تقاريرمستجدات

تقرير شامل عن المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج “بين الدسترة وعراقيل التنزيل”

تسوية ذ اسامة سعدون المانيا

انجاز ذ .عبد العزيز احديبي، طالب باحث بسلك الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير، المغرب.

ملخص: تمثل نسبة المغاربة المقيمين بالخارج حوالي %15 من مجموع سكان المغرب، وتساهم بقسط كبير في إنعاش الاقتصاد المغربي بالعملة الصعبة. ومع ذلك لا زال المهاجرون المغاربة محرومين من حق المشاركة السياسية في المؤسسات ولا يتم الحديث عنهم إلا في الفترات الانتخابية .ونظرا لهذه الأهمية العددية والاقتصادية حاولنا الغوص في الأسباب التيتعيق مشار كتهم في تسيير أمور بلادهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم كباقي المواطنين. والواضح أنها ترجع إلى عوامل متعددة ومتداخلة مع بعضها البعض، تجد جذورها في السياسة المتبعة من لدن الدولة طيلة العقود الأخيرة من القرن العشرين والتي كانت تنظر إلى هؤلاء كمصدر للعملة الصعبة فقط، مع تشديد المراقبة الأمنية في ظل تواجد العديد من المعارضين ببلادالمهجر. ورغم التحول الشكلي على مستوى الخطاب الرسمي في بداية القرن الحالي والتنصيص على هذا الحق في دستور 2011، فان كل ذلك بقي حبرا على ورق وبعيدا عن التفعيل لتماطل مجلس الجالية المكلف بطرح رأي استشاري في هذاالصدد، وعجز الحكومات المتعاقبة والأحزاب كاملة عن صياغة قانون تنظيمي يسرع تنزيل هذا الحق الدستوري، في الوقت الذي يبقى موقف المعنين ضعيفا سواء كتنظيمات أو كأفراد.

مقدمة:

مع اقتراب كل انتخابات تشريعية بالمغرب تعود مسألة مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج الى الواجهة، و تطرح التساؤلات الجديدة القديمة. لماذا حرمان شريحة كبيرة من المغاربة من حقهم في المشاركة السياسية في المغرب؟ من يقف حجرة عثرة ضد تنزيل مواد الدستور على أرض الواقع التي تخول لهم هذا الحق؟ وترفع الشعارات: “نحن مع المشاركة السياسية لمغاربة الخارج“، “مغاربة العالم جزء من الشعب المغربي...”

وهو ما يجعلنا نسائل السياسات العمومية في مجال الهجرة، حول مدى جديتها في معالجة قضايا المهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج . مادامت مناقشتها وإثارتها لا تبرز إلى الواجهة إلا في المناسبات ،وفي إطار المزايدات السياسية بين الأحزاب بمختلف تلوينها.

إن نقاش سياسة الهجرة إجمالا، لا ينفصل في نظرنا عن السياسات العامة للبلاد، وأن حق المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج مرتبط بباقي الحقوق الأخرى لكافة الشعب المغربي، وهو يعكس ديمقراطية النظام السائد ببلادنا. فتجسيد القانون، وتمتيع المواطنين بحقوقهم هو وحده المعيار الحقيقي والعملي للتحقق من الأقوال، والشعارات، وكل ما يخالف ذلك يبقى مجرد لغو لا طائل منه .

الهدف من المقال:

نسعى من خلال هذا المقال إلى تسليط الضوء على مسألة المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج (داخل البرلمان، ومجلس المستشارين)، وكذلك المساهمة في تسير شؤون البلاد كحق نص عليه دستور سنة 2011 صراحة، بالوقوف على الفصول والبنود التي جاء بها، وكذلك إبراز أهم العراقيل والمبررات التي تجعل هذا الحق مغتصبا، ومعلقا إلى أجل غير مسمى وبالتالي تحديد المسؤول عن حرمان هذه الفئة من حقها الدستوري في اتجاه إنزاله الى أرض الواقع.

الإشكالية: يشكل المغاربة المقيمون بالخارج نسبة تفوق 10بالمئة من الساكنة المغربية حيث يصل عددهم إلى 5, 4 مليون نسمة1 (ويكيبيديا 2019 .)..ويساهمون بشكل أساسي في دخول العملة الصعبة إلى البلاد، ومع ذلك لا يساهمون ولو بجزء بسيط في تقرير مصير بلدهم، ولا يسهرون على تسير مؤسسة واحدة داخل البلد أو خارجه. فما الذي يمنع المغرب من تحقيق حق المشاركة السياسية كحق ينص عليه الدستور للمغاربة المقيمين بالخارج؟

الفرضيات

  • هناك جهات نافذة في الدولة لا ترى ضرورة مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الحياة السياسية داخل البلد في الوقت الحالي، وأن ذلك سيكلف الكثير من الأموال، وإن حصل لن يكون إلا في صالح العدالة والتنمية
  • الرأي الاستشاري لمجلس الجالية المقيمة بالخارج كان له دور بارز في التأثير على قرارات المسؤولين السياسيين بالمغرب، وعدم تحمسهم إلى العمل على إشراك المغاربة المقيمين بالخارج في البرلمان ومجلس المستشارين، بطرحه جملة إشكالات ستطرحها هذه المشاركة عوض طرحه إجابات واضحة وخريطة طريق لتفعيل هذه المشاركة
  • الجالية المغربية المقيمة بالخارج لا تهتم بما يجري في بلدها، وليست لديها الرغبة في المشاركة في تدبير الشأن العام بالمغرب، خاصة في ظل غياب تأطير الأحزاب وضعف تمثيليها هناك مما يجعل هذه الأخيرة بدورها تتواطأ في الإجهاز على هذا الحق الدستوري

المحور الأول: سياسة المغرب تجاه المهاجرين بالخار ج في النصف الثاني من القرن العشرين

تميزت السياسات العمومية المغربية في مجال الهجرة بمرحلتين متميزتين الأولى تزامنت مع “سنوات الرصاص” وشابها نوع من الجفاء واللامبالاة والرقابة الشديدة لتحركات المهاجرين خاصة بتواجد العديد من المناضلين والمعارضين لنظام الحسن الثاني ببلدان الاستقبال ولم يكن ينظر إلى المهاجرين سوى مصدر للعملة الصعبة

أما المرحلة الثانية فيمكن أن نقول إنها عرفت نوعا من الانفراج في التعاطي مع المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج وأصبح الخطاب الرسمي يستحضر هذه الفئة وهمومها، بل الأمر تعدى ذلك إلى خلق العديد من المؤسسات والهيئات المهتمة بهذه الشريحة والعمل على عقد وإبرام اتفاقيات مع العديد من الدول المستقبلة لصون كرامة وحقوق ” هؤلاء المواطنين ” والعمل على تسهيل اندماجهم ببلدان الاستقبال وتحسين مشاركتهم ببلدهم الأصل.

1 – المقاربة الامنية والقانونية

إذا كانت الهجرة بالنسبة إلى المغرب كباقي البلدان المصدرة للمهاجرين مصدرا للعملة الصعبة ،وعاملا مهما في التنفيس عن البطالة البنيوية للأنظمة الرأسمالية والتابعة لها على حد سواء، فإنها كانت وسيلة عملية للاستعمار لإفراغ المناطق الثائرة والمستعصية على السيطرة من سكانها وشبابها حتى تسهل السيطرة عليها وهي السياسة ذاتها التي اتبعتها الدولة ما بعد 1956 إلى حدود السبعينات ” فإن الدولة عملت على تشجيع الهجرة نحو الخارج بالنسبة إلى بعض المناطق وهذا راجع لأسباب سياسية تستهدف مناطق معينة أكثر من غيرها على الأخص منطقتي الريف والأطلس المتوسط وذلك لسببين أساسين أولهما الدور الحاسم الذي لعبه الضباط المنحدرون من هاتين المنطقتين في محاولتي الانقلاب العسكري لعامي 1971 و1972، وثانيهما الانشقاق السياسي شبه المستمر لمنطقة الريف، ذلك الانشقاق الذي كان له علاقة مباشرة بالمقاومة البطولية للأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي (حوالي العشرينات)، والهدف هو إفراغ هذه المناطق التي ظلت تشكل مصدر قلق بالنسبة إلى النظام ، وقد شرع في هذه السياسة منذ سنة1959 م2 وهو تاريخ الانتفاضة الشعبية في منطقة الريف التي عرفت استشهاد العديد من الريفيين وسجن آخرين أو فرارهم نحو المنفى.

وهي العملية ذاتها التي استمرت مع العديد من الطلاب والشباب خصوصا في فترة السبعينات (فترة الانقلابين وتنامي اليسار الثوري)، فقد ارتفع عدد الطلاب المتوجهين إلى الخارج بنسبة 44% منذ أكتوبر عام 19713 ، بالمقارنة مع السنوات التي انقضت حيث لم يتوقف عند هذه الحدود بل تعدى ذلك إلى مستوى المراقبة الصارمة ، ورصد تحركات المهاجرين على مستوى المهجر (بلدان الاستقبال) خاصة وأن هذه البلدان أصبحت تحتضن العديد من المناضلين المعارضين للنظام.

إذ عملت الدولة منذ أواسط الستينات على التعاطي مع المهاجرين بالخارج بنوع من الريبة والتحفظ لتواجد العديد من المناضلين والمعارضين للنظام آنذاك كما أسلفنا الذكر” وقد طغى هاجس الحفاظ على أمن النظام على علاقة الدولة بمهاجريها وانشغال المسؤولين في هذا الملف بملاحقة المناضلين الذين تغلغلوا في صفوف المهاجرين وبالتركيز على مراقبة الأخيرين وضبطهم وربطهم بفروض الطاعة والولاء وتطويقهم بجيوش من المخبرين والجواسيس الذين تحولوا إلى عصابات تبتز المهاجرين وتهددهم بالوشاية الكاذبة باتهامهم بالعداء للنظام وللوحدة الترابية لأنهم لم يمتثلوا لرغباتها4

سياسة أمنية محضة تجلت بشكل واضح من خلال زرع الدولة للعديد من المخبرين والجواسيس بوداديات التجار والعمال المغاربة بالخارج التي تشكلت في “أول الأمر بمبادرة عفوية لبعض التجار المغاربة قصد تنظيم العلاقات بينهم وخلق فضاءات مغربية خاصة بهم وتنظيم الاحتفالات الدينية والوطنية كمناسبات للتواصل وهو ما كان يتعذر في الأيام العادية بالنظر إلى قلتهم وتوزيعهم على مناطق وجغرافيات إقامة متباعدة5

وفي ظل تنامي أنشطتها ازداد تخوف الدولة من مثل هذه التنظيمات فعملت على استغلال العلاقة التي تربط الوداديات بممثلي الدولة والقناصل كمدخل لضبط تحركات هؤلاء، فعملت على تطعيم هذه الوداديات بعناصر موالية لها وتشتغل لحسابها كما عمدت على تأسيس أخرى في كل الدول التي توجد فيها سفارات للمغرب6 ، هذا الوضع يلخص علاقة “اللاثقة” التي سادت ما بين الدولة والمهاجرين طيلة عقد السبعينات والثمانينات، والتي لم تعرف انفراجا إلا بتبني الدولة لشعارات سياسية من قبيل “الإنصاف والمصالحة” و”طي صفحة الماضي” و”عودة المنفيين” . لكن هذا الانفراج الذي تجاوز وضع الصدام، لا يعني تبني سياسة قائمة على إشراك المهاجرين في تسير شؤون بلادهم، بقدر ما يعبر عن رغبة المسؤولين في البلد عن توفير كل شروط الانتقال السلمي للسلطة وبالتالي ابتلاع المعارضة المحتملة، وتذويبها بإشراكها في إدارة اللعبة السياسية لتصبح جزءا من الطبقة الحاكمة.

تميز تعاطي الدولة مع ملف المهاجرين المغاربة وإشكالاتهم بنوع من التجاهل واللامبالاة إذ ظلت قضاياهم مغيبة تماما في جل دساتير البلاد ولم يكن لها أي حضور يذكر في مخططات الحكومة ، بل الأكثر من ذلك عملت على تشجيع الهجرة وتسهيلها كسياسة للتخلص من سكان المناطق “المتقلقلة” وهذه سمة أزيد من نصف قرن من التعاطي السلبي مع جزء من المواطنين المغاربة بالخارج وقضاياهم والأسوأ من ذلك أن استحضار هذه الشريحة والحديث عنها في الخطاب الرسمي كان مرتبطا بما تدره من عملة صعبة ظل هاجس جلبها الهدف الرئيسي لكل السياسات العمومية في المجال خلال العقود المنفرطة من القرن الماضي فإذا كانت “السياسات المتبعة من طرف الدول المستقبلة جد محدودة وكانت تبرر جلب اليد العاملة كاستجابة لإكراهات اقتصادية واجتماعية وعسكرية فعملت على تبرير ذلك بخطابات ديماغوجية من قبيل حصول المهاجرين على “تأهيل مهني” واكتساب “قيم العصر” في المقابل كانت الهجرة بالنسبة إلى الدول المصدرة “الأصلية” مصدرا أساسيا للعملة الصعبة بفضل التحويلات المالية إضافة إلى كونها عاملا ساهم في الحد من ظاهرة البطالة وتمكين أسر المهاجرين من تحسين وضعهم الاقتصادي7.

  1. تعدد المؤسسات، وغياب استراتيجية واضحة

في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وانسجاما مع الشعارات التي رفعتها الدولة ، عملت هذه الأخيرة على إحداث مجموعة من المؤسسات التي تهتم بقضايا المهاجرين منها: مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تأسست سنة 1990، بعد زيارة الحسن الثاني لفرنسا بقانون 19/89 الذي نشر بظهير رقم 1.9079 مؤرخ ب13 يوليوز 19908، كذلك الوزارة المكلفة بشؤون الجالية المغربية المقيمة بالخارج تم إحداثها في 6 يونيو 1990 تحت رئاسة رفيق حداوي و بنك العمل أحدث بتاريخ 28مارس 1989.

والتي كان دورها ينحصر أساسا في استقبال المهاجرين خلال فصل الصيف، وتنظيم لقاءات وندوات موسمية خاصة المؤسستان الأوليان ،أما إحداث بنك العمل فكان الهدف من إنشائه تشجيع المهاجرين على الاستثمار داخل البلاد .

والملاحظ أن هناك تداخلا واضحا في المهام المنوطة بهذه المؤسسات في غياب رؤية واضحة في معالجة الملف. وكل عملها لا يتجاوز تنظيم بعض الندوات أو المهرجانات الصيفية، وفي أحسن الأحوال استقبال المهاجرين في المطارات والموانئ أثناء العطلة الصيفية، ولم يتغير أي شيء فيما يتعلق بتسيير هذه المؤسسات أو غيرها.

  1. – منظور الدولة لقضايا الهجرة خلال العهد الجديد/ الدولة لا تحترم قرارتها عملت الدولة منذ تولى الملك محمد السادس العرش على رفع شعارات جديدة تعكس انتقال الحكم إلى الملك الجديد ك “العهد الجديد” و”الإنصاف والمصالحة” و”الانتقال الديمقراطي”، وقد سعت عمليا إلى مناقشة ملفات كانت تعكس الوضع المتأزم بالمغرب، حيث عمل النظام الحاكم منذ نهاية التسعينات علىاطلاق سراح مجموعة من المعتقلين السياسيين، وعودة المنفيين، وكذلك جعل المعارضة جزءا من اللعبة ،وأن تتحمل جزءا من التسيير وبالتالي المحاسبة وقد كانت حكومة عبد الرحمان اليوسفي نتيجة لهذا المسار ،واستمر النظام في استراتيجية إعادة ترتيب الأوراق، وتحقيق إجماع حول الملك الجديد فكان شعار “التناوب التوافقي” و”الانتقال الديمقراطي” و”دولة الحق والقانون” على المحك.

ورغم ذلك لم يتم طرح أي مقاربة واضحة في ملف الهجرة ماعدا المقاربة الأمنية التي تقوم على منع الهجرة السرية وموجات “الحريك” التي تزايدت بشكل كبير في اتجاه دول الشمال طيلة عقد التسعينات وإلى حدود 2005 ، وبقيت النظرة الى المغاربة المقيمين بالخارج براغماتية تنظر إلى هذه الشريحة مجرد مصدر للعملة الصعبة.

والمتتبع سيجد أن هناك تغيرا واضحا في التعاطي مع الملف على الأقل من حيث الخطاب ،فالخطابات الملكية لسنوات 2005 و2006، قد دعت إلى تمكين المغاربة من حق المشاركة السياسية ،والاعتراف” بالمواطنة المنقوصة “بدونه. إذ جاء في خطاب الملك ليوم 6 نونبر 2005 ما يلي: «فقد اتخذنا أربع قرارات هامة ومتكاملة:

أولها : تمكين المغاربة بالخارج من تمثيليتهم عن جدارة واستحقاق في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية، أما القرار الثاني، المترتب عن الأول فيتعلق بوجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، ليتسنى لمواطنينا بالمهجر اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان علما بأنهم يتمتعون، على قدم المساواة بالحقوق السياسية والمدنية التي يخولها القانون لكل المغاربة ليكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن.

ويأتي قرارنا الثالث، بتمكين الأجيال الصاعدة من جاليتنا العزيزة من حق التصويت والترشيح في الانتخابات على غرار آبائهم، تجسيدا لمبدإ المساواة في المواطنة.

ولهذه الغاية ، نصدر تعليماتنا للحكومة، لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذه القرارات الثلاثة عند مراجعاتها لمنظومة الانتخابات وسيظل هدفا أبعد من ذلك في التجارب مع الطموح الكبير، لمواطنينا المقيمين بالخارج بفتح كل فضاءات وأنماط المشاركة أمامهم ، أما القرار الرابع فيهم إحداث المجلس الأعلى للجالية.

هي دعوة صريحة لإكمال المواطنة المنقوصة” للمغاربة المقيمين بالخارج وتمتيعهم بالحق في الانتخاب والترشح كباقي المواطنين أي المشاركة في اختيار ممثلين للشعب في البرلمان، وأيضا المساهمة في تسيير البلاد9 .

وبعدما عبرت الجالية عن ارتياحها لهذه المكتسبات، وكانت تنتظر تجسيدها عمليا كانت النكسة هي انتخابات 2007 وتذرع المسؤولين بمبرر ضيق الوقت، مما دفع أصواتا عديدة من الجالية وخاصة المجتمع المدني الى رفض هذا التماطل ومواصلة الضغط من أجل تفعيل هذا الحق. وتم الاكتفاء بخلقمجلس الجالية أي النقطة الرابعة. وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام

لماذا تفعيل هذه النقطة دون غيرها؟

أليس الهدف هو احتواء الأصوات المعارضة وإسكاتها؟

ليس في نيتنا الجواب عن هذه الأسئلة الآن لأن المقال لا يتسع لذلك، لكن نشير إلى أن المجلس بحد ذاته لقي انتقادات كثيرة حول طريقة اختيار أعضائه، وأنه لم يراع التمثيلية سواء على المستوى الجغرافي( جل الأعضاء ينتمون إلى القارة الأوربية) أو الجنس (هيمنة الذكور)، وكذلك أنه لم يتم استكمال عدد الأعضاء، ولا تجديد التركيبة التي كان من المفترض تجديدها بعد أربع سنوات ونحن اليوم وصلنا الى إحدى تلاثة عشر سنة من إحداث المجلس.

بقي الوضع على حاله ولم يحصل أي تطور يذكر حتى سنة 2011 مع ما عرفته منطقة شمال إفريقيا، والعالم من انتفاضات (مصر، تونس)، لم يستثن المغرب منها، مما دفع بالسلطات المغربية إلى الإسراع في احتواء الوضع ،وخاطب الملك الشعب في 9 مارس ودع ا إلى طرح دستور جديد للبلاد .

كان نصيب الهجرة و المهاجرين المغاربة أربع مواد نصت على دسترة المشاركة السياسية و حق انتخاب و ترشيح المغاربة في المؤسسات بالإضافة الى دسترة مجلس الجالية كهيئة استشارية و أهم ما جاء في هذه المواد

  • الفصل 16 : تعمل المملكة المغربية على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين والمواطنات المغاربة المقيمين في الخارج. في إطار احترام القانون الدولي، والقوانين الجاري بها العمل في بلدان الاستقبال. كما تحرص على الحفاظ على الوشائج الإنسانية معهم، ولاسيما الثقافية منها، وتعمل على تنميتها وصيانة هويتهم الوطنية. تسهر الدولة على تقوية مساهمتهم في تنمية وطنهم المغرب، وكذا على تمتين أواصر الصداقة والتعاون مع حكومات ومجتمعات البلدان المقيمين بها، أو التي يعتبرون منمواطنيها.
  • الفصل 17: يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة الكاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية ،المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة.
  • الفصل 18: تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج ،في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون.
  • الفصل 163 من الدستور المغربي لسنة 2011: يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج على الخصوص إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمينالحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية. وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه.
  • الفصل 30 يتمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين والمواطنات المغاربة ،

وفق القانون. ويمكن للأجانب المقيمين بالمغرب المشاركة في الانتخابات المحلية، بمقتضى القانون أوتطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسة المعاملة بالمثل. يحدد القانون شروط تسليم الأشخاص المتابعين أوالمدانين لدول أجنبية، وكذا شروط منح حق اللجوء.

بعد مرور ثمانية سنوات على التصويت على الدستور ،وأكثر من 10 سنوات على خطاب الملك لسنة 2005، يتضح أن كل ما طرح في هذا الجانب بقي حبرا على ورق، وأن الحكومة بعكس إصرارها على إصدار قوانين تنظيمية و “إصلاحات” مست عدة قطاعات فإنها لم تحرك ساكنا فيما يتعلق بالقانون التنظيمي المتعلق بهذه المسألة.

والخطير في الأمر أن هذا الواقع يوضح خرقا سافرا لأعلى وأسمى قانون بالبلاد وهو الدستور ،وكذلك الخطابات الملكية التي تعبر في أغلب الأحوال عن اتجاه السياسة العمومية. و يبقى التساؤل المطروح ما العوامل الحقيقية لحرمان 15 بالمئة من المغاربة من حقهم في المشاركة السياسية ببلدهم الأصلي ؟

المحور الثاني: عراقيل إنزال الحقوق الدستورية لمغاربة العالم

في نظرنا المتواضع هناك أربعة عوامل أساسية تشكل حجر عثرة أمام وقف تنفيذ حق المغاربة المقيمين بالخارج في المشاركة السياسية، قد تختلف من حيث أهميتها وتأثيرها على التجسيد الفعلي لهذا الحق، لكنها تشكل مجتمعة ومتداخلة عائقا يحول دون الانتقال من الخطاب إلى التطبيق.

1) فزاعة تجربة المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج سنة 1984

عرف المغرب إبان التجربة البرلمانية للفترة الممتدة ما بين 1984-1992 مشاركة المغاربة في الخارج، حيث تضمنت رسما انتخابيا في خمس دوائر. لكن هذه التجربة لم تعط النتائج المتوخاة منها إذ تعرضت للفشل، و الذي يمكن أن نرجعه إلى عوامل أساسية منها:

  • تقطيع انتخابي لم يراع التنوع الذي يميز الجالية المغربية.
  • تغيير بعض النواب لألوانهم الانتخابية أي الترحال السياسي كما هو سائد في المغرب.
  • عدم الانضباط والحضور الفعال لهؤلاء الممثلين المفترضين لفئة من المغاربة10 .

شكل هذا الفشل بالنسبة إلى المعارضين لمشاركة المغاربة المقيمين بالخارج ذريعة يرددونها اليوم بدون إدراك مسألتين أساسيتين:

أولهما أن ذلك يشكل تجربة أولى كان طبيعيا أن تسقط في بعض الأخطاء التي ينبغي تقويتها وتصحيحها، وثانيهما أن السياق والظرف التاريخي الذي ولدت فيه هذه التجربة يعرف فسادا مستشريا في جسد بنية النظام، فكان طبيعيا أن يؤثر ذلك الجو العام على هذه التجربة التي ينبغي الاستفادة منها اليوم ،وليس اعتبارها كفزاعة لشرعنة حرمان حوالي 15 بالمئة من المواطنين من حقهم المقدس والدستوري.

بعد هذه الفترة ظلت الحكومات تتعاطى مع مسألة المشاركة السياسية بالنسبة إلى الجالية المغربية المقيمة بالخارج بنوع من اللامبالاة ،والبحث عن الحجج ،والذرائع الواهية في عدم تجسيدها لهذا المطلب المشروع للجالية، وللأصوات المناضلة ببلاد المهجر. فبعد انتخابات 2002 ظلت حكومة التناوب تتذرعب “ضيق الوقت” و” صعوبة التقطيع الانتخابي”، وتلتها انتخابات 2007 وكان الكل يتوقع إجراءات جادة، وتدابير ملائمة لتفعيل قرارات الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2005 لكن لا شيء من هذا حصل ،وبقيت الحكومة تردد نفس المبررات، بل إن بيانا مشتركا بين الحكومة وأحزاب الأغلبية بصدد الانتخابات البرلمانية دعا إلى ضرورة التمهل والتريث فيما يخص الترشيح لأفراد الجالية.

ونفس الأمر جرى مع انتخابات 2011، رغم ما جاء به الدستور الجديد آنذاك في مجال الهجرة ،والمشاركة السياسية، وإلى اليوم لم تقدم الحكومة القانون التنظيمي، عكس ما فعلت في ملفات أخرى ، وتعاطت ببرودة مع هذا الملف، إن لم نقل تجاهله وعدم ذكره إلا في المناسبات من طرف بعض الأحزاب في الجلسات البرلمانية، والأكثر من ذلك فرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران عبر عن عدم القدرة على تمكين المغاربة المقيمين في الخارج في المؤسسات التشريعية في إحدى اجتماعات حزبه، وقد سبقه وزير الداخلية الأسبق كذلك محمد حصاد في نفس الاتجاه بذريعة اليهود المغاربة بإسرائيل. والمحصلة حق مغصوب.

2) مجلس الجالية مع المشاركة أو ضدها

نص الفصل 163 من الدستور المغربي لسنة 2011 بأن يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج على الخصوص إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية. وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه11 .

تنص هذه المادة على دسترة المجلس الذي خرج إلى الوجود منذ سنة 2007، وأيضا توضح مهامه التي منها إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية، وكذلك ضمان حقوقهم، وصيانة مصالحهم وقد كان من بين المهمات التي أنيطت بالمجلس بعد تشكله طرح رأي استشاري حول مسألتين: الأولى هي التركيبة المقبلة للمجلس، والثانية متعلقة بالمشاركة السياسية لمغاربة الخارج.

وإن كانت النقطة الأولى لا تهمنا في هذا المقال وتحتاج إلى مقال مستقل فإننا سنحاول باختصار استعراض ما طرحه المجلس فيما يتعلق بالنقطة الثانية أي المشاركة السياسية لمغاربة الخارج. وقبل الشروع في ذلك لا بد من إبداء ملاحظتين الأولى هي أن المجلس لم يفلح في طرح رأي استشاري فيما يخص هذه المسألة، ولا حتى فيما يتعلق بتركيبة المجلس.

والملاحظة الثانية هي الفصول الأربعة التي جاءت في الدستور والمتعلقة بالهجرة، فهي لم تطرح مجالا للمجلس، وانتظار رأيه الاستشاري الذي لم يعد مجديا، ماعدا أخذ رأيه مثله مثل باقي المؤسسات الأخرى ،ولم يبق أمامه سوى المساهمة في طرح آليات وسبل تفعيل هذه المواد السالفة .

فهل استطاع هذه المرة أن يكون عند حسن الظن؟

يضم المجلس من بين مجموعاته الستة مجموعة عمل المواطنة والمشاركة السياسية التي كانتمهمتها العمل على طرح أفكار في المسألتين السابقتين، وقد انتظرنا حتى سنة 2013 لتطرح كتيبا ملخصا لكل ما قامت به في هذا الإطار باستعراض العديد من التجارب لدول أخرى قطعت أشواطا في هذا المجال ،إضافة إلى جرد كرونولوجي للسياسات العمومية المغربية في مجال الهجرة، وكذلك عرض آراء الأحزاب والجمعيات والنقابات أثناء المشاورات لتعديل الدستور سنة 2011، والتي توقف الكتيب عن استعراض المواد التي يحويها، ليطرح فقرة حول ” حصيلة تركيبية لأعمال مجموعة العمل حول المواطنة والمشاركة السياسية وملحق الجاليات المغتربة في الدساتير.

وإذا ما توقفنا عند هذه الحصيلة التركيبية، وخاصة النقطتين ب- المواطنة، و ج- المشاركة الانتخابية (التمثيلية السياسية)، فرغم اعترافها العام بهذا الحق الذي أصبح من تحصيل حاصل، فإنها لم تستطيع أن تطرح خطوات وآليات عملية وفعلية لتنزيل هذه المواد. مادام أن حق المشاركة مكفول دستوريا.

اعترفت اللجنة أنها لم تصل إلى خلاصة واضحة، فمحور المواطنة ” لم تتم مناقشته بما فيه الكفاية12 ، أما فيما يتعلق بالمشاركة الانتخابية فقد طرحت بعض المقترحات والكثير من الإشكالات، ومن بينها:

  • عدد النواب يجب ألا يتجاوز 10إلى 20 نائبا وأن تتم المشاركة عبر الأحزاب السياسية.
  • تقطيع انتخابي يسمح بتشكيل دوائر انتخابية انطلاقا من 50000 مواطن مغربي مسجلين في قنصليات أماكن إقامتهم.
  • التسجيل في اللوائح الانتخابية يضم كل المغاربة المسجلين في القنصليات بغض النظر عن وضعيتهم القانونية في بلدان الإقامة.
  • إحداث هيئة للإشراف على التسجيل في اللوائح والنظر في الطعونات والتشطيب تتكون من ممثلين عن وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزراء العدل.
  • العمل بنظام اللائحة الوطنية بإدماج أسماء للمغاربة في العالم على أساس تقديم الترشيحات كمستقلين ببرامج أو عن طريق الأحزاب السياسية، وتنظيم مراكز للاقتراع داخل القنصليات. ..

والغريب أن اللجنة رغم هذه المدة الطويلة، والكافية في نظرنا لصياغة طرح واضح ومتكامل فإنها لم تأت سوى بمقترحات ولم تحسم في أي نقطة، بل الأكثر من ذلك تطرح جملة من الإشكالات العالقة التي لا ندري عدد السنوات التي ستكون كافية للإجابة عنها؟

أما الإشكالات العالقة التي تطرحها اللجنة، فنأخذ منها على سبيل المثل:

-هل الظروف الحالية سانحة ومواتية للمشاركة السياسية عبر صناديق الاقتراع في بلدان الإقامة ؟

وهل تعتبر هذه المشاركة أولوية بالنسبة إلى المهاجرين ؟

وماهي القيمة المضافة التي ستضيفها المشاركة السياسية بالنسبة إلى بلد الإقامة، خاصة وأن الفترة فترة أزمة ؟

-كيف يجب التعامل مع منع بعض البلدان لتنظيم الانتخابات في أوساط المهاجرين؟

وكأننا أول بلد سينتخب مهاجروه

– التعليق من عندنا-؟

-بالنسبة إلى الجالية المغربية المقيمة في الدول العربية هل من السليم أن تمنح حق المشاركة السياسية مع العلم أن جزءا من المواطنين خصوصا في العالم العربي لا يمكنهم الاستفادة منه ا13 ؟

إنها إذن جملة إشكالات يفترض طرحها، ولكن من الضروري أيضا الإجابة عنها، ورسم اتجاه واضح، وآليات دقيقة لتجسيد مواد الدستور على أرض الواقع، لا تركها بدون إجابة، والتي يمكن ان نفهم منها أن المجلس عاجز عن الإجابة، وبالتالي لم تبق له صلاحية، أو أنه يريد طرح كل هذه الأسئلة ليرد على من يدعو إلى المشاركة بدون تعمق وسرعة، أم يريد أن يوصل لنا أن هذه الإشكالية معقدة أكثر مما نعتقد وبالتالي يصعب تجسيدها وهذا خرق سافر للدستور.

لا نريد أن ندخل في قراءات وأبعاد أكثر من ذلك لكننا يمكن أن نستشف أن المجلس واللجنة الساهرة على الكتيب تريد أن تبين أن المسالة معقدة وأنها ليست بالبسيطة، ولا يمكن تحقيقها حتى تتم الإجابة عن كل هذه الإشكالات والله أعلم متى سيتم ذلك، فالمدة الطويلة الماضية ليست كافية للإجابة، أيضا سبق لبعض المقربين من المجلس أن أشاروا إلى أن المجموعة المكلفة لا تعقد لقاءات منظمة، وأن رئيس المجلس يقف ضد المشاركة السياسية ويدعو إلى الاندماج بدول المهجر وهو ما يوضحه عبدو المنبهي كأحد أعضاء مجموعة المواطنة بذات المجلس، حيث يعلق “نفس الأمر ينطبق على مجلس الجالية المغربية، فمنذ تأسيسه، عمل على محاربة كل الأصوات التي تطالب بالمشاركة السياسية و لم يقدم أي اقتراح عملي و بديل للتبريرات التي تقدمها الحكومة، رغم أن من أولوياته الدفاع عن مصالح و حقوق الجالية المغربية “14 وحتى لا نتهم بأننا نحكم على النوايا، واعتماد التخمين لا الدراسة الموضوعية هاكم ما يقوله السيد الأمين العام في مقدمة الكتاب ” تطرح مسألة المشاركة السياسية لمغاربة العالم العديد من الإشكاليات والتحديات، ولقد تم في أغلب الأحيان تبسيطه عن طريق بساطة الشعارات التي تتجنب التطرق إلى تعقيدات هذه الإشكالية15

وفي الصفحة 10″ وبصورة عامة تظل هذه الأخيرة (التمثيلية السياسية ) محدودة وتواجهها عراقيل قانونية وسياسية ولوجيستية عدة” …16

وحتى لا يبقى للقارئ والمتتبع شك إليكم ما جاء في الخاتمة ” تعكس قوة النقاشات حول المشاركة السياسية داخل مجموعة العمل التابعة لمجلس الجالية المغربية بالخارج مدى التعقيد الذي يميز هذه القضية ” وكل ما حققه رغم كل شيء وعل طول هذه الفترة ” فقد راكم مجلس الجالية المغربية بالخارج معرفة

متنوعة من خلال العديد من الأعمال الهادفة إلى ترشيد النقاشات17

إنها إذن خلاصة الخلاصات التي وصل إليها المجلس بعد طول انتظار، وبعد “العديد من الأعمال والنقاشات”، فالإشكالية معقدة منذ البداية وحتى النهاية، إنها المنطلق المعقد، والخلاصة المعقدة التي وصل إليها المجلس، والتي يريد أن يصل إليها كل متتبع وأفراد الجالية المغربية المقيمون بالخارج على السواء.

ليفهم الجميع لماذا لم يجسد حق المغاربة الدستوري في الخارج، في الماضي والحاضر، ويمكن أيضا أن يكون نفس الأمر في المستقبل. والسؤال المطروح والذي نوجهه لمن يطرح مثل هذه المبررات. ألم تطرح كل هذه الأسئلة للدول السابقة والرائدة في هذا المجال، وكل التجارب التي استعرضها الكتاب؟ أم أنه وراء الأكمة ما وراءها؟

3) تخاذل الأحزاب وغياب ضغط الجالية

عدم اكتراث، واهتمام الأحزاب السياسية بهذه المسألة وذكرها بشكل محتشم في برامجها وأنشطتها ،وفي بعض المناسبات وهو ما يمكن أن نفسره بعدم رهان هاته الأحزاب على هذه الفئة مادامت غير مؤثرةعلى المسار الانتخابي في المغرب حاليا، وإلا لكان الوضع عكس ما هو عليه .

كم ا يفسر أيضا بكون هذه الأحزاب ليس لها أي وزن في جسم الجالية، وغياب أي تأطير فعلي لها ،وهو أمر عادي ما دامت الأحزاب عاجزة عن تأطير المتواجدين بالوطن الأصلي ومعزولة، فكيف تتوغل بمن يبعد عنها بمسافات كبيرة، رغم محاولات بعضها إيجاد موطئ قدم داخل الجالية، وهو ما قد يغير المعطيات بحسابات سياسية طبعا تنظر إلى المسألة بمنطق الربح والخسارة.

كما أن هناك بعض المحللين الذين يبررون عدم إعطاء هذا الحق، وتجسيده للجالية بغلبة المحافظين بأوساط الجالية، وهو ما سيعطي كتلة ناخبة إضافية للعدالة والتنمية، مما يعطي مبررا لتماطل الداخلية أيضا من أجل إنتاج انتخابات على المقاس.

في الوقت نفسه فالجالية لا تبدي اهتماما كبيرا بهذا الحق المشروع باستثناء بعض الجمعيات، وبعض السياسيين والمثقفين، وهو ما يعطي مبررا آخر للمتحكمين في اللعبة السياسية داخل أرض الوطن. اللذين لا يحسون بأي ضغط يفرض عليهم ضرورة صياغة آليات لتجسيد الحق المكفول دستوريا . في ظل هكذا وضع يظل حق المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج، والمنصوص عليه دستوريا، والوارد في خطابات أعلى سلطة في البلاد مجرد حبر على ورق. فلا يعقل أن يظل ما يقارب 15 بالمئة من المواطنين المغاربة محرومين من حقهم المشروع، في حين أن دولا شقيقة أعطته لمواطنيها (الجزائر، تونس ،مصر…)، وفي زمن كثر الحديث فيه عن “السياسة الجديدة” والتجربة المغربية في مجال الهجرة، والحسم مع النظرة البرغماتية، أي استجلاب الأموال والعملة فقط.

خاتمة:

إن واقع الحال يثبت أن مغاربة الخارج بعيدون كل البعد عن واقع بلادهم ،وعما يجري بها، وما تنهجه الدولة يعمق ذلك، ولا يقدم أي شيء يساهم في ربط المغاربة بوطنهم، وإسهامهم في رسم سياساته ومستقبله، وبالتالي تحسيسهم بأنهم جزء منه خاصة فيما يتعلق بالأجيال الصاعدة.

هي إذن مبررات جديدة/ قديمة تطرح في أشكال مختلفة، لتثبت حقيقة واحدة أن الكل يدعي دفاعه عن المغاربة المقيمين في الخارج وعن حقهم في المشاركة السياسية، ولا أحد يعمل جديا وفي الواقع على طرح آليات واضحة ودقيقة في هذا الصدد.

خلاصة القول هي أن المواطنة لا تعني 60 أو 70 أو حتى 90 بالمئة على حد تعبير الأستاذ بلكندوز: فهي إما أن تكون كاملة أو لا تكون والحصول على الجنسية المزدوجة، وممارسة العمل السياسي …هنا وهناك حق مشروع ودستوري لا ينبغي المساس به . وأنه لا ديمقراطية، ولا تطور حقيقيا لمجتمعنا بدون إشراك فئة مهمة من المواطنين يقدمون الشيء الكثير للوطن، ولهم الحق في المشاركة الفعالة في تسيير دواليبه، ورسم مستقبله.

المصدر

/مجلة-الدراسات-الأفريقية-وحوض-النيل-العدد-الثامن-أيار-–-مايو-2020.

المراجع

  • الدستور المغربي، الطبعة الاولى2011، مطبعة أمالي.
  • خطاب الملك بمناسبة الذكرى 30 للمسيرة الخضراء، 6 نونبر ،2005.
  • مصطفى عنترة، عودة حق المشاركة السياسية إلى المغاربة المقيمين بالخارج، العد د1377، الحوار المتمدن 13/11/2005.
  • عبدو المنبهي، المغرب يغتال آمال مغاربة العالم من المواطنة الكاملة ،27يوليوز 2016 https://al3omk.com/104176.html
  • عبد الله بارودي، المغرب الامبريالية والهجرة، نقله للعربية المركز العربي للوثائق والدراسات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1979،
  • عبد الحميد البجوقي، زمن الهجرة وسياسة الخداع، مطبعة غرغيز، تطوان،
  • الوزارة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج البرنامج الوطني للنهوض بقضايا المغاربة المقيمين بالخارج/ حصيلة 2008-

2011

  • محمد شارف، الريع المالي المغربي أية استراتيجيات؟ لأية رهانات؟ / ضمن “الهجرة الدولية والتنمية بالمغرب” تنسيقمحمد شارف، تعريب عبد السلام الرجواني، منشورات المرصد الجهوي للهجرات المجال والإنسان.
  • اجتماع لحزب العدالة والتنمية بالرباط حيث دعا بنكيران المغاربة المقيمين بالخارج الى الاندماج ببلدان الاقامة والتعايش بالدول التي يقيمون بها، غشت 2016https://www.rue20.com
  • مجموعة العمل، المواطنة والمشاركة السياسية، مسألة المشاركة والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم، إصدارات مجلس الجالية سنة 2013

1-Abdelkarim Belguendouz, Gestion Migratoire au Maroc et projet de reforme

constitutionnelle, 2011, plaidoyer pour la constitutionnalisation de la représentation des citoyens marocains à l’étranger dans les 2 chambres du parlement, imprimerie Beni Sanssen, Salé, 2011

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/

1 2019 /06/ 30 تمت الزيارة يومhttps://ar.wikipedia.org/wiki/

2 عبد الله بارودي، المغرب الامبريالية والهجرة، نقله للعربية المركز العربي للوثائق والدراسات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى

1979، ص87

3 نفسه، ص 76

4 عبد الحميد البجوقي، زمن الهجرة وسياسة الخداع، مطبعة غرغيز، تطوان، الطبعة الأولى،2009، ص19

5 عبد الحميد البجوقي، مرجع سابق، ص 19

6 نفسه، ص 22

7 محمد شارف، الريع المالي المغربي أية استراتيجيات؟ لأية رهانات؟ / ضمن “الهجرة الدولية والتنمية بالمغرب” تنسيق محمد شارف، تعريب عبدالسلام الرجواني، منشورات المرصد الجهوي للهجرات المجال والانسان، 2009.

8 Abdelkarim Belguendouz, Gestion Migratoire au Maroc et projet de réforme constitutionnelle, 2011, plaidoyer pour la constitutionnalisation de la représentation des citoyens marocains à l’étranger dans les 2 chambres du parlement, imprimerie Beni Sanssen, Salé, 2011, p61

9 خطاب الملك محمد السادس 6نونبر 2005

10 مصطفى عنترة عودة حق المشاركة إلى المغاربة المقيمين بالخارج، العدد1377، الحوار المتمدن 13/11/2005

11 الدستور المغربي، الطبعة الاولى2011، مطبعة اماليف.

12 مجموعة العمل المواطنة والمشاركة ، مسألة المشاركة والتمثيلية السياسية لمغاربة العالم، إصدارات مجلس الجالية سنة 2013، ص 72

13 مجموعة العمل، المواطنة والمشاركة السياسية، مرجع سابق، صص ،73،72

14 عبدو المنبهي، المغرب يغتال آمال مغاربة العالم من المواطنة الكاملة، 27يوليوز 2016 على الموقع: https://al3omk.com/104176.html

15 مجموعة العمل، المواطنة والمشاركة السياسية، مرجع سابق، ص 7

16 نفسه، ص 10

17 مجموعة العمل المواطنة والمشاركة ، مرجع سابق، ص77.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. عدا شردمة وصولية و انتهازية لا تمثل إلا المنضمين إليها والطامعين في الحصول عل امتيازات ربيعية عبر وصولهم تحت قبة البرلمان لايوجد ولو شخص واحد من أصول مغربية مقيم بأوروبا يلتفت لهدا المطلب التافه.
    لأن الأوربيين من أصول مغربية الدين يتمتعون بحق التصويت والترشح والمشاركة السياسية كاملة غير منقوصة بالبلدان الأوروبية لايعيرون اي اهتمام لمؤسسات لاجدوى منها ولا قدرة لها على الإسهام في التغيير مادامت تتشكل من خدام الأعتاب الشريفة وتتمثل لأوامر الملك الآمر الناهي.
    لم تحصل مند بدأ الكلام على هده المشاركة في الانتخابات المغربية أية مبادرة أو مسيرة أو تظاهرة جمعت مزدوجي الجنسية بالخارج للمطالبة بخزعبلة المغزى منها كهده.
    المواطنون الأوروبيون من أصول مغربية لايولون اي اهتمام لتحركات شرذمة استرزاقية همها الحصول على مقعد بمجلس النوام المغربي

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube