حيمري البشير

حسب صحيفة الزمن الالمانية

كل شيء هنا ينبض بالجمال من منظور يساري

برلين : محمد نبيل

تناولت صحيفة “الزمن” الألمانية في مقال من توقيع الصحفيين تيتوس بلوم وآن كريستين تلوستي، عودة الجبهة اليسارية إلى الساحة السياسية الألمانية. وأكدت الصحيفة أن الجبهة حققت نجاحًا لافتًا في الانتخابات الأخيرة، متفوقة على توقعات العديد من التقارير الإعلامية التي توقعت تراجعها أو موتها السياسي. وتساءلت الصحيفة عن السر وراء هذا النجاح، مشيرة إلى أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تفسر هذا الإنجاز المدهش.

عودة اليسار المفاجئة

كانت أكبر المفاجآت في هذه الانتخابات البرلمانية تتمثل في عودة الجبهة اليسارية، التي كانت تُعتبر قد تلاشت سياسيًا وفقًا للعديد من التقارير الإعلامية. ولكن، وبنسبة 8.8% من الأصوات، تمكنت الجبهة من دخول البرلمان الألماني لتصبح الحزب الأقوى بين الأحزاب الجديدة. كما حصلت على ستة مقاعد مباشرة، بما في ذلك فوز تاريخي في مقاطعة برلين-نويكولن، وهي منطقة كانت جزءًا من ألمانيا الشرقية سابقًا. هذا النجاح المذهل طرح تساؤلاً كبيرًا: كيف تمكنت الجبهة اليسارية من تحقيق هذه المعجزة السياسية؟

هل هو الفوز بالاقتراع المباشر أم حملات تيك توك؟

تشير الصحيفة إلى أن البعض يعزو النجاح اليساري في الانتخابات إلى التركيز على الفوز بمقاعد مباشرة، وهو ما سمح للجبهة بالدخول إلى البرلمان رغم عدم حصولها على نسبة الـ 5 في المائة اللازمة. بينما يرى آخرون أن سر النجاح يكمن في حملات تيك توك. فقد أصبحت المرشحة الرئيسية، هايدي رايشينك، واحدة من أبرز النجوم السياسيين على هذه المنصة، حيث حصدت مقاطع الفيديو الخاصة بها ملايين المشاهدات. كما شكّلت شبكة ضخمة من المعجبين الذين جمعوا مقاطع الفيديو لها مع مقاطع لقياديين آخرين في الحزب مثل يان فان آكن وغريغور غيزي، مما أعطاهم ظهورًا قويًا على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك، يُلاحظ أن هناك جوانب أخرى وراء هذا النجاح، لاسيما في استراتيجيات الحزب التي كانت تسير في ثلاثة اتجاهات دقيقة وموفقة.

الاعتماد على الثقة

في ظل المشهد السياسي الألماني المتغير، حيث يوجد حزب البديل القوي وحكومة انتقالية هشة، استطاعت الجبهة اليسارية أن تبرز كقوة سياسية ذات مصداقية. فقد نجحت في تقديم نفسها كحزب موثوق، وهو أمر يعتبر جوهرًا أساسيًا في الفكر السياسي المحافظ. وعندما تراجع فريدريش ميرز في يناير عن وعده بعدم التحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، فقد فقدت القيادة المحافظة تلك الهالة التي كانت تميزها. ومن هنا، أصبح الحزب اليساري في موقع يبرز فيه كحزب يعكس الثقة والتمسك بالقيم الاجتماعية.

الاهتمام بقضايا الناس اليومية

في وقت تتزايد فيه القضايا الاجتماعية، ركزت الجبهة اليسارية على ما يهم المواطنين مباشرة مثل قضايا الإسكان، وأسعار المواد الغذائية، والتدفئة. وكان هذا النهج مستوحى من الحزب الشيوعي النمساوي الذي أصبح يُعتبر نموذجًا يحتذى به في جوانب عديدة من السياسة اليسارية. علاوة على ذلك، قرر قادة الحزب تحديد رواتبهم الشهرية بـ 2850 يورو، وهو ما يعكس متوسط دخل العامل الماهر. كما تم التبرع بالفروقات لصالح صندوق اجتماعي لدعم الفئات الأقل حظًا.

وبالإضافة إلى ذلك، تبنى الحزب فكرة “الحزب المفيد”، حيث قدم دعمًا عمليًا للمواطنين عبر ساعات استشارية اجتماعية، وأطلق تطبيقًا يساعد المواطنين على الإبلاغ عن ارتفاع أسعار الإيجارات في المدن الكبرى.

الصمت في أوقات الأزمات

لم تقتصر قوة الحزب اليساري على القضايا التي ناقشها في حملته الانتخابية، بل أيضًا على القضايا التي اختار أن يتجنب التطرق إليها. فهناك انقسامات كبيرة داخل الحزب حول قضايا مثل تصدير الأسلحة والموقف من القضية الفلسطينية، لكن القيادة نجحت في الحفاظ على تماسك الحزب من خلال التركيز على القضايا اليومية التي تهم المواطن بشكل مباشر.

التحديات المقبلة

ورغم هذا النجاح الكبير، يظل السؤال قائمًا: إلى متى ستظل هذه الأجواء اليسارية قائمة؟ قد تكون عودة اليسار ناتجة عن تحول سياسي طويل نحو اليمين في ألمانيا، مما ساعد في إحياء السياسة اليسارية. إلا أن التحديات لا تزال قائمة، فالقضايا الداخلية المتعلقة بالوحدة داخل الحزب، إضافة إلى الانقسامات حول قضايا مثل تصدير الأسلحة والمواقف تجاه الشرق الأوسط، قد تعرقل استمرار هذا النجاح على المدى الطويل.

ومع بداية الفترة التشريعية الجديدة، تبدأ الأسئلة الصعبة في الظهور، ويبقى أن نرى ما إذا كانت الجبهة اليسارية ستتمكن من الحفاظ على زخمها السياسي في ظل التحديات الداخلية والخارجية المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID