احمد رباصمستجدات

من الكيف إلى الحشيش: تطور صناعة القنب الهندي في المغرب (5/1)

أحمد رباص

يعتبر اقتصاد الكيف في المغرب موروثا من التاريخ الطويل والمعقد لمنطقة الريف. منذ الستينيات، أفضى هذا النوع من الاقتصد إلى ظهور صناعة حشيش مهمة، خضعت في السنوات الأخيرة لتحديث كبير سواء على مستوى زراعة القنب الهندي أوتقنيات الإنتاج.
يطرح هذا التحديث المستمر لصناعة الحشيش أسئلة أكثر مما يأتي به من اجوبة، خاصة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والتوازنات البيئية والاستقرار السياسي في المنطقة. لا يزال مستقبل الريف وفلاحيه يعتمدان بلا شك على اقتصاد القنب الهندي وتطور قوانين المخدرات المغربية والدولية.
كان المغرب لسنوات من أوائل منتجي ومصدري الحشيش في العالم، رسميا بعد أفغانستان وربما قبل لبنان والهند ونيبال، المنتجين العالميين الآخرين الذين لم تتم دراسة إنتاجهم إلا قليلاً ولم يعرف منه إلا النزر القليل، من قبل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. من المحتمل أيضا، ومن المنطقي تماما، أن يكون المفرب أحد أكبر مناطق الحشيش في العالم. لكن إذا كان المغرب بلا شك أحد أوائل منتجي الحشيش في العالم، فهو بلا شك الأخير في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وبالفعل، فإن الحظر العالمي، وأحيانا الحروب، كل ذلك كان لصالح المنتجات اليونانية والمصرية والسورية. في غضون ذلك، أصبحت ألبانيا مؤخرا منتجًا رئيسيًا للقنب الهندي.
تطور إنتاج الحشيش المغربي جزئيا كنتيجة لظهور المغرب كوجهة مميزة للهيبيين في الستينيات، وطيلة المدة التي استغرقتها حرب لبنان (1975-1990)، ولكن أيضا نتيجة لسياق الريف القومي، حيث أن الريف منطقة في شمال المغرب فرض عليها حظر زراعة الكيف منذ عام 1954. وبعدما استؤنفت في منتصف أو في نهاية الستينيات، لم يكن إنتاج الحشيش المغربي قد وصل إلى ذروته، لا سيما وفقا للإحصائيات التي أجراها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في عام 2003، عندما تم حصاد حوالي 3070 طنا من الراتنجات من 134000 هكتار (1.48٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد).
منذ ذلك الحين، انخفضت محاصيل القنب الهندي، أولا إلى 72500 هكتار (في الواقع، المنطقة التي يُحتمل حصادها، بعد القضاء القسري على 15.160 هكتارا من قبل السلطات المغربية) في عام 2005 (1066 طنا من الحشيش)، تاريخ آخر مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
إذن، وفقا لتقديرات مغربية أحادية الجانب هذه المرة، ما يصل إلى 47500 هكتار في 2010 و 2011 و 2012 و 2013 (لن نفشل في ملاحظة الثبات المفاجئ في العدد لمدة أربع سنوات)، استنادا إلى نفس المصدر.
ترافق الانخفاض المفترض في الإنتاج (من 3080 طنا إلى 760 طنا، أي 75٪) رسميًا مع انخفاض المساحات المزروعة (مرة أخرى – 75٪ بين عامي 2003 و 2010-2013). ولكن إذا كانت المساحة المزروعة بالكيف قد تناقصت بالفعل في المغرب، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تأكيد أهمية هذا التخفيض. وربما أكثر من المحتمل أن يتم التقليل إلى حد كبير من إنتاج الحشيش، الذي تم استقراؤه بطريقة ميكانيكية على أساس المساحات المزروعة (هي نفسها تقدر دون معرفة كيف)، كما يشير إلى ذلك الانخفاض الطفيف في الكميات المضبوطة على المستوى الدولي.
مهما كانت الحالة، لا يزال القنب الهندي يحتل مساحات شاسعة في الريف، على مرأى ومسمع من الجميع، على الرغم من أن السياق المغربي يختلف اختلافا كبيرا عن سياق الإنتاج الأفغاني غير القانوني للأفيون والكوكا في كولومبيا. في الحقيقة، المغرب لا يخوض نزاعا مسلحا يمكن ان يدعو إلى التشكيك في قدرة المغرب على فرض السيطرة السياسية على الإقليم، وبالتالي يكون سببا لانتشار زراعة الكيف في هذه المناطق من شمال البلاد بطريقة مكشوفة وغير قانونية. وبالتالي، فإن الزراعة غير القانونية للقنب تنبع إلى حد كبير من الوضع الراهن الذي كان قائما بالفعل، قبل حصول المغرب على الاستقلال، بين الدولة وقرى الريف، إذ شكل تغاضي السلطات عن هذا النوع من الإنتاج الزراعي بديلاً عن تخلف المنطقة من ناحية، وضامنا للسلام الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى.
شهد المغرب تطور زراعة القنب وإنتاج الحشيش على نطاق تجاري (الزراعة النقدية الأحادية) خاصة منذ الثمانينيات على الرغم من عدم شرعيتها وكون البلاد من الدول الموقعة على مختلف اتفاقيات الأمم المتحدة بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية (1961، 1971، 1988)، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (2000).
لكونها غير قانونية، فإن المساحات المزروعة بالكيف تتقلص كثيرا أو قليلا، تبعا للامتدادات أو الانقباضات التي يتعرض لها هذا النشاط على مر السنين، ونظرا لتقلبات الطقس، وحملات الإبادة القسرية، والفساد وسياسة غض الطرف التي تنهجها الدولة في تعاملها مع منطقة الريف الجبلية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط ​​من طنجة في الغرب إلى وادي ملوية والحدود الجزائرية شرقا.
من خلال التذكير السريع بالتراث التاريخي الاستعماري وما بعد الاستعماري للريف، يمكننا بعد ذلك استحضار الطريقة التي أدى بها السياق السوسيوقتصادي والسياسي (الفقر، والعزلة، والفساد، وما إلى ذلك) للمنطقة إلى تحقق تنمية محلية إلى حد ما (حسب الفترة) لزراعة القنب الهندي غير المشروعة. كما سنرى، فقد استمر اقتصاد القنب في الريف لعدة عقود، بعد أن قاوم سياسات وبرامج المخدرات غير الفعالة أو حتى التي تؤدي إلى نتائج عكسية. في الوقت الذي واجهته أزمة الحشيش في السوق الأوروبية وتراجع المساحات المزروعة بعد عام 2005، عرف اقتصاد القنب المغربي منذ عام 2010 عملية تحديث تم تجاهلها إلى حد كبير، سواء من قبل السلطات المغربية أو من قبل الهيئات الدولية، وهي عملية لا تدرك إلا وتثير أسئلة جديدة تتعلق بالتوازنات البيئية والاجتماعية والسياسية في منطقة هشّة من نواحٍ مختلفة.
(يتبع)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
RSS
Follow by Email
YouTube
YouTube