ثقافة وفنونمستجدات

الشجرة المقدسة ج2

حرة بريس -أحمد الونزاني

استقر الشعب العربي في شعاب ذلك المكان الذي أصبح جنة و روضة من رياض الأرض، و نسي الناس عادة الترحال و السرحان في ذلك الفضاء الشاسع و المترامي الأركان. كانت الشجرة تجود بثمارها الدائمة و المتجددة على طول السنة بأشكالها و ألوانها و مذاقاتها المختلفة على كل أبناء الشعب كبارا و صغارا نساء و أطفالا. و كان كل من تذوق أو أكل من ثمار تلك الشجرة العظيمة، أصبح في قوة و أكثر عافية و نضارة و غاية في الجمال و الشباب، حتى النساء يصبحن بعد أكل خوخها الجاف أبكارا و أكثر جمالا.
قضى الشعب العربي سنوات و عقود على هذا الواقع الجديد. و كان عدد أفراد الشعب ينقص ولا يزيد و صار العقم ينتشر في بعض نساء الشعب. و هذا يشكل خطرا على كينونة و وجود و مستقبل هذا الشعب العظيم.
فطن حكماء الشعب بأن العقم الذي أصاب بعض النساء سببه خوخ هذه الشجرة العظيمة. و قرر بعضا منهم التخلص من فاكهة الخوخ، فيما ذهب البعض إلى رأي خطير جدا و هو التخلص تماما من شر هذه الشجرة ب قطعها و حرقها و العودة إلى حياة الترحال و عادات الشعب المنسية ففي الترحال سلامة الشعب و كثرته و خلوده على مر الأزمان.
كان الرأي بالتخلص من الشجرة المقدسة، بمثابة الشرارة التي حولت ذلك الفضاء الشاسع من الاطمئنان و الهدوء إلى مكان حرب و تطاحن بين أبناء الشعب نفسه الذي انقسم إلى فريقين.
فريق يريد الحفاظ على الشجرة المقدسة و الانتفاع من خيراتها العجيبة و فريق آخر يريد التخلص منها للحفاظ على كينونة الشعب و استمراره و عدم تعرضه للانقراض و الزوال.
في هذه الأجواء نشبت حرب طاحنة، أكلت الأخضر و اليابس حتى ذاع صيتها في كل الأمصار. و تحالف أبناء الشعب الواحد مع الأغيار من أجل دعمهم في حرب الأخوة للحفاظ أو التخلص من تلك الشجرة المقدسة. أصبحت تلك الصحراء المترامية مسرحا لأكبر حرب، حتى لقبوها بأم المعارك فاقت في وحشيتها و دمويتها حرب داحس و الغبراء و حرب البسوس بل كل الحروب.
فخرج سر الشجرة المقدسة إلى العلن. و زاد ذلك من حدة الأطماع فيها حتى قرر كبراء العالم الاستيلاء عليها عنوة و مصادرتها و جعلها مصدرا لثروتها و ازدهار بلدانها. و فعلا تمت مصادرة الشجرة المقدسة من الغرب و تم تسخيرها لنهضة شعوبها كافة و ترك الشعب العربي في اقتتال دائم على بعض فتاتها.
و صارت الشجرة المقدسة لعنة على الشعب العربي، بعدما كانت من أكبر النعم. و ساد الظلم و الجهل و الفقر و الطغيان و الجور في كل مكان. و تم تقسيم ذلك الفضاء إلى دويلات ضعيفة تعيش تحت الحماية من الغرب، و تساس من قادة باعوا كل شيء حتى الأوطان لا يحسنون إلا جمع الثروات و البذخ و ترسيخ التبعية و إذلال الشعوب.
أصبح في كل ركن من أركان ذلك الفضاء الواسع، نقطة و قاعدة عسكرية بعدد تلك الدويلات، لحماية و الحفاظ على تلك الشجرة المقدسة، و حماية المصالح الحيوية الغربية و من بينها الإبقاء على الوضع كما هو.
غادر السكون تلك الصحراء الشاسعة و فقدت هدوءها و استقرار شعبها ، و أصبح الفضاء جحيما على أبناءها.
فمتى يعود السكون و الهدوء إلى عالمنا العربي و تستفيد الشعوب من ثرواته المادية و المعنوية و يحظى العقل العربي بدوره في بناء صرحه الحضاري من جديد، مستفيدا من تجارب الآخرين و مجددا لثراته و مستلهما من تاريخه المجيد و ماضيه السعيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube