امين سامي

الاستراتيجية الصينية في إدارة أزمة كورونا فيروس

أمين سامي
استشاري في الاستراتيجية و القيادة و تطوير أداء المنظمات غير الحكومية.

  1. نهضة الصين

إن نهضة الصين ليست وليدة اللحظة، بل هي نهضة مرت بمراحل متعددة ومبنية على فكر استراتيجي واستشرافي للمستقبل لهذا وجب معرفة أولا طبيعة المجتمع الصيني وتحليل علم الصين ، إن هذا الأخير مستوحى من علم الاتحاد السوفيتي سابقا ، فاللون الأحمر يرمز لدماء المحاربين أما النجوم الصفراء فترمز إلى ثقافة البلاد و الشعوب الصينية.

يضم العلم الصيني 5 نجوم ، نجمة كبيرة صفراء خماسية ترمز للحزب الشيوعي الصيني الحاكم للبلاد و 4 نجمات صفراء صغرى ترمز إلى طبقات الشعب الرئيسية وهي : طبقة العسكريين ، طبقة المعلمين، طبقة الفلاحين و أخيرا طبقة العمال. إن الصين كانت واعية كل الوعي منذ البداية بأهمية هاته الطبقات لهذا لم تذخر جهدا في العناية بها و الرقي بها . فلقد أدركت منذ زمن بعيد أن صور الصين العظيم ليس هو الحماية الحقيقية فالصين عندما قررت بناء الصور كانت تعتقد أن بناء الجدار هو الحل الأنسب للحماية من العدو فعرفت مرحلة بناء السور إمكانات ضخمة جدا و تجند لها الآلاف من العمال لكنها عرفت خلال الفترة نفسها – أي مرحلة بناء السور – أشد الغزوات ضراوة فالعدو لم يكن يقفز من فوق السور و إنما كان يقوم بإرشاء حراس البوابات و الدخول من البوابات . ومن هنا اكتشفت الصين أن الحماية الحقيقية هي بناء الإنسان و الرفع من جاهزيته ودافعيته.

لهذا اهتمت الصين منذ البداية بتقوية جهازها العسكري و الرفع من جاهزية العسكريين و الرفع من استعداداتهم و حافزيتهم لمواجهة المخاطر مستقبلا ، فالجندي هو إنسان + سلاح وهنا استحضر معكم نوعية الوسائل فهي نوعان : وسائل بشرية ووسائل تقنية.

فالتنظيم الجيد هو الذي يقوم بدمج الوسائل البشرية و التقنية بشكل محكم وجيد ، حيث يجب الاهتمام بالوسائل البشرية من خلال إعدادها و الرفع من درجة حافزيتها واستعدادها و تأهيلها بشكل جيد وأما الوسائل التقنية فيجب التأكد من أعدادها و مدى فعاليتها و كفاءتها وفي هذا الإطار اهتمت الصين بالفئة الأولى وهي فئة العسكريين.

أما طبقة المعلمين فقد أدركت الصين أن الإنسان جسد و فكر فاهتمت ببناء الفكر والعقل وقامت بتغذيتهما عن طريق التعليم و تشجيع التعلم الذاتي للرفع من منسوب الوعي لدى الشعب الصيني. لهذا فقد انصب كل اهتمامها على بناء الشخص وفي هذا الإطار قامت بإعطاء الأولوية القصوى للمدرسة الصينية التي هي مصدر لزرع القيم الصينية الأصيلة و تربية النشء و الأجيال القادمة على حب الوطن.

فكما لا يخفى عليكم فإذا كان التعليم هو غذاء الفكر فالطعام هو غذاء البدن لهذا اهتمت الصين بالفلاحة و الفلاحين فهم عصب الدولة في توفير الغذاء و المؤنة ، فبدون الفلاحين لا يمكن لقطاع العسكريين أن يكون في صحة جيدة ولا يمكن أن يكون في جاهزية عالية جدا للدفاع عن الوطن وبدون فلاحة أيضا لا يمكن بناء جيل من المتعلمين واعين بحقوقهم ومتمتعين بصحة جيدة تساعدهم على التعلم بشكل فعال وبدون فلاحة لايمكن لقطاع العمال أن يشتغل بشكل جيد ويطور من مهاراته وإمكانياته. لهذا اهتمت الصين بالفلاحين بدرجة كبيرة جدا لأنها تعتبر أن الشخصية المتوازنة والمتكاملة هي شخصية ناتجة عن توازن في النظام الغذائي (غذاء الفكر+ غذاء البدن) و أي اختلال في هذا النظام الغذائي فهو بطبيعية الحال اختلال في الشخصية.

وأخيرا قطاع العمال و هو من أهم القطاعات الإنتاجية في الصين و عصب اقتصاد الصين، لذا كان لابد من الاهتمام بهذه الطبقة وتطويرها و تأهيلها بشكل جيد كي تشكل الركيزة الأساسية لبناء دولة الصين الجديدة. لهذا فقد انكبت القيادة الصينية على تطوير وتأهيل العمال و الرفع من تكوينهم العلمي و المهني و توفير المواكبة لهم و خلق شعب مهنية جديدة من اجل تطوير مهاراتهم ومواكبة احتياجات ومتطلبات السوق الداخلية أولا والمساعدة في سد الاحتياج في السوق الخارجي حتى وصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 14.961 تريليون دولار. وبهذا تمكنت الصين من خلق وتوفير يد عاملة رخيصة و متطورة قادرة على تطوير وتنويع الخدمات و المنتوجات الصينية بأقل الموارد و تحقيق أعلى النتائج.

  1. الاستراتيجية الصينية في إدارة أزمة covid – 19

إن التطور الحاصل ليس هو وليد اللحظة بل هو طريق ومدة زمنية لا يستهان بها من الاشتغال واستراتيجية مدروسة بدقة محكمة . فكما نعلم جميعا أن الإستراتيجية هي فعل جماعي في المستقبل وبالتالي وجب طرح التساؤل هل نعطي الأولوية للفعل و غاياته؟ أم للجماعة وانسجامها؟

إن المدرسة الغربية تعطي الأولوية للفعل و غاياته وذلك نظرا لأسباب براجماتية و إيديولوجية فانتجت لنا مجتمع سياسي عكس المدرسة الصينية التي تعطي الأولوية للجماعة و انسجامها لأسباب ديمغرافية وتاريخية فأنتجت لنا مجتمع استراتيجي وهنا الفرق فلا يمكن المقارنة بين دولة اشتغلت وعبأت كل إمكانياتها لإنتاج مجتمع استراتيجي ومدرسة غربية أنتجت مجتمع سياسي فالأول يشتغل وفق رؤية موحدة تخدم مصالح الوحدة والجماعة في حين أن المجتمع السياسي يشتغل وفق ايديولوجية سياسية تخدم مصالحه السياسية وهذا فرق شاسع. ويتضح الفرق جليا في تدبير الأزمة.

إن العالم اليوم يشهد وسيشهد تطورات هامة ومهمة في ظل تطور فيروس covid-19 وفي ظل تطور وظهور عصر الأوبئة ، حيث ستحصل تطورات على مستوى العلاقات الدولية ، تطورات على مستوى الزعامة والريادة في العالم تطورات وتحولات على مستوى إعادة التدفقات المالية ، فالعصر القادم سيشكل تهديدا للدول النامية و الدول السائرة في طريق النمو ولكنه فرصة للدول ذات المجتمعات الإستراتيجية لانه سيتيح لها تشكيل العالم من جديد وتحديد معالم النموذج التنموي العالمي الجديد.

إننا اليوم ونحن نعيش مع هذا المتغير الجديد الذي بدأت بوادر آثاره تظهر على اقتصادات الدول النامية يجعلنا نطرح السؤال الأهم وهو كيف استطاعت الصين الخروج من أزمتها مع أنها هي المصدر الأول للوباء وهي البؤرة الرئيسية للانتشار؟

الكثير من الأشخاص سيقولون إن الصين دولة قوية ولها الوسائل و المعدات جعلتها تتغلب على الأزمة إذا كان كذلك فلماذا لم تتغلب إيطاليا واسبانيا و فرنسا و بريطانيا على ألأزمة وهم ليسوا دول نامية أو سائرة في طريق النمو بل دول متقدمة ولها إمكانيات مهمة في المجال الصحي وتتوفر على طواقم طبية عالية وذات خبرة و لماذا اليوم أمريكا التي تحكم العالم أصبحت بؤرة للوباء ولم تتمكن من السيطرة عليه ؟

في اعتقادي الشخصي أن الوسائل و المعدات الطبية جزء من الحل . وبالتالي فإن الصين قامت بوضع إستراتيجية إدارة الأزمة واعتبرت البلد كشركة واحدة تشتغل بنظام العمليات systéme de processus .

وبالتالي عملت الصين على تقسيم العمل إلى 3 عمليات كبرى وهي : عمليات القيادة، عمليات الإنتاج، وأخيرا العمليات المساندة.

  1. عمليات القيادة :

تجلى دور عمليات القيادة في المراقبة واستشراف الوضع الوبائي وتتبع تطوره والبحث عن حلول استشرافية وحلول جديدة من خارج الصندوق لإدارة الأزمة بشكل جيد فكان هذا دور مراكز البحث العلمي و المراكز البحثية و مراكز الدراسات الاستشرافية في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية ، ….

  1. عمليات الإنتاج :

وهذا كان دور عمل وزارة الصحة الصينية ومهنيي قطاع الصحة و مختبرات الأدوية و مختبرات التحاليل الطبية وكل المتدخلين بشكل مباشر في مجال الصحة وهذا ساعد على توحيد جهود العمل و تطويق المرض.

  1. العمليات المساندة :

وأخيرا العمليات المساندة وهذا كان عمل القطاعات الحكومية الأخرى و المجتمع المدني الصيني و كل شرائح المجتمع التي ساهمت و ساعدت في التنزيل الحرفي للإجراءات التي اتخدتها القيادة الصينية .

فالصين جندت كل إمكانياتها للتغلب على المرض وهذا ما كان وبالتالي فنجاح الصين ليس مرتبط بتعبئة الوسائل بل مرتبط بإعادة تنظيم الموارد بشكل أفضل . ومن هنا لا يمكن تغيير النتيجة بالاعتماد على نفس الوسائل ونفس الاستعدادات بل لابد من إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع covid-19 بشكل مختلف وذكي كي نحقق نتيجة مختلفة فعالة و إيجابية في الأداء.

وفي الأخير إن أغلب الدول كيفما كانت عندما تصلها الأزمة تحاول بناء جدار بينها و بين الأزمة للحيلولة دون الوصول إليها ولكن القل القليل مثل الصين التي رأت في الأزمة فرصة لها فأنقدت اقتصادها حفاظا على حقوق الأجيال القادمة و استغلت الأزمة بشكل جيد لتحقيق مكاسب كبيرة.

إننا اليوم مطالبين باستيراد اللاعبين في مختلف المجالات لمواجهة الأخطار القادمة وفي المقابل علينا إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع لاعبينا كي نستفيد منهم مستقبلا في مواجهة الأزمات القادمة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube