سياسة

أكتب مكرها من باب الغيرة والأنين لا من باب التشفي والطنين

ما سر غياب السياسة بعد أقل من عام على انتخابات المهانة.
اذا كان اليمين ساكتا بحكم انهماكه في جني المنتوج، فما سر صمت اليسار وإصابته بالخرس ؟؟؟
التاريخ يتجه دائما إلى الأمام، ولا يعرف الرجوع إلى الوراء، ويحمل معه في حقائبه كل الماضي الذي لا يتخلص منه رغم ثقله.
التاريخ الانساني قطار يسير دائما في اتجاه المستقبل، قد يتعطل، وقد يتأخر في مواعيده، ولكنه لا يعود أبدا إلى محطة الانطلاق،
لا يعني هذا أن التوجه نحو المستقبل يستدعي التنكر للماضي، بل يعني الوعي به، لمعرفة ما هو قابل للاستمرار في الزمان ويساعد على التقدم، وما هو قابل للدخول الى الأرشيف لأنه يعيق التطور.
كثير من دعاة الحداثة، تجدهم بحكم ” حداثتهم “، يرفضون الماضي بإطلاق مصطلح “الماضوية ” بشكل قدحي على كل من يدعو إلى مراجعة الماضي وتفكيكه ونقده. وكثير من ” الحداثيين ” ينتقدون الأصولية والسلفية والماضوية، ويسفهون كل تقديس وتبجيل للأصول والسلف والماضي. لكنهم غارقون في أصولية جديدة، وسلفية حداثية، وهم يقدسون نصوصا وأفكارا، تتطلب التحيين وإعادة القراءة باستمرار. ويبجلون أشخاصا أو زعامات أو قيادات، وكأنهم كائنات ملائكية بلا أخطاء. ويقتطفون لحظات خاصة من الماضي، أو مواقف تاريخية معينة، ويسقطون عليها أنوارا كاشفة لإخفاء عناصر الظلام والبغي فيها، فتصبح بذلك عائقا في التفكير وتكبيلا للمبادرة والممارسة.
نقد الأصولية والسلفية والماضوية، باسم الحداثة، يستدعي الحرص الكبير على عدم السقوط في ما يجعل الحداثي أكثر أصولية وسلفية وماضوية من الذين ينتقدهم، وهو حال عدد من ” مناضلينا الحداثيين “.
من هذا المنظور، دعونا، ولا زلنا ندعو إلى إعادة قراءة ماضينا، المحلي والاقليمي والقومي، داخل التاريخ الانساني، بعيدا عن التشنج الحداثي الرافض له، أو التعصب السلفي الأصولي، دينيا كان أو اثنيا، الرامي إلى تقديسه وتبجيله. وفي صلب هذه الدعوة، ينخرط موقفنا من قراءة ماضي اليسار المغربي، ودوره في ما يعرفه وطننا ومجتمعنا اليوم، باعتبار حاضرنا بكل خيباته وانكساراته الكثيرة، والقليل من انتصاراته وانجازاته الهزيلة، منتوج حتمي لهذا التاريخ، وباعتبار مستقبلنا يتوقف على هذه القراءة من أجل الاستكشاف والاستشراف. فقطار المستقبل لا يعود أبدا إلى محطة الانطلاق، وإن لم نركبه في حاضرنا حين يصل إلى محطتنا، بتحيين وتجديد القراءة النقدية فلن نركبه أبدا.
الآن وبعد مرور ما يقرب من سنة على انتخابات 8 شتنبر 2021، وما انتهت اليه، وقد انخرطت الاحزاب المشاركة فيها، في اقتسام نتائجها، من الانتصار إلى الخيبة والانكسار. وانخرط الشعب المشارك والشعب المقاطع في بناء أوهام الانتظارات، وسيناريوهات الخيبات. ودخلت الانتخابات ببهلوانياتها إلى فعل ماضي في انتظار ميلودراما أخرى بعد 4 سنوات.
وإذا كانت البهلوانية هي ما يطبع جل الأحزاب، فمكونات اليسار على الأقل هي وحدها بحكم انتمائها لثقافة العقل والتنوير والتحليل والنقد واستخلاص الدروس، القادرة على الوقوف عند هذه المحطة من أجل مساءلة الواقع والذات الحزبية فكريا وتنظيميا وممارساتيا، والقيام بما يفترضه العقل اليساري من قراءة نقدية وبناء الرؤى التي تمكن من تجاوز السقطة القاسية التي مني بها اليسار، والتي لا ينكرها أحد، سواء تعلق الأمر باليسار المقاطع، أو اليسار المشارك، أو اليسار المنخرط في الجري وراء اقتسام الريع الانتخابي.
وإذا كان بعض المحسوبين على اليسار ، والذين أحيلوا قسرا على المعارضة، قد انهزموا في جريهم نحو المشاركة في حكومة تنزيل ” النموذج التنموي الجديد ” وفقدوا بالتالي لغتهم، بعد أن فقدوا مرجعيتهم، مما جعلهم يقدمون خطابا تبريريا يقول ” نعم ” في صورة ” لا ” ويقول ” لا ” بطعم ” نعم “.
أما ما يسمى باليسار الآخر، وقد شارك في الاستحقاقات، والمتمثل في فيدرالية اليسار المعطوبة بسبب ما عرفته من شروخ ليلة الاستحقاقات، وما كانت تعرفه مكوناتها من أعطاب تنظيمية وفكرية، منذ تأسيسها، وما كان يعتمل من حساسيات وأنانيات، في كل مكون من مكوناتها، فقد كان هذا اليسار هو الأولى والأجدر بأن يكون سباقا للشروع في القراءة النقدية للذات اليسارية النائمة في قلعة الأصولية والسلفية، والغارقة في أوهام التغيير القادم من السماء. لقد كان هذا اليسار قبيل الانتخابات، يملأ الشاشات، والمواقع، ووسائل التواصل الاجتماعي، بالتصريحات والتحليلات التي لم يكن همها سوى طعن البعض في البعض، واتهام هذا الطرف للطرف الآخر، لتأتي نتائج الانتخابات، بطعن الجميع طعنة قاتلة، واتهام الجميع بالقصور العقلي، والمرض النفسي، والخواء التنظيمي، والغياب الجماهيري، وكلها عوامل تفرض التوقف لإعادة النظر والتقييم الشامل. لكن هذا اليسار مع كامل الأسف، هو أكبر الساكتين، وأكبر المنسحبين من ساحة الفعل الفكري والسياسي. وهو الذي من المفروض بحكم مرجعيته العقلية التنويرية والحداثية، من كان المعول عليه لتقييم حقيقي وتاريخي للمرحلة، واستخلاص ما ينبغي من الدروس للاتجاه نحو المستقبل عبر بديل قادر على تغيير ميزان القوى من اجل المستقبل.
إن هذا السكوت المريع لأطياف اليسار، لا معنى له سوى أن اليسار يعلن نهايته. وأن المغرب فقد قوة هو في أمس الحاجة إليها، وأنه يتعين انتظار فترة اختمار أخرى، مثل تلك التي أعقبت استعمار المغرب، كي يأتي جيل جديد، يفكر بحس وطني واجتماعي وطبقي، لبناء مغرب آخر لا يبدو أن ملامحه اليوم قد بدأت في التشكل.
إن أكبر الأعطاب هي غياب الوعي التاريخي، وإن أكبر معيقات اليسار فكريا ونظريا، أنه فاقد لهذا الوعي التاريخي، وفاقد لآليات وأدوات التعامل معه، وعلى رأسها النقد الذاتي، ومستمر في التمسح بأعتاب زاوية اليسار يستلهم منها ” البركة ” في الكلمات والمصطلحات، والمطرقة والمنجل، واليد المعقودة، والشعلة المتوهجة، ووجه غيفارا على القمصان…إنها الاصولية الحداثية، والسلفية الثورية….

عن موقع للتواصل الاجتماعي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube