مجتمعمستجدات

خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء المغرب بين التوتر و فقدان البوصلة

أحمد ماحو، بروكسل

لم يكن التوفيق حليف الحكومة الجديدة، الغير مكتملة، في تدشين بداية عهدها. وهكذا فرضت إغلاق الحدود الجوية مع عدة بلدان أوروبية، و اتخذت إجراءات قَصْرِيةً جديدة من بينها إلزامية الجواز الصحي على كل ساكنة البلاد و الرفع المهول في أسعار المواد الإستهلاكية الأساسية و فرض ضرائب جديدة. فبعد أن ظن المغاربة أنهم وَدَّعُوا الحكومة السابقة التي أساءت التعامل معهم في تدبيرها العشوائي لجائحة كورونا، ها هم اليوم يستيقظون و يخرجون إلى الشوارع بأعداد متزايدة، منذ يوم الأحد 21 أكتوبر 2021، لفضح هذه السياسات الخاطئة و التعبير عن معارضتهم للإجراءات الجديدة المتخذة بطريقة متسرعة و عشوائية. لقد فشلت الحكومة الجديدة في خروجها إلى الوجود و أصبح التشنج يشوب جميع شرائح المجتمع المغربي.

فبفعل هذه الإجراءات التي تزيد من تفاقم الأوضاع المزرية، المرتبطة بالبؤس الاجتماعي و الفقر و ركود الاقتصاد، وجل القضايا الاستعجالية الأخرى التي تتطلب أجوبة مقبولة و عادلة ما زالت في حالة انتظار، مثل ارتفاع هجرة الشباب إلى الخارج، ارتفاع نسبة البطالة و تراجع سافر في ممارسة الحريات و الحقوق و التمتع بها على مستوى التعبير و الصحافة و جمعيات المجتمع المدني علاوة على تأزم علاقاتنا مع عدة بلدان أجنبية و إغلاق الحدودالخ

و اليوم بعد عقدين من الزمن، يسجل جل المراقبين و المتتبعين لشؤون بلادنا، أن المغرب يتحرك بخطوة إلى الأمام و خطوتين إلى الوراء، و هو اليوم في منحدر تراجعي ملحوظ.

و عليه، فإن أي بلد تُقْصَى من ‘’مواطنته ‘’شريحة مهمة من شعبه، يصبح غير حاضن لكل أبنائه و المواطنة فيه غير مكتملة و غير متساوية، و إلا فكيف نفسر عدم تمتع ما يناهز ستة ملايين من مغاربة الشتات بالحقوق المرتبطة بهذه المواطنة ؟ و ذلك بعدم مشاركتهم في اختيار ممثليهم في المؤسسات التمثيلية و مراكز إتخاذ القرار و تسيير شؤون البلاد، و بالخصوص تلك التي تعنيهم مباىشرة و إلا فما الجدوى من تخصيص فصول في دستور 2011 لهذا الغرض و عدم تطبيقها.

لقد ناضل مغاربة الشتات، و ما زالوا من أجل ممارسة مكتسبات المواطنة الكاملة في بلدهم الأصل ومختلف دول إقامتهم. و اكتسبوها في دول المهجر و مارسوها على كل مستويات صنع القرار، و رغم ذلك فإن هذه المواطنة المُغْتَرِبَة تبقى حبيسة ضغوط تمارس عليها من طرف مؤسسات متعددة، و تستهدفها تهديدات كثيرة مما يحد من اسقلاليتها و نجاعة تمثيليتها.

و من جهة أخرى لا زالت قضايا متعددة و متشابكة عالقة تنتظر أجوبة حقيقية مثل: الهوية الثقافية و الدينية و التعددية الثقافية وإشكالية الإندماج و العلاقات مع الأقليات الأخرى التي نتقاسم معها العيش المشترك. كل هذا يتطلب من مغاربة الشتات جهدا كبيرا و وعيا عميقا بجسامة المسؤولية. و من أجل تحقيق ذلك يجب فتح حوار جاد ، حقيقي و واسع بمشاركة نخبهم و فعاليات المجتمع المدني، يهدف إلى تحديد منظومة القيم و توحيدها من أجل تعزيز الرابط الاجتماعي داخل مجتمع ديمقراطي متماسك و دولة القانون.

لقد بقيت علاقة مغاربة الشتات ببلدهم الأصل معقدة و غير واضحة طيلة عقود عديدة، و تأثرت بالتدخلات المباشرة و السلطويةالأبوية للدولة المغربية التي كانت تهدف دائما بالأساس إلى الحفاظ على مستوى عال لسيولة التحويلات المالية و التشبث الشديد بالروابط الوطنية التقليدية و مؤسساتها ، دون أي أدنى اهتمام بمعاناتهم و مطالبهم. و من هذه المطالب كل ما يرتبط بعلاقة الأجيال الصاعدة ببلدهم و موقعهم في مؤسساته و مساهمتهم في تطور البلاد على كل المستويات. و تكمن أهم تطلعات و انتظارات مغاربة الشتات، و بالخصوص، الشباب منهم، في الدفاع عن مصالحهم داخل بلدهم الأصل و خارجه، و الاعتراف بكامل الحقوق المرتبطة بمواطنتهم التي تمكنهم من المشاركة السياسية في كل الهيئات و المؤسسات المنتخبة و الحضور في جل القرارات التي تعنيهم.

فبعد التجربة القصيرة و المحتشمة التي تمت بين سنة 1984 و سنة 1992 التي قررت الحكومة وضع حد لها بإصدار قانون رسمي يقضي بفشل التجربة دون تقديم أي تقييم أو تفسير مقنع. و مع هذا ظل مغاربة الشتات متشبثين بمطالبهم من أجل مواطنتهم التشاركية الفعلية ، التي يدعمها الخطاب الملكي ل 6 نونبر 2006 ، و تنص عليها بنود صريحة في دستور 2011 و التي رحب بها مغاربة الشتات بروح إيجابية.

و لكن الطريقة التي تم بها إخراج مجلس الجالية إلى أرض الواقع و المنهجية الإقصائية التي باشر بها أعماله خيبت ظن مغاربة المهجر لأنها جاءت معاكسة لطموحات مغاربة المهجر، و مناقضة لتوجيهات مضمون الخطاب الملكي. و تخصص المجلس، المنقضية صلاحيته، منذ تأسيسه في محاربة كل المبادرات الرامية إلى تحقيق مطالبهم في المشاركة السياسية الكاملة كما جاءت في الخطاب الملكي و كما نص عليها دستور 2011. و تشهد جميع المبادرات التي قامت بها وزارة الجالية منذ نشأتها على تجاهلها التام لمطالب و تطلعات مغاربة العالم ، كما أنها لم ترق في يوم من الأيام إلى مستوى التعليمات الملكية التي تضمنتها خطابات 2005 و 2009 و 2007، و بنود الدستور الجديد، المتعلقة بالحقوق السياسية لمغاربة الشتات. و يُسَجَّلُ على وزارة الجالية انحطاط مكانتها إلى أقل من مكانة مديرية بوزارة الخارجية دون قيمة مضافة و استراتيجية واضحة.

و من المؤسف كذلك أن تتحالف الإحزاب السياسية، مع الأوساط المعادية لحقوقنا السياسية، و في طليعتها مجلس الجالية و وزارة الجالية، من أجل إقصائنا من المشاركة السياسية و تجريدنا من مواطنتنا، كما أنها لم تحرك ساكنا في ملف العالقين من جراء جائحة كورونا، و تستمر في تجاهل الردة الحقوقية التي تعرفها بلادنا في كل مجالات الحريات و حقوق الإنسان.

كل هذه العوامل السلبية مجتمعة، حكومة تدشن تنصيبها بقرارات قوبلت بالاستنكار من طرف مغاربة الداخل و مغاربة الشتات، علاوة على توتر علاقة المغرب مع عديد من الدول و تهديدات مباشرة يلوح بها أعداء و حدتنا الترابية، تستدعي سياسات جادة و عادلة و مراجعة على مستوى الأهداف و التوجهات التي بدونها يزداد الوضع تأزما و تغيب آفاق التفاؤل و الأمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube