اقواسمستجدات

باكوا السكران، حنا السكران

الشاعرة والكاتبة المغربية الأندلسية نادية بوشلوش عمران

ربما، كنت فيلسوفا بوهيميا من الشارع ولم تكن لديك سوى قبعة من أيام باريس من زمن كوكو تشانيل، ربما لم يكن لديك سوى ذاك السروال المقطع. ألا تدري يا سيدي بأن ذاك السروال المقطع الأن هو موضة لهذا الجيل، بينما كنت أنت ذات يوم لا تملك سواه.
تجوب الشوارع بقميصك البني ألذي كنت تملكه مند عهد السبعينيات، حيث حينها إشتريته من محلات موضة البيتلز، بينما كنت شابا تتغني بأغنية البيتلز الشهيرة بلغة إنجليزيه ركيكة، بالرغم من ذلك فقد كنت , أنت باكوا الدي نعرفه، اسعد السعداء و نحبه لحد الأن:

“There’s nothing you can do that can’t be done
Nothing you can sing that can’t be sung
Nothing you can say, but you can learn how to play the game
It’s easy / All you need is love”
يا أيها الفيلسوف، أنت ما زلت في الحانات، تتغنى بأغانيك القديمة. كأس الريكارديت، تتلهف لتشربه بلذة الحب، بتلك اللوعه في خدر الفتيات..
بعدها تغيب في حكاياتك، تصول، تجول تقتحم، أحيانا كفارس، وأحيانا أخرى كالدون كي شوت دي لا مانشا، تقاتل الطواحن الهوائية، مرة أخرى, كلص متسلل للقصر ليسرق قطعة خبز، جبن..كأنك بطل البؤساء في قصة فيكتور هيغو..تم تسافر في فيلم أمريكي مخضرم تحكي حكايات أمريكية متسعة بالخيال ﻻ نهاية لها، مرة فارس و مرة صعلوك ومرة سارق بنك، مرة..،و..تكساسي يبحث في كلورادوا عن أبار النفط وعن ذلك الغناء الفاحش في صحراء أمريكا .
باكوا أيطانا،
أيها الفيلسوف التائه في كأس الخمرة الحمراء، تتلذذ بها، كأنك أمام فتاة حسناء شقراء تغازلها و تغازل شعرها الخمري و جسدها الجميل المتناسق الإنسيابي، عاشق و عاشق مخضرم ما بين الأمس واليوم، متلهفا للغد ،بكل الحب ….
باركوا أيطانا
وبينما أنت تائه مع جنود الماعز، وأنت تتقدمهم كعسكري انكشاري، عثماني، تغني لهم أغاني الحرب والسلام، تغوص بذاكرتك في الحرب العالمية الأولى، تحصي عدد القتلى وخسائر الدمار، تم تقف وتخطب أمام جنود الماعز، بخطب سياسية، ﻻ يفقهون منها شيأ، غير أنهم ينصتون إليك، يلوكون العشب بين افكهم، يقضمونه في بله و هم ناظرون إليك، ناظرون ماذا ستفعل وأيتها إشارة ستدبر منك.
ولعلك تجود عليهم بقطعة من الخبز الأسمر الذي في يمناك، ولريما تمنحهم كأسا من الشراب، أو القليل من الخمر في إناء خشبي …
لكنك تؤنبهم، ساخطا.. هم عبيد لك في صفوف مشتتة، هاربه لذلك الجبل النائم الذي شرب منه الزمن في القارة الأوربية …
لكنك تسيطر على الوضع، تتخيل نفسك بأنك هتلر في زمن الحرب وفي زمن الفاشيه و النازيه.. تسوق هذا القطيع وكأنه مؤلف من يهود الحرب العالمية التانية، و تأخذهم في قطار للمعتقل بألمانيا الذي عذب وقتل وأحرق فيه اليهود :
El campo de concentración de Auschwitz
لتحرق جلودهم أحياء, كما فعل هتلر في زمانه, في زمن الحرب العالمية التانية..
آه! يا باكوا أيطأنا، ما أنت إلا فيلسوف بوهيمي, لكن الكل يحبك، رغم ثمالتك، جنونك، بساطتك. ومن فلسفتك البسيطة، المعقدة، الضائعة بين الحانات، بين قطيع الماعز، حتى تلك الشقراء الغجرية ماريا أمباروا تحبك و تقدسك.
أتعلم يا باكوا أيطانا؟
حتى انأ أقدرك يا باكوا، ولم أقدر سكيرا حالما يوما، فيلسوفا كما قدرتك أنت، يا باكوا..
كم يروق لك الرقص بمجون في ساحة البلدة الصغيرة، انت تعاقر كاس الخمر ذات الشمال وذات اليمين، ترقص، تجن، تشكي لي و أنا اسمعك بإهتمام، تحكي لي حكايتك في بندورم Benidorm، و كيف أنك كنت تعشق ولازلت البحر الأبيض المتوسط .
صدقني باكوا أيطانا..
حتما، سأبكي عليك يوم تفارقنا، فقد ألفناك هنا بيننا، بكل نزواتك، بكل حماقتك، بكل اللطافة، كأنك سيد إرستقراطي من زمن أرستقراطي..
باكوا، تجتمع فيك كل المتضادات، لكن بالفعل نحبك
باكوا، فلسفتك، احبها في الحياة، سادجة، ثائرة، حالمة، طموحة، أحيانا خجولة جدا، و تنادي لزوال، أنت يا أيها الإسباني مؤمن وتعرف ذلك بأننا أموات مؤجلين ….
باكوا، اليوم، في تلك الحانة، أنت جالس بين الشقراوات الحسان، تخاطبهن، هن بكل لطافه يصغين إليك، فلا فارس في هذا البلد إلا أنت، و لا رجل في بلدتنا الصغيرة إلا أنت، و لم يستطع، اجمل الفتيان، أن يخاطبوا شقراوات البلد بهاته الطلاقة والعقوبة وينجذبن إليه، إلا انت..
أنت وحدك باكوا ايطانا
باكوا, يا أيها الشقي، و يا أيها السكير، نحبك رغم كل شيء ، فأنت المزيج من الشخصيات المتداخلة في شخص واحد.
أنت و ما أردنا أن تعبر عنه انفسنا، لكننا لم نستطع، فجمعتهم أنت وحدك، كانك حملت أثقال بلدتنا الصغيرة، حملت أحلامنا و متمنياتنا، زلاتنا، حتى تلك الذنوب التي حملناها، لم نحملها، وحتى أوزرانا.. أنت نخب السلام و الحب و درمز الحياة البدوية الإسبانية البسيطة .
باكوا نحبك، كأنك حنا السكران حينما غنت فيروز:
حنا السكران
كــان الزمان وكان فى دكانة بالحي
وبنيات وصبيان نجى نلعب عالمي
يبقى حنا السكران قاعد خلف الدكان
يغنى وتحزن بنت الجيران
اوعي تنسيني
اوعي تنسيني
وتذكري حنا السكران
نـــحنا والعصافير كنا بــــــالحي ندور
صوب الدكانة نطير حاملين غمار زهور
ويبقى حنا السكران ملهي وعلى الحيطان
عم بيصور بنت الجيران
حلوة بنت الجيران راحت بليلة عيد
وانـــهدت الدكان واتعمر بيت جديد
وبعده حنا السكران على حيطان النسيان
عم بيصور بنت الجيران

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube