أزمة الميزانية الأمريكية وإغلاق الحكومة مسرحية ترامب والابتزاز العالمي

بقلم عزيز الدروش محلل وفاعل سياسي
تمر الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من شهر بأزمة مالية حادة تجلت في إغلاق جزئي للحكومة الفيدرالية وتعليق العديد من الخدمات الحيوية وسط ضجيج إعلامي أمريكي يصف الوضع بـالعجز الكارثي والانهيار المالي المحتمل على المستوى السطحي يبدو أن الولايات المتحدة أمام أزمة اقتصادية داخلية ناجمة عن سوء إدارة أو انخفاض الإيرادات لكن التحليل السياسي المتعمق يشير إلى أن ما يحدث هو مسرحية سياسية متقنة الترتيب تقف وراءها مصالح شخصية للرئيس الحالي دونالد ترامب وللجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وهي مسرحية لها انعكاسات خطيرة على الداخل الأمريكي وعلى العالم العربي أيضاًالأزمة الأمريكية بين الأرقام والسياسةالأزمة المالية الحالية ترتكز على عدم تمرير الميزانية الفيدرالية في الوقت المحدد ما أدى إلى إغلاق جزئي للحكومة الأمريكية من الناحية الاقتصادية يترتب على ذلك توقف بعض الخدمات تأخير الرواتب لبعض موظفي الدولة وتعليق برامج حيوية تتعلق بالصحة والبنية التحتية لكن من زاوية التحليل السياسي فإن هذه الأرقام ليست السبب الوحيد بل أداة للضغط السياسي يستخدم ترامب وأجنحته في الحزب الجمهوري الأزمة لتقوية موقفهم التفاوضي داخل الكونغرس وفرض أجندة سياسية داخلية وخارجية تحت غطاء الأزمة الماليةالديمقراطيون من جهتهم يستغلون الأزمة لمناورة سياسية مضادة محاولين تصوير أنفسهم كحماة للميزانية وللاستقرار الاقتصادي بينما هم في الواقع يسعون لتقوية نفوذهم السياسي وإضعاف خصومهم الجمهوريين كل هذه المناورات تجعل المواطن الأمريكي العادي الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وتجميد الخدمات مجرد أداة استنزاف داخلية في لعبة سياسية ضيقة المدى لكنها ذات انعكاس دولي واسعالابتزاز العالمي الولايات المتحدة والعالم العربيالأزمة المالية الأمريكية ليست مجرد صراع داخلي فهي تحمل رسائل سياسية واقتصادية للعالم الخارجي ففي الوقت الذي تُثار فيه التقارير الإعلامية الأمريكية حول العجز والعواقب الكارثية يصل خطاب رسمي ومؤسساتي على شكل تهديد ضمني للدول الأخرى بما فيها الدول العربية بأن الولايات المتحدة قادرة على فرض سياساتها الاقتصادية والسياسية من خلال أدوات مالية وإعلاميةترامب بوصفه الرئيس الحالي يتقن لعبة الابتزاز هذه فهو يقدم نفسه كمُنقذ الأمة وفي الوقت نفسه يرسل رسائل مشفرة للعالم التعاون مع أمريكا مرهون بقبول شروطها الاقتصادية والسياسية هذه السياسة تنم عن استراتيجية متكاملة للنفوذ الدولي تعتمد على خلق أزمات ظاهرية يتم استغلالها داخلياً وخارجياً وهو ما أصفه في تحليلي بـمسرحية الابتزاز الأمريكيقراءة أكاديمية وتحليل استراتيجيمن منظور أكاديمي الأزمة المالية الأمريكية تمثل حالة نموذجية لـالسياسة الداخلية التي تتحول إلى أداة نفوذ دولية يمكن تحليلها وفق ثلاثة أبعاد رئيسية
1. البعد الداخلي استخدام الأزمة كوسيلة ضغط على الكونغرس وتأجيج الخلافات الحزبية لصالح الرئيس الحالي والجمهوريين مع توظيف الإعلام لصالح السردية الرسمية
2. البعد الدولي إرسال رسائل تحذيرية ودبلوماسية واقتصادية للعالم الخارجي خصوصاً الدول العربية، التي تمثل سوقاً مهماً أو حلفاء اقتصاديين وسياسيين للولايات المتحدة
3. البعد الرمزي والسياسي تشكيل صورة الرئيس ترامب كـرجل الأزمة قادر على إدارة الأزمات وحماية أمريكا بينما الواقع يظهر أن هذه الأزمات غالباً مختلقة أو مُبالغ فيها إعلامياً لتبرير سياسات خارجية وداخلية محددة .الخلاصة
الأزمة المالية الأمريكية الحالية ليست مجرد مسألة أرقام أو ميزانية بل مسرحية سياسية معقدة يجتمع فيها استغلال الأزمة داخلياً واستهداف العالم الخارجي إعلامياً وسياسياً واستنزاف المواطن الأمريكي اقتصادياً بالنسبة للعالم العربي، الدرس واضح لا تصدق كل ما يُروّج عنه من كارثية الأزمة المالية الأمريكية فغالبها تحركات استراتيجية مبتكرة لإعادة توزيع النفوذ والضغط الدولي تحت شعارات الأزمة الوطنيةترامب والديمقراطيون في هذه المسرحية يظهرون كل منهم كبطل أو ضحية حسب الحاجة، بينما المواطن العربي والأمريكي العادي يدفع ثمن صراعهم السياسي، اقتصادياً وإعلامياً وسياسياً.
عزيز الدروش محلل وفاعل سياسي




