مستجداتمقالات الرأي

كلمات* .. في التطبيع ومعادلة السقوط

* يسقط التطبيع حتى لا يسقط المغرب*

أحمد ويحمان

× منذ اللحظة الأولى التي أُعلن فيها عن مسار التطبيع مع كيان الإجرام الصهيوني في دجنبر 2020، كان واضحًا أن الأمر لا يتعلّق بخيارٍ سيادي محسوب الكلفة والمردود، بقدر ما كان مقامرة ساذجة غير محسوبة العواقب وخطوةً استباقية محفوفة بالمخاطر، تضع المغرب في قلب معادلة ملغومة. واليوم، وبعد مرور خمس سنوات، تبدو الصورة أكثر وضوحًا للجميع : فنحن لسنا إزاء مجرد علاقة دبلوماسية عابرة كما تمت محاولة تقديمها في البداية لامتصاص وقع الصدمة،( وهي مدانة في كل الأحوال)، بل أمام تسونامي اختراق صهيوني شمل مختلف القطاعات والفضاءات، حتى بات يهدد تماسك الدولة نفسها. ومن هنا، فإن عنوان هذا المقال “يسقط التطبيع حتى لا يسقط المغرب” ليس مجرد شعار احتجاجي، بل هو توصيف دقيق لمعركة وجودية باتت حتمية.

1 *سؤال على أسئلة العزماني*

في مقاله الأكاديمي العميق “التطبيع تحت الضغط: معادلة التوازن الصعب”،وصلني أمس من أحد الأصدقاء، قدّم الباحث عز الدين العزماني قراءة رصينة لمسار التطبيع المغربي، متوقفًا عندما أسماه الضغوط والرهانات الجيوسياسية التي دفعت، في رأيه، الدولة إلى هذا الخيار، كما أبرز التوتر المتنامي بين ما اعتبره مصالح الدولة الرسمية ومواقف الأغلبية الشعبية. وهو جهد علمي يُحسب له، ويشكّل أرضية مهمة للنقاش. غير أن السؤال المركزي الذي نطرحه هنا هو : هل بقي للتوازن الذي يتحدث عنه د العزماني وجود فعلي؟ أم أن الوقائع المتلاحقة أبانت أن الرهانات الموعودة لم تكن سوى أوهام، بينما النتائج الواقعية تجسّدت في اختراق عميق وخطير لمؤسساتنا، وسيادتنا، ووحدتنا الوطنية وتهديد جدي لأمننا واستقرارنا ووحدتنا الترابية والمجتمعية ؟

*2. معادلة الأرقام: 7٪ تفرض على 93٪*

تُظهر استطلاعات الرأي، كاستطلاعات الباحثين في الباروميتر العربي، أن ما يقارب 78٪ من المغاربة يرفضون التطبيع رفضا مطلقا، بينما لا يؤيده سوى أقلية لا تتجاوز 7٪. ومع ذلك، نجد أن صوت هذه الأقلية القليلة، هو الذي أصبح سياسة دولة تفرض على الجميع.هنا يطرح السؤال الديمقراطي الجوهري: كيف يمكن لقرار أقلية هامشية أن يُعلي نفسه على الإرادة الساحقة للشعب؟ أليست هذه استبدادية مضاعفة؟ استبداد داخلي بقرار سيادي، واستبداد خارجي بفرض أجندة كيان استعماري على وطن كامل؟

*3. الرهانات الجيوسياسية: من أوهام إلى كوابيس*

رُوّج للتطبيع باعتباره ورقة استراتيجية رابحة، على رأسها “اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء”. لكن، كما أشرنا في مقالات سابقة، فإن هذا الاعتراف، اللاأخلاقي في ذاته، بقي مشروطًا، ملتبسًا، وقابلًا للمراجعة مع أي تبدّل في البيت الأبيض، وهو ما وقع بالفعل مع إدارة بايدن التي لم تحسم في المسألة، بل وجاءت من خلال سفيرتها في الجزائر لتنقلب على هذا الاعتراف بالقول في إحدى تصريحاتها بأن الرؤية الأمريكية لمشكل الصحراء الغربية *يتطابق* مع الرؤية الجزائرية ! .

لا بل بل إن الكيان الصهيوني، بدل أن يكون “داعمًا” لمغربية الصحراء، صار يتوغّل في الأقاليم الصحراوية مستثمرًا، مستنزفًا، ومخترقًا نسيجها الاجتماعي، ما أثار غضبًا شعبيًا واضحًا في صفوف الصحراويين الوحدويين أنفسهم .. أي إن “المكسب” تحوّل إلى منصة اختراق.

*4. الاختراق الصهيوني : استهداف المغرب في عمقه*

ويبقى الأخطر في التطبيع هو فتح الباب على مصراعيه أمام جهاز استخبارات الموساد وشبكات النفوذ الصهيوني للتغلغل في قلب المغرب، إلى حد استهداف رأس الدولة نفسه، وهو ما تؤكده شواهد صادمة : فهذه شبكة هنا يدفع بأحد أعضائها للتهجم على الرسول الكريم (يوسف أزهري) الذي خرج بتصريح علني يصف فيه الرسول محمد ﷺ بأنه “صهيوني”! .. وهذه شبكة هناك يدفعون بأحد أعضائها، هو المدعو محمد أوحساين، للتهجم على الملك ويقول، بعد الإشادة باليهود والصهاينة، ليقول بأن الملك وأسرته “يهود ولا علاقة لهم بآل البيت” !!! ، في تطاول سافر على المؤسسة الملكية وعلى الملك نفسه ! .. وهذه شبكة هنالك، تحت إشراف مستشار مجرم الحرب نتانياهو ، المدعو عوفير جاندلمان يتدفع المدعو عبد الله الفرياضي بأن يحاول، في مساعده مع رئيس الحكومة ورئيس بلدية أݣادير عزيز أخنوش، إلى استبدال أسماء الشوارع ذات الرمزية الوطنية والفلسطينية، بأسماء يهودية وصهيونية … وشبكات وشبكات لحاخامات وأخرى لضباط في الجيش والاستخبارات في مهام مختلفة على رأسهم الحاخامين أوشياهو بينطو و أبراهام غولن وضباط الموساد؛ الأنتربولوجي بروز مادي وايزمان والمؤرخ، ظ إيغال بنون… الخ إن هذه الممارسات ليست زلات فردية، بل شواهد على اختراق عميق منظم، يهدف إلى ضرب ثوابت الهوية المغربية، وتشكيك الشعب في رموزه الوطنية والتاريخية والدينية والسياسية. إنها وقائع تؤكد أن التطبيع ليس مجرد “خيار دبلوماسي”، بل مشروع لتفكيك المغرب من الداخل، بدءًا من وحدة الشعب، مرورًا بالمقدسات، وصولًا إلى الدولة ورأس الدولة.

*5. الغضب الشعبي والصحراوي : صوت الوطن العميق*

إن الرد على كل هذا الاختراق لم يعد يقتصر الغضب من خلال التحركات الشعبية في المدن والجامعات، بل إن الخطورة أصبحت تتنامى بما يتم تسجيله،أيضًا وخصوصاً ، لدى الصحراويين الوحدويين الذين يرون في الاختراق الصهيوني تهديدًا مباشرًا لثرواتهم ومقدراتهم وتحديا لمشاعرهم وكرامتهم وشرفهم. فهذا الغضب العارم، والشكل الذي تطور به، يضع الدولة أمام معادلة مستحيلة: إما العودة لإرادة شعبها وصيانة سيادتها، أو الاستمرار في مغامرة خطيرة تجعلها في مواجهة مع 93٪ من مواطنيها، ومع التاريخ نفسه.

*6 . نحو خلاص وطني: إسقاط التطبيع قبل فوات الأوان*

إن التطبيع لم يجلب سوى الأوهام والكوابيس. لم، ولن يحسم قضية الصحراء، ولم يجلب ازدهارًا اقتصاديًا، بل فتح الباب أمام اختراق استخباراتي وثقافي خطير، يهدد أسس الدولة، بعدما لطخ سمعتها وبدد مصداقيتها بين شعوب الأمة وأكل أحرار العالم.

ومن هنا، فإن خيار إسقاط التطبيع لم يعد موقفًا سياسيًا أو أيديولوجيًا، بل صار ضرورة وطنية ملحّة لحماية المغرب من الانهيار.

إن التطبيع اليوم يسعى إلى إسقاط المغرب، ولذلك فإن معركتنا كشعب، بكل مكوناته، هي أن نسقطه قبل أن يُتم مشروعه في إسقاطنا جميعا؛ وطنا ومجتمعا ودولة .

*آخر الكلام* لقد كان د.العزماني محقًا في حديثه عن “معادلة التوازن الصعب”، لكننا نرى أن الكفة اختلت تمامًا، وأن التوازن تحوّل إلى ميلان خطير نحو الهاوية. إن المغرب، بتاريخه وهويته ووحدته، أكبر من أن يُختطف بقرار استبدادي تُملِيه أقلية صغيرة وتفرضه أجندة أجنبية. وإسقاط التطبيع اليوم هو الشرط الأول لحماية الوطن، والحفاظ على الدولة، وصيانة مكانة المؤسسات الدولتية، بما فيها المؤسسة الملكية نفسها [ التلاعب الصهيوني بما يسمى “إمارة المؤمنين ” من خلال محمد أوحساين وفيصل مرجاني ]، من محاولات الاختراق والتفكيك.

باختصار، ينبغي، عاجلا، أن *يسقط التطبيع، حتى لا يسقط المغرب.* . وآخر دعوانا أن اللهم اسق عبادك وبهائمك !-

——————-

× رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube
Set Youtube Channel ID