مستجداتمقالات الرأي

اعتراف ترامب بمغربية الصحراء و صدمة اسبانيا والجزائر

عبدالحميد البجوقي

يُعتبر الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية  انتصارا هائلا للدبلوماسية المغربية، القرار الأمريكي في تقديري حصاد لديبلوماسية مغربية نشيطة انطلقت مع عودة المغرب إلى حضن منظمة الوحدة الإفريقية، وتحوُّله إلى لاعب سياسي واقتصادي بارز في القارة الافريقية، علما أن المغرب هو الدولة الافريقية الوحيدة التي تربطها بالولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية التبادل الحر بعد إبرامها سنة 2004 ودخولها حيز التطبيق سنة 2006، تطورت بعدهُ العلاقات التجارية بين البلدين أصبحت معه الولايات المتحدة الأمريكية ثالث مُزود للمغرب بالسلع بعد فرنسا وإسبانيا، ورابع زبون تجاري للمملكة. كما أن القرار الأمريكي سيقلب قواعد تدبير هذا النزاع سواء بالنسبة لدول الاقليم التي ترتبط بهذا الملف كالجزائر وموريطانيا وإسبانيا، أو على مستوى الدول العظمى وباقي دول العالم،  ومخطئ من يعتقد أن القرار الأمريكي نزوة من نزوات  الرئيس ترامب وهو يتهيأ لمغادرة البيت الأبيض.

أولا يجب التذكير أن القرار الأمريكي قرار رئاسي يُلزم الرئيس المنتخب جو بايدن وحكومته المقبلة، و لا أعتقد أن هذا الأخير سيتراجع عن قرارات رئاسية من هذا الحجم، وفيما يخص الحليف الفرنسي التقليدي للمغرب لا أعتقد أن القرار يحرجه، بل تقديري أن القرار الأمريكي يُعزز الموقف الفرنسي الذي كان دائما داعما للمغرب ولمقترحه بإقامة حكم ذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية،هذا لا يعني أنه ليس قرارا مزعجا بالنسبة لفرنسا لكونه تجاوز الدعم الفرنسي، سواء من حيث الاعتراف الرسمي بسيادة المغرب على صحرائه، أو فتح قنصلية في مدينة الداخلة تعنى بالاستثمارات الأمريكية، ما يُنذر بمنافسة اقتصادية وسياسية أمريكية فرنسية. القرر الأمريكي سيدفع فرنسا إلى مراجعة عميقة لسياستها الخارجية في شمال إفريقيا وخصوصا بالمغرب.

الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سيفتح بدون شك الباب أمام دول عظمى أخرى لها مصالح اقتصادية وجيوستراتيجية في الاقليم كما هو الشأن بالنسبة لبريطانيا  على الخصوص، وكذلك الصين وحتى روسيا التي تعتبر حليفا تاريخيا للجزائر.

فيما يخص إسبانيا كل المؤشرات تؤكد أنها ستكون إلى جانب الجزائر أكثر الدول انزعاجا من القرار الأمريكي، وأنه سيكون مُحرجا لها وإلى حد ما للإتحاد الأوروبي. الحرج الاسباني المحتمل، أو بالأحرى الانزعاج يعود أساسا لتراجع  دور إسبانيا وتأخره  في المساعدة على حل هذا النزاع من جهة، ومن جهة أخرى فقدانها لورقة ضغط على المغرب مقابل مجموعة من الملفات الشائكة التي تجمع البلدين، ومنها بالخصوص ترسيم الحدود البحرية مع كنارياس وغيرها، كما أن شريك الحزب الاشتراكي في الحكومة الاسبانية الحالية (بوديموس) يُشكل عقبة في أي تجاوب إيجابي من طرف إسبانيا مع المغرب، فضلا عن انفتاح منتظر للمغرب على استثمارات أجنبية في منطقة تعتبرها إسبانيا عمقا استراتيجيا واقتصاديا لها. أكثر من الحرج أعتقد أن القرار الأمريكي يشكل صدمة أو ما يشبه الصفعة لإسبانيا، لأنها لم تقتنص فرصة الرهان على المغرب في الوقت المناسب والحصول بالمقابل على امتيازات اقتصادية واستثمارية. باختصار المغرب أصبح بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في موقع مريح وقوي في أي مفاوضات مع إسبانيا حول الملفات المعلقة بين البلدين.

رغم أن موضوع الصحراء يعتبر من المواضيع التي تشغل الرأي العام الاسباني، لاحظنا أن الإعلام الاسباني تعامل في البداية ببرود مع الخبر المُجلجل، مقابل تعامل الإعلام الغربي والعالمي، وهذا يعني أن إسبانيا توجد الآن تحت وقع صدمة قرار ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء وفتح قنصلية أمريكية بالداخلة، كما لا حظنا عدم تفاعل الخارجية الاسبانية مع الحدث والتزامها الصمت، ولا يخفى كذلك أن ملفات كثيرة كانت موضوع خلاف علني بين الحليفين المشكلين للحكومة الاسبانية(حكومة برأسين)، أي بين بوديموس والحزب الاشتراكي، ومنها ملف الصحراء الذي سبق للخارجية الاسبانية أن اضطرت لتوضيح أو تكذيب تصريحات وزراء في الحكومة من حزب بوديموس تتناقض مع الموقف الرسمي للحكومة الاسبانية. وبالتالي لا أستغرب أن إسراع الحكومة الاسبانية  بتأجيل القمة المغربية الاسبانية المرتقبة ليوم 17 من الشهر الجاري، كان من التداعيات الأولى لوقع القرار الأمريكي على الحكومة الاسبانية، وأنها محاولة من طرف بيدرو صانشيص تخفيف التوتر داخل حكومته الاتلافية بسبب هذا الملف، ورغم ذلك لا أستبعد ردود فعل  وزراء محسوبين على بوديموس بشأن القرار الأمريكي، وتداعيات أخرى منتظرة في القادم من الأيام..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube