفسيره المغرض للفصل 369 ق م م ؛ في حين أن النقض و إحالة الدعوى على المحكمة للبت فيها من جديد لا يعني الاقتصار على البت في خصوص ما تم النقض بسببه فقط و ليس هذا هو المقصود بما ينص عليه الفصل 369 من ق م م الذي لا يعني عدم البت في باقي الجوانب مادام النقض ينشر الدعوى من جديد أمام المحكمة المحال عليها بعد النقض ، وفي هذا الصدد فإن محكمة النقض اصدرت قــرارا عـدده 18/8 ومـؤرخ فـي 06 / 01 / 2015 في الملف المدني عــدد 2670/1/8/2014 جاء في القاعدة المدبجة به : “” مؤدى عبارة ”التقيد بقرار محكمة النقض” الواردة في الفصل 369 من قانون المسطرة المدنية هو عدم مخالفة النقطة القانونية التي بتت فيها هذه المحكمة ولا يمتد ذلك إلى حرمان محكمة الإحالة من البت في باقي جوانب القضية واعتماد تعليل جديد مستمد من مجموع مستندات ملف القضية لا يتعارض مع نقطة النقض.”” من هنا نؤاخذ على محكمة الإستئناف ، ويا للأسف ، أنها لم تناقش نقطة إنطباق مقتضيات المادة 16في العلاقة مع الأجل وثبوت الأسباب القاهرة ، وهي نقط قانونية مهمة كانت موضوع بسط كموجبات للطعن بالإستئناف اعتمدها الوكيل العام في مقاله وبالتالي فإن المحكمة لما أغفلت مناقشة دفوع الوكيل العام بعلة التقييد بالنقطة التي بتت فيها محكمة النقض تكون قد عللت قرارها تعليلا ناقصا يوازي انعدامه تعرضه للنقض وفق ما قرره المجلس الأعلى سابقا في نازلة مماثلة تحت عدد: 5239 بتاريخ 17/11/1999 موضوع الملف المدني عدد: 5175/1/1/1997.4 – القرار الإستئنافي لم يكتف بتحريف محتوى المادة 16( م . أ ) بل تجاوزه إلى الإدعاء بأن “” هذا ما ذهب إليه الحكم الإبتدائي ( عندما طبق المادة 400 مدونة الأسرة ) “” . فأين التعليل أي كيف طبق الحكم الإبتدائي المادة 400 ؟ وكيف تجاهل القرار وجود المادة 16 والتي تم إنكار وجودها كنص يؤطر القضية ، قضية سماع ثبوت الزوجية إستثناء ، بإشتراط إحترام الأجل وإثبات السبب القاهر الذي حال دون توثيق العلاقة في وقتها !5 – يبدو أن القرار الإستئنافي لم يكن مقتنعا بتعليلي محكمة النقض ، و تفادى التورط ولذلك صاغ تعليلا بمثابة تعبير عن حياد سلبي وكأننا به يقول بمأثورة “” ناقل التعليل ( حرفيا ) ليس بمعلل “” قياسا على “” ناقل الكفر ليس بكافر “” . وإن صراحة الإشارة وذكاء العبارة ، أي عبارة “” اعتبرت محكمة النقض أن الزواج المدعى به يعود إلى سنة 2007 …”” ؛ وعلى الخصوص فعل ” اعتبرت ” أي عدت الزواج قائما داخل الأجل ، وبالتالي يفهم من تعليل محكمة الإستئناف بأنها مضطرة لمسايرة ” اعتبار ” محكمة النقض وتقديرها إحتراما لمقتضى الفصل 369 ق م م . 6 – أما الشق الثاني من التعليل فهو مجرد علة زائدة لأن القرار الإستئنافي تقرر نقضه دون حاجة إلى إفتراض واقعة إنقضاء الفترة الإنتقالية والتي انقضت فعلا . وبالتالي فسوء صياغة هذا الشق من التعليل الزائد يجعل المتلقي يفهم بأنه على أنه كان المحكمة أن تستنجد بالمادة 400 (م أ ) ما لم يوجد نص قانوني يؤطر ، ليبقى السؤال المحير هو لماذا لم يناقش القرار الإستئنافي موضوع تعليقنا وجود النص من عدمه ؟ من الناحية الحجاجية يفترض على أنه لا يعقل أن يقتنع صاحب قرار معين بتعليل قرار صاحبُه غير مقتنع بصلابة موقفه فحاول تعزيزه بتعليل آخر ، مما يوحي بأن هناك مسايرة من أجل جبر الخاطر أو المجاملة أو الإنضباط لتوجيه غير معلن مرده أجواء أو إرهاصات الإعداد لتعديلات مرتقبة ، ولذلك تم الحكم بالتأييد دون التورط بمناقشة التعليل ، انسجاما مع قاعدة “” كم من حاجة قضيناها بتركها “” ، فحصل الإقتداء بالاعتبار عوض إعتبار الإقتضاء تأكيدا للنسبية واحتراما للمسافة الضرورية . 7- نختم بطرح تساؤلات محيرة ؛ ما حدود الأثر القانوني لهذا القرار اليتيم والذي صارت له هالة كبيرة مضخمة بعد تضمينه في خطاب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وهو خطاب تماهت فيه قبعتان ، قبعة نائب الملك والمسؤول ليس فقط عن السلطة القضائية العليا وعن السياسة القضائية العامة والعمومية بل عن الخيارات السيادية والأمنية الحيوية في قطاع العدالة والأمن الاسترانيجي القضائي ؛ وقبعة الرئيس الأول لمحكمة النقض كأعلى هيأة قضائية تحسم النزاعات وتراكم الإجتهادات القضائية كمصدر للتشريع وضبط توازن المصالح وإستقرار اامعاملات ؟ وفي نظري المتواضع علينا التمييز جيدا ورفع التماهي بإعادة قراءة نص الخطاب مليا وتجويد تأويله ، خاصة وأن الأمر يتعلق بمراسيم افتتاح السنة القضائية التي اعتاد الملك ترؤسها بصفة شخصية ، لكن الخطاب حصل فيه نوع من التماهي بين الحديث أصالة وبين التوجيه وكالة أو تفويضا ، وهي إشكالية تستحق من المهتمين والأكاديميين إيلاءه عناية خاصة ونقد موضوعي . ولذلك نضطر في نفس السياق أن نحذر متسائلين هل للقرار المشهور والذي تم إشهاره وترسيمه ، من وقع معنوي وإعلامي ( سياسي ) على عملية تعديل المادة 16 من مدونة الأسرة ، سواء في منحى تكريس مبدأ سماع ثبوت الزوجية أو سواء في إتجاه نسخها بتاتا وعلى أساس المراهنة على أن هذا القرار يعد بمثابة آخر فرصة لمن فاتهم أجل تقديم دعوى الزوجية بالنسبة للزيجات غير الموثقة قبل حلول خامس فبراير 2019 ؟ وفي آخر التحليل والمطاف ، نشير إلى بروز تنافسية ( مشروعة ) بين الشخصيات والمتماهية مع المؤسسات التي يمثلونها ، و لعل هذه التساؤلات / الأمنيات قد تشفي غليل السؤال لماذا أمسك الوكيل العام عن ممارسة الطعن في قضية تمس النظام العام وهو النبيه واليقظ الرقيب والحريص الشديد على كل شاذة وفادة في العلاقة مع الحقوق والحريات والانفاس ، وهو فضاء خصب لتحفيز مطلب تشييد دولة القانون والمؤسسات تنزيها للوطن من شتيمة دولة التعليمات !

مصطفى المنوزي محام رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube