*كلمات* .. في طرد وزير بإيرلندا واستقبال وزيرة بالرباط

*التمثُّل الجديد ل ” إسرائيل” في العالم .. وعند الحكام العرب*
أحمد ويحمان
لم يكن مشهد الكلاب تأكل من جثامين الشهداء في غزة مجرّد صورة من صور الإبادة، بل هو الصورة الكاملة للحقيقة الصهيونية، في أقصى درجات انكشافها الوحشي: جريمةٌ مركّبة، تتجاوز القتل إلى امتهان الأجساد حتى بعد الموت. لكنّ الفضيحة الكبرى ليست في فعل الكلاب المسعورة، بل في صمت الحكّام العرب الذين يرون المشهد ويسكتون، وبعضهم ما زال يمدّ اليد للجلادين باسم “السلام” و”التعايش”، وكأنّ السلام يُبنى فوق لحم الشهداء. إنهم يتفرجون على أجساد أبناء الأمة تُنهش أمام العالم، ويواصلون اجتماعاتهم الصامتة وابتساماتهم أمام الكاميرات، بينما تلعنهم شعوبهم في صمت مكظوم. ولعلّ مستوى هذا الانحطاط يتجلى في استقبال بعض الحكومات العربية للوزراء والمسؤولين الصهاينة في عز المذابح بحق عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين وترويع وتجويع أهلهم على طول القطاع . ومن أمثلة هذا الدرك الأسفل لهذا الانحطاط، إلى جانب أمثلة عديدة حالة الوزيرة الصهيونية الإرهابية ميري ريغيف، التي لم تترك وصفًا عنصريًا إلا وصفت به العرب والمسلمين، إلى أن بلغ بها الحقد تشبيه الأذان — نداء التوحيد والرحمة — بـ”نباح كلاب محمد”! .. ومع ذلك فقد فُرش لها السجاد الأحمر أكثر من مرة في المغرب، واستُقبلت بالابتسامات والولائم، وكأنها رمزا للسلام لا رمزًا للكراهية والعنصرية.. وعلى حساب الميزانية العامة للدولة المغربية بحسب ما واجهت به من حاصرها في الكنيست ( البرلمان الصهيوني) بشأن تبديد المال العام في زياراتها المتكررة للمغرب !!! في مقابل هذا الانحطاط الرسمي العربي، تتقدّم إيرلندا اليوم بصفعةٍ أخلاقية مدوّية حين طرد برلمانها وزير التعليم *بول غيفان* من منصبه بعد قيامه بزيارة كيان الاحتلال ! . موقفٌ شجاع آخر من أوروبا، يثبت أن القيم ما زالت ممكنة حين تتوافر الإرادة، وأنّ من يطبع مع القتلة إنما يطبع مع الإجرام نفسه. ولم تكن إيرلندا استثناءً؛ فها هي جنوب إفريقيا تقطع علاقاتها مع كيان الإبادة، وتجرّه إلى محكمة العدل الدولية، وتذكّر العالم بذاكرة الأبرتهايد التي لم تمت بعد. وها هي دول أمريكا الجنوبية — كولومبيا، بوليفيا، تشيلي، هندوراس، والبرازيل — تطرد بعثاته الدبلوماسية، وتعلن قطيعة كاملة مع الاحتلال المجرم.بل إن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو دعا إلى تأسيس جيش أممي لتحرير فلسطين، بعدما تأكد أن كيان الإجرام لا يحترم قانونًا ولا ميثاقًا، وقد مزّق مندوبه، في مشهدٍ سرياليّ فاضح، ميثاق الأمم المتحدة في قاعة الجمعية العامة وعلى الهواء مباشرة ! .
إن هذه المواقف، القادمة من أقصى الجنوب ومن العواصم الأوروبية، كما يتابعها الجميع في شكل مسيرات حاشدة بأمريكا نفسها، تعيد تعريف معنى الإنسانية والكرامة، في الوقت الذي فقد فيه كثير من الحكومات العربية بوصلتها، وباع بعضها آخر ما تبقى من رمزية العروبة والإسلام في سوق النخاسة الصهيونية.
*آخر الكلام*
حين طرد البرلمان الإيرلندي وزيره لأنه صافح القتلة، وحين جرّت جنوب إفريقيا الكيان إلى المحاكم، وحين دعت كولومبيا إلى جيش لتحرير فلسطين، كان العالم يقول للحكام العرب : هكذا تكون الكرامة.
أما الذين يرون الكلاب تنهش جثامين الشهداء ويسكتون، فقد صاروا شركاء في الجريمة، ولو بصمتهم، ناهيك عن المتواطئين والمتآمرين بسبق الإصرار والعمالة كما أصبح يتسرب من ،حين لحين، بخصوص بعض الحالات .
ومع ذلك، فإن الشعوب لا تموت، ولا تُهزم أمةٌ فيها أطفال غزة ونساؤها ورجالها يقفون كلّ يوم في وجه الموت بجباه مرفوعة.
قد يطول ليل الصمت الرسمي، لكن فجر المقاومة آتٍ لا محالة، لأن فلسطين — كما قال درويش — “تعلّم العالم كيف تُبعث الأمم من تحت الركام.” . وآخر دعوانا أن اللهم اسق عبادك وبهائمك !
رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع


