تقاريرمستجدات

اللغة الخالدة


بقلم: عبدالحي كريط

” اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة “إرنست رينان كاتب ومؤرخ فرنسي

*بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية

قليل منا يدرك أن لغة كل أمة هي احدى العوامل الاساسية والحاسمة,التي رسمت ملاح حضارتها في مختلف الميادين, وشكلت تاريخها مدا وجزرا اكثر من الف مرة مما شكلته  الحروب والجيوش الجرارة , انها أداة الرسالات السماوية والمعاملات الانسانية , على اختلاف درجاتها ومستوياتها, حيث ساهمت في الحفاظ على التراث الانساني بمختلف تلاوينه العقائدية والفلسفية والثقافية, واذا كانت الاية الكريمة تقول (( وجعلنا من الماء كل شيء حي )),فكذلك اللغة خلقت من الحضارات والعلوم والفنون كل شيء, وأقامت حضارات ودفنت وماتت مع حضارات.

وكان من حظ أمتنا العربية الاسلامية ,أن نزل عليها القران الكريم بلسان عربي مبين , يخلقها خلقا جديدا, وطورها تطويرا عجيبا, وشكلها تشكيلا فنيا رائعا,وذلك بتغيير منطق فصاحتها وبلاغتها التي تأسر الانفاس وتخلب الالباب .

ثم خرجت من رحم موطنها الاصلي الصحراوي البدوي , حاملة معجزتها القرانية ورسالتها الحضارية , الى أصقاع العالم تحت راية الاسلام ,فااكتسبت بذلك قداسة واستمرارية ذو أبعاد سرمدية, ليس لاي لغة عرفه التاريخ منذ بزوغه ولو استعرضنا على مامر على الامة العربية الاسلامية من امبراطوريات ومن تنكيل واستبداد ومن الضعف والتمزق , لتأكد لنا وتيقنا أن لولا هذه اللغة التي جمعتنا لما كانت هناك أمة بمفهومها التاريخي وحمولتها الدينية والدليل على عالمية هذه اللغة والتي تعتبر لغة ليست مخصوصة للعرب فقط فقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا هم اساس علماء النحو والصرف والبلاغة بفنونها الثلاثة  المعاني والبيان والبديع .



وعلى أي فان لغة الضاد هي من العوامل الرئيسية التي تؤدي الى التفاهم والتعاون والانسجام والتالف والوحدة بين ابناء الشعوب العربية والاسلامية, لكونها لم تكن لغة القران والسنة والعبادات والمعاملات فقط,بل هي لغة حضارتهم التي ازدهرت وترعرعت وازدهرت واسهمت مساهمة فعالة في بناء الحضارة العالمية , بنصيب وافر يعترف به الاعداء والاصدقاء على حد سواء.

واللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي يدخل تعليمها ودراستها وفهمها وفقهها ضمن نطاق الواجبات الدينية, ذلك ان المسلم المطالب بتدبر القران وفهم معانيه السامية والمقاصدية , وليس فقط قرائته قراءة مجردة, مدعوا الى دراسة العربية وذلك وفاءا لمقتضيات التدبر والتأمل والتجاوب مع القران الكريم .

الا ان الذي يؤلمنا ويوجع قلوبنا أن بعض من ينتمي الى هذه اللغة الراقية وبالأخص بعض من يسمون أنفسهم نخبة ومفكرون ويحاولون  بشتى الطرق والوسائل الانتقاص منها وتوظيفها في إطار مقاربة غير موضوعية تهدف إلى فك الارتباط باللغة العربية وكأنها الشماعة التي يعلقون عليها فشل الدولة على جميع المستويات والمجالات  و السبب ليس في اللغة بل في السياسة المتبعة وفي تنظيراتهم المجانبة للحقيقة والصواب.

 يقول وليم ورك : (( إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر. ))

فالجمود الذي تعاني منه اللغة العربية في مسايرة التطور العالمي ليس وليد اللغة بل هو وليد مثقفيها ونخبها التي مافتئت تسعى إلى اﻹنسلاخ عن هويتها الحضارية بدعوى عدم مسايرة الركب الحضاري والحقيقة أن هؤلاء يعانون لوثة عقلية جعلتهم يهرفون بما لايعرفون وهذا دليل على قصورهم الفكري والمعرفي والتاريخي في عدم استعابهم لقوة هذه اللغة وعالميتها فهي لغة حوت جميع الثقافات ولم تقصي اللغات الأجنبية الأخرى بل تمازجت معها وحافظت على تراثها وشكلت حضارة كانت البذرة الأساسية للنهضة الغربية.

وختاما اختم بمقولة عميد الادب العربي طه حسين  “ان المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube