“جبروت”: أوهام وسراب لا تصنع إصلاحًا تستمر ما يُعرف بحملة “جبروت”

في محاولات إثارة البلبلة والتشويش على مؤسسات الدولة ورموزها، عبر أساليب تقوم على التشهير والتضليل وبث الأخبار المفبركة. لكن، من منظور حقوقي، هذه الحملات لا يمكن أن تُغيّر شيئًا من واقع الناس، لأنها تقوم على الأوهام والسراب، بينما الإصلاح الإيجابي لا يُبنى إلا على الوضوح والمشاركة الحقيقية.الاستهداف الانتقائي تمييز مرفوضاللافت أن “جبروت” لا تهاجم الجميع، بل تختار استهداف أشخاص وفئات بعينها. هذا الانتقاء التعسفي هو شكل من أشكال التمييز المرفوض حقوقيًا وأخلاقيًا، إذ لا يقوم على معايير موضوعية، بل على نوايا التشويه فقط. والأسوأ أن بعض المستهدفين تفرض عليهم وظائفهم الحساسة في الأمن أو القضاء أو الدبلوماسية واجب الصمت والتحفّظ، فلا يستطيعون الرد، بينما خصومهم يختبئون وراء الحسابات المجهولة.الصمت ليس ضعفًا بل قوة مؤسساتيةفي عالم الحقوق، الصمت عندما يُفرض بالمسؤولية والالتزام، ليس علامة ضعف، بل هو دليل قوة وانضباط. فالمؤسسات لا تدخل في مهاترات رقمية ولا تتنازل عن وقارها بالرد على الشائعات، بل تظل ثابتة في أداء مهامها. هذا ما يغيظ خصوم الوطن: أنهم يصرخون بالفراغ بينما الدولة تواصل البناء.أوهام لا تنتج إصلاحًاالحقيقة أن من يقفون وراء “جبروت” ليسوا دعاة إصلاح، بل مهووسون بالضجيج، عاجزون عن تقديم أي بديل أو مشروع. اختاروا طريق التشويه لأنه الأسهل، فكانت النتيجة أن تحوّلوا إلى أدوات بلا تأثير، يعيشون في عالم افتراضي من السراب. فالأوهام لا تنتج تغييرًا إيجابيًا، بل تحرم المجتمع من النقاش الجاد والموضوعي.المرجعية الحقوقية والقانونية الدوليةما تقوم به “جبروت” يتعارض بشكل مباشر مع القوانين الوطنية والمواثيق الدولية:المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966): حماية الخصوصية والحياة الخاصة ضد أي تدخل تعسفي أو غير قانوني.المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): حماية الأفراد من التدخل في شؤونهم الخاصة أو التشهير بهم.الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان – المادة 8: ضمان الحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية.اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الإلكترونية (2001): إطار دولي لمواجهة القرصنة والهجمات السيبرانية.القانون 09.08 المغربي المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي: يُجرّم المعالجة غير القانونية للبيانات الخاصة.إضافة إلى ذلك، فإن الآليات الأممية ذات الصلة تؤكد على هذا الحق:المقرر الخاص المعني بالحق في الخصوصية، الذي يرفع تقارير دورية إلى مجلس حقوق الإنسان حول الانتهاكات المتعلقة بالمعطيات الشخصية.الفريق العامل المعني بالحقوق الرقمية في مجلس حقوق الإنسان، الذي يشدد على أن الفضاء الرقمي يجب أن يكون مجالاً لحماية الحقوق لا لخرقها.قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 68/167 (2013) حول الحق في الخصوصية في العصر الرقمي، الذي يقرّ بوجوب حماية الأفراد من المراقبة غير القانونية أو التدخلات التعسفية في اتصالاتهم.الحق في حماية الأمن الرقمي والسيادة الوطنيةلا بد من التأكيد أن للمغرب، مثل باقي الدول، حقًا سياديًا مشروعًا في حماية أمنه الرقمي من الهجمات السيبرانية وحملات التضليل، وهو حق أقرّته الأمم المتحدة في عدة قرارات متعلقة بالأمن المعلوماتي. لكن هذا الحق يجب أن يُمارَس دائمًا في إطار احترام الحقوق والحريات الأساسية، حتى يبقى الأمن الرقمي حاميًا للكرامة الإنسانية لا مبررًا لانتهاكها.الإصلاح بالحضور والوضوحمن زاوية حقوقية، الرد الحقيقي على هذه الحملات لا يكون بتجاهل الإصلاحات المطلوبة أو بإغلاق النقاش، بل عبر الحضور القوي للمؤسسات، والتواصل المباشر مع المواطنين، وضمان الحق في المعلومة، وتعزيز الشفافية والمحاسبة. وحده هذا النهج يجعل المجتمع محصنًا ضد التضليل، ويُظهر أن الأوطان تبنى بالحقائق لا بالأكاذيب.خاتمة”جبروت” مجرد أوهام وسراب، لا يمكن أن تصنع تغييرات إيجابية، لأنها تفتقد للصدق والمشروعية والجرأة على تقديم بدائل. أمّا التغيير الحقيقي، فهو الذي يقوم على الإصلاح بالوضوح، الحضور، والمشاركة الشعبية. تلك هي الضمانة التي تجعل المغرب أقوى من كل حملات التشويش، وأكثر ثباتًا أمام كل محاولات الهدم، مع صون حقه السيادي في حماية أمنه الرقمي في إطار احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
✍️ بقلم: إدريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان
