احمد رباصمستجدات

اقتصاد الكيف وشبكات الفساد بالمغرب(6/1)

أحمد رباص – حرة بريس

في ديسمبر 2003، قدم تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تأكيدا علميا لما قدّره جميع الخبراء منذ فترة طويلة: مع 135000 هكتار مزروعة بالقنب الهندي يتجاوز حصادها سنويا أكثر من 3000 طن من الحشيش، يبقى المغرب حتى الآن أكبر منتج/مصدر لهذه المادة في العالم.
ليت الأمر اقتصر على أن 90٪ من الحشيش المستهلك في إسبانيا وفرنسا يأتي من منطقة الريف، ولكن المهربين يستخدمون شبكاتهم لنقل المخدرات القوية مثل الكوكايين إلى أوروبا وغسل أرباحهم هناك. وتمثل الأخيرة أهم مصدر للعملة الصعبة في الاقتصاد المغربي ومنها تمول شبكات الفساد والمحسوبية التي تبدأ، حسب اختيار السكان، من المهربين كسلطات قروية في الريف وتنتهي إلى المستويات العليا من سلطات الدولة، على الأقل في عهد الحسن الثاني. وإذا كان الأخير قد ترك للمهربين وأنصارهم في الإدارة وبين المسؤولين المنتخبين هامشا كبيرا من المناورة في المنطقة الشمالية، فذلك للحفاظ على ولاء المنطقة التي تعتبر معادية للسلطة المركزية، ولاء ضروري للغاية لأنها منذ بداية التسعينيات، باشرت السلطة بالتدريج انفتاحا ديمقراطيا خاطر بجعل السيطرة على الأحزاب السياسية الجديدة أمرا صعب المنال.
في الوقت نفسه، أدى التسامح الذي تمتعت به الزراعة غير المشروعة للكيف من جانب الحكومة بالسكان القرويين الأمازيغ المعرضين للتهميش الاقتصادي والتمييز والاجتماعي إلى البقاء أحياء في بيئة متدهورة.
إن المكانة المتميزة التي يحتلها الحشيش المغربي في الأسواق الاستهلاكية الإسبانية والفرنسية تدين بالكثير لشبكات الفساد، النشطة أو السلبية، التي تسهل استيراده إلى هذين البلدين.
وإذا كان الفساد الناجم عن حركة المرور العابر في إسبانيا يؤثر بشكل رئيسي على أفراد القوات القمعية، في المقابل، يزعم وزراء الداخلية المتعاقبون في فرنسا أن استهلاك القنب يشكل “آفة” تؤدي إلى استخدام المخدرات القوية. ولكنهم يتفقون على إخفاء مسؤولية المغرب في إنتاجه وتصديره. هذه السياسة ، بالطبع ، تمليها المصالح الاقتصادية والجيوسياسية “العليا”. وبالتالي، يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان قرار محمد السادس بالموافقة على التقييم الأول للمناطق المزروعة والهجوم ، منذ صيف 2003 ، على المتاجرين المهمين والمتواطئين معهم في جهاز الدولة هو علامة على التغيير السياسي في هذا المجال أو مجرد ستار من الدخان، كما كان الحال مرتين على الأقل في عهد الحسن الثاني.
من جانب آخر، يتفق المؤرخون على إثبات وجود زراعة للكيف عمرها في منطقة كتامة، وسط الريف، منذ القرن السادس عشر. تعود هذه الزراعة إلى وصول المهاجرين العرب إلى المنطقة في القرن السابع. حوالي عام 1890، أعطى السلطان حسن الأول (1873-1894) الإذن بزراعة الكيف في خمس قرى من قبيلتي كتامة وبني خالد. في عام 1912، تم تقسيم المملكة إلى منطقتين، واحدة تحت الإدارة الفرنسية والأخرى تحت الإشراف الإسباني. تنازل مؤتمر الجزائر العاصمة في عام 1906 عن احتكار بيع وشراء التبغ والكيف لشركة أجنبية معروفة، وهي شركة متعددة الجنسيات برأسمال فرنسي. احتضنت طنجة المقر الرئيسي للشركة، وهي مدينة استفادت منذ عام 1920 من مكانة دولية ومنفصلة إدارياً عن المنطقتين الفرنسية والإسبانية.
خلال السنوات الخمس التي حافظ خلالها عبد الكريم الخطابي بقوة السلاح على دولة مستقلة في الريف (1921-1926)، انخفض إنتاج القنب بشكل ملحوظ، ليس بسبب العمليات العسكرية بقدر ما كان بسبب إرادة رئيس الأمازيغ الذي اعتبر استهلاك الكيف مخالفا لأحكام القرآن.
في يوم 12 نوفمبر 1932 د، صدر ظهير شريف (مرسوم بقانون ملكي) يحظر زراعة القنب الهندي في المنطقة الواقعة تحت الحماية الفرنسية. على عكس إسبانيا، وقعت فرنسا في الواقع على اتفاقية مكافحة المخدرات الدولية. لكن هذا الظهير نفسه خول لشركة التبغ والكيف أن تبيع للسكان المحليين خليطا من الحشيش والتبغ، مما سمح لفرنسا بالاستفادة من عائدات الضرائب الناتجة عن هذا النشاط. بعد ذلك، صدر ظهير جديد عام 1954 من الملك محمد الخامس، وكان من المفترض أن يطبق منذ الاستقلال على منطقتين من المملكة، ليؤكد الحظر المفروض عام 1932. ومع ذلك، بقي هناك تسامح استفادت منه النجوع الخمسة من قبيلتي كتامة وبني خالد، ما أكسب المنطقة لقب “سينكو” الاسباني. ولكن، في الخمسينيات من القرن الماضي، تم زرع الكيف علانية في الحوز (سهل في منطقة مراكش) والغرب (سهل في منطقة القنيطرة). في عام 1960، وسعت الحكومة المغربية تطبيق ظهير 1954 ليشمل الإقليم بأكمله، دون متابعة هذا القرار في الريف. على العكس من ذلك ، أصبحت كتامة نوعا من كاتماندو لدى الشبان الأوروبيين.
بين عامي 1958 و 1990، شهدت منطقة الريف ثلاث انتفاضات تعرضت لقمع شديد، ولم تكن بدون تأثير على التهميش الاقتصادي اللاحق للمنطقة ولجوئها المتزايد إلى الزراعة غير المشروعة. كانت سنة 1985 الأكثر دموية بدون شك حيث شهدت حمام دماء قتل فيه الآلاف بإيعاز من الحسن الثاني. وقبل ذلك، في عام 1984 تحديدا، أدت الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية للحد من التهريب في مدينة مليلية السليبة وتهريب القنب في جميع أنحاء الشمال إلى اندلاع انتفاضة. وفي ديسمبر 1990، سيؤدي قمع حركة تمرد اجتماعية، انطلقت من فاس، إلى سقوط العديد من الضحايا (أربعون رسميا، وما يقرب من ألف بشكل غير رسمي) في هذه المدينة، وفي غيرها كطنجة وتطوان والحسيمة.
خلال عقد الثمانينيات، أدى التطور المستمر للإنتاج إلى وصول الجانحين من مناطق أخرى من المغرب، الذين قطعوا الطرق واختطفوا السائحين وسائحي المخدرات رهائن مقابل فدية. يضاف إلى ذلك نشاط قوى القمع التي تميل إلى جعل الأجانب الذين يتعرضون لعقوبات شديدة عند القبض عليهم وبحوزتهم الحشيش أكباش فداء، وذلك لإخفاء حقيقة تورط السلطات المحلية، وأحيانا الوطنية في الإنتاج والاتجار. لذلك يعتبر شمال المغرب “منطقة خطرة” لا تؤثر فقط على سياحة المخدرات، بل تؤثر على السياحة نفسها. تستمر هذه السمعة السيئة حتى اليوم، على الرغم من أنه لم يعد هناك أي انعدام للأمن في المنطقة، حتى في منطقة كتامة، التي يقال إنها مهد المهربين. منذ تولي محمد السادس (يوليو 1999)، حيث أصبحت غدت تدخلات الشرطة والدرك بالفعل أكثر مرونة، مما أفاد المزارعين وكذلك السياح، الذين يتنقلون في جميع أنحاء المنطقة بسلام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube