فضاء الخبراءمستجدات

عمر بنشقرون “البنوك التشاركية في المغرب، أية آفاق”

” موضوع مناقشة أطروحة الدراسات العليا المتخصصة في النظام المالي الإسلامي “
بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

يبلغ عدد البنوك العاملة وفق أحكام الشريعة الإسلامية حاليا في المغرب، خمسة مصارف وهي: بي تي اي بنك، بنك الصفاء، بنك اليسر ، أمنية بنك و البنك الأخضر.
تسير عملية إرساء بنوك إسلامية في المغرب بخطى بطيئة، مع وجود العديد من التحديات والصعوبات التي تجعل من إمكانية نهوضها يتطلب جهوداً و لسنوات مقبلة.
ولقد عرفت التمويلات الممنوحة من طرف هذه البنوك ارتفاعا سنويا بنسبة 55,3% إلى أكثر من 15,9 مليار درهم خلال شهر ماي 2021، حيث تتوزع على القطاع العقاري (13,73 مليار درهم)، والاستهلاك (1,06 مليار درهم)، والتجهيز (1.08 مليار درهم)، والخزينة (19 مليون درهم). و بالموازاة مع ذلك، ارتفعت التزاماتها إلى أكثر من 5,44 مليار درهم لدى البنوك التجارية، وذلك أساسا على شكل إعادة التمويل من خلال منتوج “وكالة بالاستثمار” وودائع تحت الطلب من الأبناك الأم.
أما فيما يخص حسابات الشيك والحسابات الجارية، فقد ارتفعت بنسبة 50,3 في المائة إلى 4,53 مليار درهم، و بلغت الودائع الاستثمارية 1,32 مليار درهم.
البنوك الإسلامية (أو ما يصطلح عنه في المغرب البنوك التشاركية) هي مؤسسات مالية لاتختلف من حيث الشكل عن البنوك التقليدية “التجارية” فهي تقدم خدمات بنكية من قبيل القروض وتمويل المشاريع وإصدار الشيكات ومنح بطائق السحب وصرف العملات، غير أن وجه الاختلاف عن البنوك التقليدية التجارية، هي أن أدبيات هذا الصنف من المصارف (البنوك التشاركية) تقوم على العمل وفق الشريعة الإسلامية وعدم التعامل بالفائدة.
وإذا كان المغرب قد تأخر في منح الترخيص لفائدة البنوك التشاركية لمزاولة نشاطها، مقارنة بعدد من دول الخليج و الشرق الأوسط وحتى بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فإن هذا التأخير أتاح الفرصة للاستفادة من أخطاء تجارب الآخرين، وبالتالي أخذ الوقت الكافي لتمهيد أسس صلبة لهذا الصنف من البنوك.
ولقد تضمن القانون الجديد الخاص بالمؤسسات الائتمانية و الذي صادق عليه البرلمان، عدة مقتضيات تتوافق وهذا الصنف من البنوك. من أهمها:
المرابحة : يقوم عقد المرابحة في البنوك التشاركية على البيع والشراء بدل القرض. مثلا إذا تقدم زبون ما بطلب الحصول على قرض لشراء شقة أو سيارة، فإن البنك الاسلامي، بدل أن يمنح القرض ، يقوم بشراء السيارة أو الشقة وإعادة بيعها للزبون مقابل الربح.
الإجارة : وهي نوعان. النوع الأول عبارة عن كراء عادي لعقار أو معدات، فيما النوع الثاني، كراء لكنه ينتهي بالتمليك.
المضاربة : بموجب المضاربة، يتقدم الزبون إلى البنك التشاركي بطلب المشاركة في إحداث مشروع. الزبون يشارك بالعمل والخبرة، فيما يشارك البنك برأس المال. في حال تحقيق الربح، فإن الطرفين يربحان معا، لكن في حال الخسارة، فإن البنك وحده من يتحمل نتائجها.
المشاركة : في هذه الحالة يوقع الزبون عقدا مع البنك، بموجبه يشارك البنك في رأسمال المشروع الذي يتقدم به هذا الزبون، على أن يقتسم الطرفان الربح والخسارة.
الأصل في البنوك الإسلامية أنها تعمل حسب أحكام الشريعة الإسلامية، لكنها تتفاوت فيما بينها في درجة الانضباط بهذه الأحكام في إجراء المعاملات، نظراً لتفاوت القائمين عليها في الناحية العلمية، ودرجة خشيتهم لله تعالى. و التعامل مع هذه البنوك جائز في الجملة، إلا إذا ثبت للعميل أن البنك يجري معاملة ما على خلاف أحكام الشريعة الإسلامية، فلا يجوز للعميل حينئذ التعامل معه بهذه المعاملة بعينها، و لا يعني هذا أنه يترك التعامل معه تماماً، لأن بقية معاملاته تسير بصورة صحيحة، والبيع الذي تقوم به البنوك الإسلامية هو ما يسمى بـ”بيع المرابحة للآمر بالشراء”.
و عن حكم ما يسمى بـ ( البنوك التشاركية) أن يقوم بنك ربوي بالاشتراك مع بنك إسلامي، لينتجا بنكا آخر إسلامي وكل معاملاته إسلامية. أفلا يؤثر رأس مال البنك الربوي؟ “
في المغرب، تم اختيار اسم البنوك التشاركية في عوض الاسلامية تجنبا لرفض المعادين لكل ما هو إسلامي، و لعدم تحميل الإسلام أخطاء هذا النوع الجديد من البنوك الناشئة في القطاع المالي الوطني، فهي بنوك ذات الشخصية المعنوية التي تعمل مثلها مثل البنوك العادية التجارية، شريطة أن لا تتعامل بالفائدة، أخذا، أو عطاء، أو هما معا. فالمادة 52 من القانون البنكي المغربي يحرم على البنوك التشاركية التعامل بالفائدة، فيما يبيح لها أن تأخذ الودائع، وتعطي بطاقة السحب، وتقوم بصرف العملات.
و خصص كذلك 17 مادة من أصل 196 مادة لهذا النوع من البنوك التشاركية، وأعطى لها عقودا خاصة بها، وهي ستة انواع من العقود ( كما ذكرت وعرفت أعلاه): المرابحة، والإجارة، والشركة، والمضاربة، والسلم والاستصناع.
ولنا في المغرب رقابة شرعية موحدة على معاملات هذه البنوك، تتمثل في المجلس العلمي الأعلى، وهو مجلس شرعي له مجالس إقليمية.
أما معيار الحكم على هذه البنوك فهو : انضباط معاملات هذه البنوك وفقا لأحكام الشريعة، وليس مجرد الادعاء بأنها إسلامية، ولهذا فالحكم عليها يتطلب الوقوف على معاملاتها.
وتمثل حصة البنوك التشاركية في المغرب بمتم 2020 نحو 16% من إجمالي القطاع البنكي. بينما تشير مؤسسات دولية أن النسبة العادلة في الوقت الحالي هي 25% في العالم.
أما بالنسبة لمنتوجات الأصول الإسلامية، فهي لا تتعدى 9% من إجمالي الناتج الداخلي الوطني، وهو رقم أعتبره “متواضعاً جداً”.
و في هذا الصدد، لجأت عديد الدول الآسيوية والأوروبية، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية، إلى المالية التشاركية كجزء من التعاملات المالية والبنكية، بسبب مزاياها المتعددة خاصة تلك المتعلقة بالفوائد.
أما فيما يخص “الصكوك التشاركية” فهي منتج مهم ويعتبر رافداً من روافد التمويل العمومي، ولا يمثل كلفة على التداين كما هو الحالي في السندات. وهذا أكبر تحد أمام البنوك التشاركية هو إدارة السيولة باعتبار أن البنوك التجارية لها أفضلية في هذا المجال مقارنة مع نظيراتها “الاسلامية”. وأمام الأوضاع المالية المتدهورة التي تمر بها عديد المؤسسات والبنوك العمومية، فإن اللجوء إلى صكوك الإجارة يعتبر الحل الأمثل للخروج من هذا الوضع.
والوضع المالي الحالي الذي تمر به البلاد، يجعل من البنوك التقليدية تعاني فما بالك بالبنوك التشاركية الحديثة العهد في مغربنا الحبيب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube