احمد رباصتربية وعلوممستجدات

الممارسة السوسيولوجية بالمغرب: تطور مؤسسي وتحديات جديدة (5/2)

أحمد رباص – حرة بريس

هدف تدريس علم الاجتماع في معهد السوسيولوجيا إلى حصول الطالب على ثلاث شهادات في ثلاث شعب: السوسيولوجيا،، الديموغرافيا والإحصاء الاجتماعي، والأنثروبولوجيا الثقافية. التحق به 266 طالبا في موسم 1965-1966 وتخرج 19 طالبا (الخطيبي، 1967: 59). ونظرا لتصور معهد السوسيولوجيا كبنية لكل من التدريس والبحث، فقد أصبح عمليا هيئة تعليمية فقط بسبب نقص المدرسين وضعف الموارد المالية واللوجستية. وفي هذا الإطار، أكد تقرير الخبراء الذي أعده بيير كون، والذي بدأته اليونسكو، على عدم وجود قسم للأبحاث في معهد السوسيولوجيا (كون، 1964).
في الوقت نفسه، أصدر معهد السوسيولوجيا “دفاتر معهد السوسيولوجيا” (عدد واحد في السنة). بالإضافة إلى هذه المجلة، كانت هناك النشرة الاقتصادية والاجتماعية للمغرب (مجلة ربع سنوية تصدر منذ عام 1933 من قبل جمعية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والإحصائية) ومجلة البحت العلمي الصادرة عن المركز الجامعي للبحث العلمي والتي تضمنت قسما خاصا بعلم الاجتماع.
كان الهدف من إدخال السوسيولوجيا إلى المنظومة الجامعية من قبل باحثين شباب في علم الاجتماع إعادة تأسيس سوسيولوجيا وطنية والارتقاء بالبحث العلمي. هؤلاء الشباب، وفقا لآلان روسيلون، “أفراد مقاومون للجهاز البيروقراطي، ومن بينهم شخصية بول باسكون (1932-1985)، […]، سيضعون الأسس الأولى لحقل علمي محلي، وسرعان ما انضم إليهم حفنة من المثقفين المغاربة الشباب” (روسيون، 2002: 207).
يتعلق الأمر، بالنسبة لهذا الجيل الأول من السوسيولوجيين المغاربة، من ناحية، بالقطع مع الإرث الاستعماري ونبذ مفاهيمه، ومن ناحية أخرى، باللمشاركة في مشاريع التنمية في البلاد من خلال إنشاء “علم اجتماع نقدي وموضوعي.”
وهكذا اتسمت أعمالهم بتفكير عميق، من ناحية، في صحة استخدام المناهج، المفاهيم والنظريات الغربية، ومن ناحية أخرى، في بناء جهاز نظري ومفاهيمي تم تطويره محليا من قبل الباحث السوسيولوجي، وفي كيفية تجريبه في الواقع.
لقد تمثلت المهمة الأساسية لعلم الاجتماع في القيام بنقد مزدوج (الخطيبي، 1975: 1)؛ ما يعني “تفكيك مفاهيم نابعة من المعرفة والخطابات السوسيولوجية التي نابت عن العالم العربي وهي تتحدث عنه. في الوقت نفسه، نقد المعرفة والخطابات التي طورتها المجتمعات المختلفة في العالم العربي عن نفسها.”
يؤكد هؤلاء الباحثون الشباب في منشوراتهم الأولى على الدعوة “المناضلة” إلى المعرفة السوسيولوجية. كتب بول باسكون أن السوسيولوجيا “مدعوة لتوفير الوسائل والوصفات لتحويل المجتمع نحو غاية يفترض أن تكون جيدة. من طرف من؟ من طرف السلطة؟ من طرف السلطة المضادة؟ من قبل الوزارة؟ من قبل الحزب؟» (باسكون ، 1979: 62).
على المستوى المنهجي، أدى هذا الموقف إلى إيلاء اهتمام خاص لدراسة وملاحظة الوقائع الاجتماعية. يعكس مفهوم “المجتمع المركب”، الذي ابتكره بول باسكون، هذا الاهتمام ببناء مفاهيم وأدوات جديدة لجمع الحقائق لأجل تحليل المجتمعات المختلفة (الأبوية، الثيوقراطية، القبلية، الفيودالية)، التي تتعايش، أحيانا في نفس الوقت وفي نفس المكان داخل المجتمع المغربي.
تتطلب الطبيعة المركبة للمجتمع المغربي من الباحثين اتباع مقاربة منهجية محددة (باسكون، 1967). لهذا، قدمت الماركسية لعلماء الاجتماع الشباب الأدوات المناسبة للتفكير وفهم خصوصية الثقافات والبنى الاجتماعية المغربية (بودربالة، 2007).
ترتبط الموضوعات التي يستكشفها علماء الاجتماع ارتباطا وثيقا بمشاريع التنمية التي بدأت بعد الاستقلال؛ إنهم اندرجوا في منطق المعركة الكبيرة ضد التخلف. وهكذا شكل مجال علم الاجتماع القروي أساس التوجهات السوسيولوجية الجديدة.
كما تمثل دور عالم الاجتماع القروي في “فحص طرق ووسائل دخول الثقافة الحضرية، الصناعية، الغربية، المؤدية إلى اغتراب المجتمع القروي، الذي لا يسلم منه المجتمع ككل علاوة على ذلك” (الزكاري، 2007: 299). وكان يُنظر إلى دراسة الظواهر القروية على أنها محلل للتغيرات الاجتماعية.

إن استكشاف هذا المجال الاجتماعي يجعل من الممكن فهم أشكال الهيمنة الاستعمارية والسيطرة الداخلية، وبلترة الفلاح المغربي، وهجرة سكان القرى الذين انتزعت منهم أراضيهم.
كان هدف علماء الاجتماع الأوائل هؤلاء هو الأخذ بعين الاعتبار لهذه الفئات الاجتماعية الجديدة ونظام التقسيم الطبقي الاجتماعي.
في هذا الإطار، اندرج عمل العديد من الباحثين السوسيولوجيين الذين ميزوا بداية السوسيولوجيا في المغرب، كما يتضح من الحصيلة الأولية، التي انجزها عبد الكبير الخطيبي، لعلم الاجتماع في المغرب من عام 1912 إلى عام 1967.
إلى جانب بول باسكون، أصبح جاك بيرك البادئ بتحويل جذري للفكر السوسيولوجي في المغرب (نيكولا، 1961: 539). كما اهتم الباحثان الشابان أندريه آدم وجان بول تريستام، المتعاونان مع روبرت مونتاني وأساتذة المدارس الثانوية، بالقضايا الحضرية والفئات الجديدة في المجتمع المغربي. شخصية أخرى من هذه الفترة هي غريغوري لازاريف، الذي ركز هذا البحث على المسألة القروية في المغرب.
(يتبع)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube